بعد وجبة عشاء مملة من التكرار، وتخالف كل قواعد الرجيم، دخلت إجبارياً في نوم عميق فرضه علي جدول الكهرباء الكئيب، وبعد تقلب في كل الاتجاهات، دخلت في المرحلة الرابعة من النوم، مع حلم أو كابوس، لأعيش دقائق مع أهوال هذا المنام الغريب.
"اللهم اجعله خير" لم أرددها عندما استيقظت قبل الفجر، أبحث عن الماء والنظارة الطبية، أتذكر تفاصيل الرحلة المنامية بعد 5 سنوات متواصلة بلا سفر، في مدينة بين حاجزين إسرائيلي ومصري، وعشرات الحواجز النفسية والفكرية داخل القطاع المحاصر.
رحلة النوم كانت على ظهر طائر كبير مزيج بين الغراب والبومة، نصفه أبيض والأخر أسود، ومن أعلى بيت حانون عرفت أنني فوق حاجز إيرز أو بيت حانون، تفقدت جيبي للبحث عن الهوية الخضراء، فوجدت بدلا منها حجر رمادي، انتبهت فلم أجد نقاط 4:4 ولا 5:5.
تساءلت: أين ذهبت الأجهزة الأمنية للسلطات العتيدة، وأين رجال الأمن بلحية وسلاح والأخرين بدون اللحية والسلاح؟
مشهد عظيم أوقف تفكيري، سألت الطائر الذي يحملني، لو سمحت قُم بدور مرشد سياحي، لأني لم أغادر غزة نحو فلسطين.. لازم أفهم.. لازم أعرف.
رد الطائر ذو المنقار الأحمر: أنت على مشارف رام الله بين المقاطعة الرئاسية ومقر الإدارة المدنية "بيت ايل" أو بيت الرب.
قلت: رئاسة ورب!
فجأة خرجت طوابير رجال من المقاطعة تتجه الى بيت الرب، كل رجل يحمل حقيبة، ويرتدي بدلة رياضية، وفي مقدمة كل طابور شخص يرتدي بدلة عسكرية.
تذكرت مشهد اعتقال أحمد سعدات ورفاقه، والمحاصرين في كنيسة المهد، وطاف في بالي مشهد مقر الأمن الوقائي في تل الهوى بغزة عام 2007.
نكزت الطائر، وصرخت: اهبط أكثر لنتعرف على الرجال وسبب خروجهم فجرا نحو الإدارة المدنية.
رد: أنا سأشرح لك، لعلك تفقه قولي، أنا مطلع أكثر من المصادر الموثوقة والمحللين السياسيين العظام.
صمت قليلا، وتابع: هذه طوابير الأجهزة الأمنية من حرس الرئيس حتى الدفاع المدني، والذي يتقدم كل طابور عضو لجنة مركزية لحركة فتح، ما عدا المخابرات العامة لأن اللواء ماجد فرج حل محله، أبو جهاد العالول.
قلت: معقول، هل هذا هجوم استشهادي على الإدارة المدنية الإسرائيلية؟
الطائر: لا.. لا.. هذه مقاومة شعبية من طراز جديد شوية من غاندي وشوية من كسينجر، اصبر ولا تكون كالنبي موسى عليه السلام.. اصبر.
وواصل حديثه: الجماعة في المقاطعة قالوا ما في دولة فلسطينية مع ترامب ونتنياهو، ولا مع يوسي بيليين، والرواتب 40%، قرروا بعدها العمل داخل الخط الأخضر.
قلت: يعني سلام اقتصادي؟
يا صديقي النايم الصاحي: لا.. لا.. كل عسكري يحمل في حقيبته البدلة العسكرية والسلاح الرسمي، وبطاقة الوظيفة والرتبة.
قلت: عملها أبو مازن وحل السلطة
رد: يا غبي.. انت قفزت في الزمن سنة كاملة، بعد عملية سور واقي (3) 2019-2020، وبعد حرب غزة الرابعة، حربين عجلت خيار "تسليم السلطة"!
لاحظت طوشة غير بعيدة عن مقر الحاكم العسكري، صرخت يا أبو العريف قرب نشوف المشكلة.
رد وهو يضحك بشكل غريب: الطوشة بين الشيخ محمود الهباش وكمال الخطيب، كل واحد يريد منصب إمام مسجد إبراهيم باشا، والآن زعيم الطائفة السامرية يحاول تهدئة النفوس.
الحمد لله، رددت ثلاث مرات، وطلبت من رفيقي دخول مقر الإدارة المدنية.
فورا كنت أمام طاولة كبيرة عليها ضباط باللباس العسكري واخرين بملابس مدنية ومنهم من يرتدي قبعة صغيرة، وعلى رأس الطاولة شاهدت غسان عليان يضع رأسه بين يديه، واصابته في حرب 2014 لازالت واضحة، ويردد بخوف وحيرة ماذا أفعل؟ ماذا أقول لنتنياهو؟
سكت ولطم ثم قال: مرة واحدة 60 ألف موظف سلطة بدهم تصاريح عمل وقانون ضمان اجتماعي جديد، يا ويلي.. يا ويلي.
جاءت مجندة ترتدي بدلة عسكرية وشعرها منكوش، بدون حذاء عسكري، وقالت سيدي وزير الصحة الفلسطيني على التلفون يريد ادوية ومستلزمات طبية لمستشفى جنين ودير البلح.
لطم بشدة وصرخ: ودير البلح كمان، هناك أبو الريش وكيل الوزارة.. صحة رام الله ليس لها علاقة.
قطع حديثهما ضابط ملتحي بالكاد يلتقط الأنفاس، سيدي غزة.. غزة
رد غسان: خلل فني وإطلاق صواريخ؟
بصعوبة كاد ينطق: لا السنوار أحضر شاحنات الاونروا وحمل فيها الصواريخ ويتجه الان الى مطار غزة الدولي.. ويغني بصوت عالي مع أبو ماهر حلس:
(حرب رابعة وطخ مفيش.. مقاومة شعبية بدنا نعيش)
بكى عليان: اتصل على كوفي عنان
الجندي: سيدي كوفي عنان خلص من الأمم المتحدة زمان..
عليان: لا تركز.. انا مخربط.. بدنا مخرج
الجندي: سارة نتنياهو على التلفون.
بقلم/ عامر أبو شباب