الانتخابات الفلسطينية: فرصة لاستعادة الوحدة أم خطوة للانفصال

بقلم: جهاد حرب

إن طلب إجراء الانتخابات التشريعية دون إجراء الانتخابات الرئاسية وفقا لما جاء في البند الثاني من خطاب التكليف لرئيس الحكومة الجديدة يعد وصفة جاهزة لرفض فصائل فلسطينية وازنة للمشاركة في هذه الانتخابات، وجعل الانتخابات عقبة إضافية أمام استعادة الوحدة وانهاء الانقسام بدلا من تحويلها إلى فرصة كمدخل لإنجاز المصالحة واستعادة الوحدة. هذه الانتخابات التشريعية ستعمق من فرص الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل وجود تحديات غاية في الصعوبة أمام الفلسطينيين ناجمة عن ممارسات الأطراف الفلسطينية المختلفة. كما تنذر بوضع تحديات جديدة أمام عودة الوحدة الوطنية أو المصالحة في المدى القريب والمتوسط، وتكرس، ولو بحسن نية، أخطاراً سياسية تهدد بتصفية المشروع الوطني المتمثل بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. كما أن عدم إجراء انتخابات لرئيس السلطة الفلسطينية يعني واحد من أمرين؛ إما الغاء المنصب وإما جعله غير منتخب وغير مساءل.

مما لا شك فيه إن إجراء الانتخابات الفلسطينية حاجة أساسية لبناء نظام ديمقراطي يحظى بالمشروعية، فقد بات اجراء الانتخابات ضرورة بعد انقضاء تسعة سنوات على انتهاء مدة ولاية رئيس السلطة والمجلس التشريعي في يناير 2010، وبات إجراؤها ملزماً بموجب قرار المحكمة الدستورية في كانون أول/ ديسمبر 2018 والقاضي بحل المجلس التشريعي والذي بدوره أفقد النظام السياسي القدرة على الانتقال الديمقراطي في حال شغور منصب رئيس السلطة الفلسطينية من جهة، وأنهى المؤسسة السياسية الوحيدة الجامعة للسلطة الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة ثانية.

إن من المؤكد أن حق المواطنين في اختيار ممثليهم في الحكم بالإضافة إلى كونه حقاً دستورياً فإنه يأتي في الظروف الراهنة أيضاً كحل لمأزق سياسي بتآكل الشرعية لمؤسسات النظام السياسي الفلسطيني؛ بحيث لم يعد بالإمكان التشدق بنتائج الانتخابات التي جرت منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، ولمأزق دستوري يتعلق بمدة ولاية المجلس التشريعي التي امتدت لأكثر من ثلاثة عشر عاما. إن مما لا شك فيه أن إجراء الانتخابات للمؤسسات السياسية في السلطة الفلسطينية سيعيد خضوع المؤسسات السياسية للمساءلة ولمبدأ المشروعية، وتحمي الجهاز القضائي من التدخلات، ويوسع من ضمانات الحريات العامة وحقوق الانسان، وتعزز من استقلالية المجتمع المدني وتعدديته.

يطرح إجراء الانتخابات الفلسطينية تحديا إضافيا أمام القيادة الفلسطينية في ظل ظروف معقدة ومركبة فمن جهة الاحتلال الإسرائيلي ومن جهة ثانية الانقسام. تهدف هذه الورقة إلى استعراض الخيارات المحتملة وفحص تأثير كل منها على مستقبل النظام السياسي الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، وعرض فرص إجراء الانتخابات الفلسطينية ومواقف الأطراف المختلفة ذات التأثير المباشر على إجراء هذه الانتخابات. تهدف الورقة لطرح توصيات للسلطة الفلسطينية بهدف استثمار فرصة الانتخابات في إطار استعادة الوحدة الفلسطينية وإعادة المشروعية للنظام السياسي الفلسطيني.


ثلاثة خيارات لإجراء الانتخابات مقابل خيار الحفاظ على الوضع الراهن    

يدور النقاش في الأوساط السياسية الفلسطينية حول أربعة خيارات بشأن الانتخابات الفلسطينية المزمع اجرائها؛ الأول يقضي بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة في الضفة والقطاع معاً، والثاني يقضي بإجراء الانتخابات التشريعية فقط في الضفة والقطاع، أما الثالث فيتمثل بإجراء الانتخابات التشريعية في الضفة الغربية فقط، فيما الرابع يتعلق بعدم إجراء الانتخابات في هذا الوقت. إن الخيارين الأول والثاني والقاضيان بإجراء الانتخابات في القطاع والضفة (بما فيها القدس) بمشاركة الفلسطينيين فيهما يتطلبان موافقة حركة حماس ومشاركتها وكذلك موافقة الحكومة الإسرائيلية لإجرائها في مدينة القدس "أي فتح مراكز البريد وفقا لبرتوكول الانتخابات لعام 1995". بينما الخيار الثالث يتطلب موافقة الحكومة الإسرائيلية لضمان مشاركة سكان القدس في العملية الانتخابية. فيما الخيار الرابع يبقي على الوضع الراهن بتغييب المساءلة الشعبية للسلطات الحاكمة.

الخيار الاول: إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية متزامنة في الضفة والقطاع معاً

من المؤكد أن الإعلان عن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية سيحظى بموافقة أغلبية الفصائل والأحزاب السياسية. ويضع صعوبات أمام أي فصيل، خاصة حركة حماس، برفض إجراء هذه الانتخابات في حال توفرت ضمانات حرية الانتخابات ونزاهتها. ينسجم هذا الخيار مع رغبة الجمهور الفلسطيني؛ حيث تريد أغلبية واسعة (72%) من الجمهور الفلسطيني إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية معاً، وفقا لنتائج استطلاع الرأي (71) الذي اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في شهر آذار/مارس 2019، وترتفع نسبة التأييد لإجراء الانتخابات هذه في قطاع غزة (83%) مقارنة بالضفة الغربية (65%). كما أن ثلثي الجمهور (66%) تريد من حركة حماس المشاركة فيها والسماح بإجرائها في قطاع غزة.  

إن أهم مزايا هذا الخيار هو إعادة انتاج الشرعية لكافة مؤسسات النظام السياسي، كما انها تقضي بان تتحمل المؤسسات السياسية مسؤولية استعادة الوحدة وانهاء الانقسام من خلال إطلاق حوار وطني داخل هذه المؤسسات المنتخبة، وبشكل خاص في المجلس التشريعي، لمعالجة الاشكاليات الناجمة عن الانقسام وتبعاته.

الخيار الثاني: إجراء انتخابات تشريعية دون رئاسية

وكما هو واضح في كتاب التكليف الرئاسي لرئيس الحكومة الجديد فإن الرئيس محمود عباس ومن خلفة حركة فتح يرغبان في خيار إجراء الانتخابات التشريعية فقط دون رئاسية حيث نص كتاب التكليف في البند الثاني على ضرورة "اتخاذ الإجراءات اللازمة، وبالسرعة الممكنة، لإجراء الانتخابات التشريعية في محافظات الوطن الجنوبية والشمالية بما فيها القدس الشرقية وفقا لأحكام القانون الأساسي والقوانين ذات العلاقة". في المقابل ترى حركة حماس ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن حيث صرح د. خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة حماس بعد لقاء رئيس لجنة الانتخابات المركزية "أن حماس جاهزة للدخول في انتخابات رئاسية وتشريعية". كما دعا البيان التأسيسي للتجمع الديمقراطي الفلسطيني الذي يضم كل من الجبهتين الشعبية والديمقراطية، وحزبي الشعب وفدا، وحركة المبادرة الوطنية، وعدد من المستقلين الوطنيين إلى إجراء "الانتخابات الشاملة" أي الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني.

وعلى الرغم من معارضة كبيرة (61%) من الجمهور الفلسطيني لهذا الخيار، (حيث ترتفع هذه المعارضة في قطاع غزة الى 70% مقابل 55% في الضفة الغربية) حسب نتائج الاستطلاع رقم (71)، إلا أن أغلبية كبيرة (59%) تريد من حركة حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية والسماح بإجرائها في قطاع غزة. يرتفع التأييد في الضفة (64%) مقارنة بـ(51%) في القطاع. ويقول (41%) من الجمهور الفلسطيني أنه سيشارك في الانتخابات التشريعية فيما قال (54%) انهم لن يشاركوا في هذه الانتخابات.

ومن المؤكد أن تقوم حركة حماس بمنع إجراء هذه الانتخابات في قطاع غزة الذي تسيطر عليه؛ وحسب تصريح د. خليل الحية "أن وفد لجنة الانتخابات عرض على الحركة موقف الرئيس محمود عباس بشأن إجراء انتخابات للمجلس التشريعي فقط، وهو أمر رفضته الحركة"، حيث ترى أغلبية الجمهور (53%) أن حركة حماس لن تسمح بإجراء الانتخابات التشريعية في قطاع غزة. وكما ستفقد الانتخابات أهم ميزاتها التنافسية مما يتعارض مع "ترسيخ التعددية السياسية" التي دعا لها كتاب التكليف لرئيس الحكومة الجديد. لكن موقف حركة حماس يمكن أن يتغير أو يتم تعديله من اجراء الانتخابات التشريعية في حال قدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح ضمانا بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعد لاحق ما بين ستة أشهر إلى عام.

كما أن عدم إجراء انتخابات لرئيس السلطة الفلسطينية يعني واحد من أمرين؛ إما الغاء المنصب وإما جعله غير منتخب وغير مساءل؛ ففي حالة إلغاءه يكتفي صاحب المنصب بصفته كرئيس للدولة وكرئيس للجنة التنفيذية وهما منصبين غير منتخبين في انتخابات عامة من قبل المواطنين وليس لهما وجود في القانون الأساسي. أما في حالة عدم الانتخاب أي عدم الخضوع للمساءلة فهذا يعني أنه ليس بحاجة لشرعية انتخابية مما يعني أن القانون الأساسي لم يعد له أهمية في النظام السياسي الفلسطيني الامر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام الغائه بنفس الطريقة التي تم فيها إلغاء المجلس التشريعي. وهذا ممكن جدا، لأن الرئيس عين د. محمد اشتيه بصفته رئيساً للمنظمة والدولة ولم يعينه بصفته رئيساً للسلطة الفلسطينية (يمكن الاطلاع على كتاب التعيين) وبالتالي يمكن الذهاب للمحكمة العليا والادعاء ببطلان التعيين لأنه يخالف القانون الأساسي الذي يُعطي رئيس السلطة فقط حق تعيين رئيس الوزراء، وعند تحويل الموضوع للمحكمة الدستورية يمكن لهذه المحكمة أن تعلن عن القانون الأساسي أنه ليس ذا صلة لأن فلسطين الآن دولة وليست سلطة مقيدة بأوسلو ولا حتى بالقانون الأساسي.

ومن المؤكد أن هذه الانتخابات التشريعية إنْ جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة فإنها ستعيد الحق للفلسطينيين باختيار ممثليهم في المجلس التشريعي، وتعيد التوازن في النظام السياسي حيث يحظى المجلس الجديد بشرعية شعبية مقابل شرعية تآكلت لدى الرئاسية على مدار السنوات الأربعة عشر الماضية. وتتيح فرصة لاستعادة الوحدة في حال شاركت حركة حماس في هذه الانتخابات.

الخيار الثالث: اجراء انتخابات تشريعية في الضفة دون القطاع

يتمثل هذا الخيار بإجراء انتخابات تشريعية دون رئاسية في الضفة الغربية فقط، في حال رفضت حركة حماس المشاركة ومنعت إجراء الانتخابات في القطاع، سيواجه اعلان إجراء الانتخابات التشريعية كهذه معارضة واسعة من قبل أغلب الفصائل الفلسطينية؛ فلن تشارك فيها حركة حماس باعتبار أن هذه الانتخابات هي فقط لنزع الشرعية عنها في المجلس التشريعي، فيما تمتنع أساسا حركة الجهاد الأساسي من المشاركة في الانتخابات العامة. وكذلك ستعارض فصائل رئيسية في منظمة التحرير الفلسطيني كالجبهة الشعبية والديمقراطية هذه الانتخابات باعتبارها تعاظم من خطر الانفصال بين الضفة والقطاع.

يُعارض هذا الخيار ثلاثة ارباع الجمهور (74%)، وترتفع المعارضة في القطاع إلى (83%) مقارنة (68%) في الضفة، وتقول نسبة من (29%) فقط أنها ستشارك في هذه الانتخابات مقابل نسبة من (62%) لن تشارك في انتخابات تشريعية تقتصر على الضفة الغربية. في المقابل ترى أغلبية الجمهور (50%) أن المجلس المنتخب سيمثل الضفة والقطاع في حال تضمنت القوائم الانتخابية مرشحين من القطاع مقابل نسبة من (34%) ترى أن هذا المجلس التشريعي سيمثل الضفة الغربية فقط حتى لو كان بعض أعضائه من قطاع غزة.

من المؤكد أن عدم مشاركة المواطنين في قطاع غزة في هذه الانتخابات وكذلك محدودية مشاركة المواطنين في الضفة الغربية سيجعل من هذه الانتخابات انتخابات مجزؤه وتنتج مجلسا تشريعيا لا يحظى بالشرعية الشعبية. لكن مما لا شك فيه أن وجود مجلس تشريعي "منتخب" سيحد من سطوة السلطة التنفيذية ويضع حدودا لتغولها على السلطات الأخرى، وكذلك يؤمن انتقالا سلسا للسلطة في حال شغور منصب الرئيس في المستقبل.  

الخيار الرابع: عدم اجراء الانتخابات

هذا الخيار هو الإبقاء على الوضع الراهن وهو يقضي بعدم اجراء الانتخابات لوجود صعوبات وتعقيدات تفوق قدرات السلطة الفلسطينية وهي تتعلق بموافقة أطراف خارجية كإسرائيل على اجراء الانتخابات في مدينة القدس والحصول على ضمانات عدم عرقلتها في مناطق (جيم) في الضفة الغربية ومن المحتمل عدم الحصول عليها في المدى المنظور. كذلك، فإن عدم الحصول على موافقة حركة حماس لإجراء الانتخابات في قطاع غزة سيحرم المواطنين من المشاركة فيها. بالإضافة إلى أن أطراف مركزية في حركة فتح وفصائل العمل الوطني قد تدفع نحو التأجيل خوفا من تحمل المسؤولية عن الانفصال بين الضفة والقطاع. لكن هذا الخيار لا يحظى برضى الجمهور الفلسطيني؛ فقط 13% من الجمهور لا يريدون إجراء الانتخابات سواء كان تشريعية أو تشريعية ورئاسية.    

لكن هذا الخيار يعزز من النزعة السلطوية ويمنح صلاحيات لا محدودة لرئيس السلطة الفلسطينية مقابل غياب أية مساءلة من قِبل مؤسسات منتخبة، ويبقي على الأزمة "الفراغ الدستوري" لمنصب الرئيس في حال شغور منصب الرئيس دون وجود مجلس تشريعي منتخب مما ستجعل إمكانية انتقال السلطة غير مضمونة. كما يُبقي الازمة السياسية الحالية دون منح المواطن الفلسطيني فرصة للمشاركة في انهاء الانقسام من خلال اختياره لممثليه في المؤسسات السياسية، وكما يحرم المواطنين من حقهم الدستوري في الانتخاب المنصوص عليه في القانون الأساسي.   

ثلاثة تحديات في مواجهة الانتخابات الفلسطينية

يتطلب إجراء الانتخابات التشريعية أو التشريعية والرئاسية معاً من القيادة الفلسطينية الإجابة على ثلاثة تحديات أساسية؛ التحدي الأول يتمثل بالحصول على الموافقة الإسرائيلية لإجراء الانتخابات في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، وذلك لضمان مشاركة المواطنين الفلسطينيين "المقدسيين" في المدينة المقدسة. يبدو من المتعذر الحصول على هذه الموافقة أو تقديم الطلب لذلك قبل إجراء الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجرائها في التاسع من نيسان/ ابريل القادم. وكما يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس استخدم مناورة إجراء المشاورات من قبل لجنة الانتخابات المركزية لاستنفاذ الوقت المخصص لإعلان موعد إجراء الانتخابات الفلسطينية (وفقا لقرار المحكمة الدستورية فإنه على الرئيس الاعلان خلال ستة أشهر من تاريخ نشر القرار في الجريدة الرسمية) لتجاوز موعد الانتخابات الإسرائيلية.   

والتحدي الثاني يتعلق بالحصول على موافقة حركة حماس لإجراء الانتخابات سواء للمشاركة فيها أو السماح بإجرائها في قطاع غزة، سيعتمد تجاوز هذا التحدي بشكل كبير على طبيعة الانتخابات المزمع الإعلان عن اجرائها بعد الانتهاء من المشاورات التي تجريها لجنة الانتخابات المركزية، سواء كانت تشريعية ورئاسية معاً أم تشريعية، حيث أعلنت حركة حماس أنها تريد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بالتزامن. كما انه من غير المتوقع أن تجري الانتخابات التشريعية لوحدها في قطاع غزة أو السماح بها في غياب ضمانات محددة بإجراء الانتخابات الرئاسية لاحقا، الامر الذي يعيق إمكانية إجراء الانتخابات من جهة ويعرقل فرصة استعادة الوحدة وتوحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع.

أما التحدي الثالث فيتمثل بالاتفاق بين حركتي فتح وحماس على طبيعة النظام الانتخابي الذي ستجري على أساسه الانتخابات القادمة. هذا التحدي يعيد للأذهان النقاشات التي جرت في المجلس التشريعي العام 2005 عندما رفض أغلبية أعضاء المجلس التشريعي آنذاك اعتماد النظام الانتخابي النسبي واصرارهم على نظام الدوائر ظنا منهم أنهم يضمنون بذلك عودتهم إلى مقاعد المجلس من جديد. ولم يجرِ التعديل الا بعد تدخل الرئيس محمود عباس لاعتماد النظام المختلط بالمناصفة (50% دوائر و50% قوائم). ومن الواضح أن حركة حماس ما زالت تصر على النظام المختلط ظنا من قيادتها انها ستحافظ على مقاعدها في الدوائر الانتخابية. في المقابل يرى الرئيس محمود عباس وحركة فتح أن النظام الانتخابي النسبي "القوائم" المتضمن في القرار بقانون رقم 1 لسنة 2007 هو النظام الأنسب.

إن تجاوز تحدي ضمان المقاعد والظفر بها أو ضمان الفوز الكاسح، على غرار ما جرى في انتخابات المجلس التشريعي العام 2006، إلى اختيار نظام انتخابي يسمح ويضمن الشراكة في المجلس التشريعي والنظام السياسي سيؤدي إلى اختيار أو الاتفاق على النظام الانتخابي النسبي "القوائم" لجميع مقاعد المجلس التشريعي "البرلمان" سواء على مستوى الوطن أو على مستوى الدوائر، أو اعتماد نظاماً انتخابياً نسبياً مختلطاً بحيث يتم انتخاب نصف مقاعد المجلس التشريعي "البرلمان" عبر قوائم على مستوى الوطن، والنصف الثاني عبر قوائم على مستوى الدوائر.

التوصيات

يمكن للقيادة الفلسطينية أن تجعل من إجراء الانتخابات العامة فرصة كمدخلٍ لإنهاء الانقسام بعد فشل الخيارات والجهود التي بذلت في السنوات العشر الأخيرة، ولتوطين الحوار الفلسطيني ومأسسته تحت قبة البرلمان. ويمكنها جعلها فرصة لإعادة المشروعية للنظام السياسي وتحقيق التوازن بين مؤسساته السياسية من خلال التفويض الشعبي عبر صندوق الاقتراع وفقا لأحكام القانون الاساسي الذي يحدد العقد الاجتماعي ما بين المواطنين والحكام والمدة الزمنية الدستورية لهذا التفويض الشعبي. ويمكنها جعلها في نفس الوقت فرصة متاحة لتوحيد الجهود الفلسطينية في مواجهة مشاريع التصفية والإجراءات الامريكية والإسرائيلية المتسارعة.

تشير الخيارات الثلاثة الأولى، المذكورة آنفا، إلى احترام حق المواطنين ورغبتهم بإجراء الانتخابات الفلسطينية وهي جميعها تحاول تقديم حلولا للازمة الدستورية المتعلقة بانتقال السلطة، وتتيح فرصة لإحداث توازن في النظام السياسي وتحد من سطوة السلطة التنفيذية. ومن المؤكد أن الخيار الأول "إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية معا" يقدم حلا مثاليا كمدخل لإنهاء الانقسام، ويضمن عدم مقاطعة الفصائل الفلسطينية المختلفة في هذه الانتخابات ويضمن إجراء هذه الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة لتوفير أوسع مشاركة للشعب الفلسطيني فيهما.

ويقدم الخيار الثاني، "إجراء الانتخابات التشريعية في الضفة والقطاع"، فرصة لضمان اجراء انتخابات حرة ونزيهة، وفي حال الاتفاق على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعد لاحق قريب، فإن ذلك سيفتح المجال أمام حركة حماس للمشاركة في هذه الانتخابات وضمان مشاركة واسعة لفصائل العمل الوطني وقطاعات مجتمعية مختلفة. لا يتيح الخيار الثالث، أي إجراء انتخابات تشريعية فقط وفي الضفة الغربية فقط، فرصةً لاستعادة الوحدة وربما يأتي لتعميق الانقسام، لكنه يُلغي الفيتو على اجراء الانتخابات وعلى حق المواطنين في اختيار ممثليهم، ويوفر فرصة لإعادة التوازن بين مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني ويقدم حلا دستوريا لانتقال السلطة في حال شغور منصب رئيس السلطة الفلسطينية.

 إن تنفيذ أي من هذه الخيارات يتطلب القيام بجميع الخطوات الآتية أو بعضها:

أولا: على الرئيس الفلسطيني الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات، إثر انجاز لجنة الانتخابات المركزية للمشاورات التي تقوم بها وتقديم تقريرها، ضمن الحدود الزمنية المحددة في قرار المحكمة الدستورية.

وثانيا: الاتفاق على اعتماد النظام الانتخابي النسبي "القوائم" لإتاحة الفرصة لمشاركة كافة أطياف الفصائل الفلسطينية وضمان تمثيلها في المجلس التشريعي وفقا لحجمها النسبي في المجتمع الفلسطيني. أو اعتماد هذا النظام على مستوى الدوائر والذي قد يتيح مشاركة قوائم المستقلين على الدوائر لضمان وصول شخصيات محلية مستقلة قد لا تكون لها فرصة لإقامة قوائم على مستوى الوطن. أو اعتماد نظاماً انتخابياً نسبياً مختلطاً بحيث يتم انتخاب نصف مقاعد المجلس التشريعي "البرلمان" عبر قوائم على مستوى الوطن، والنصف الثاني عبر قوائم على مستوى الدوائر.

وثالثا: التعهد من قبل الحكومة ومؤسسات الامر الواقع، وكذلك حركتي فتح وحماس، بضمان حرية ونزاهة الانتخابات، وضمان احترام نتائج هذه الانتخابات والتسليم بها.

رابعا: تكليف لجنة الانتخابات المركزية بالتحضير للانتخابات ووضع الخطط الكفيلة بمنح المصداقية للعملية الانتخابية وتعزيز نزاهتها وشفافيتها من خلال وجود هيئات رقابة دولية تحظى بثقة الاطراف الفلسطينية، سواء أكانت من هيئة الامم المتحدة أو من أطراف فلسطينية أو عربية أو إسلامية ومنظمات اجنبية.   

 

جهاد حرب