الإنسان هو الذي يهب الأرض حياة ،فإن سقط الإنسان حتماً ستسقط الأوطان ..
شعرت بالبغض والكره لما تعرض له صديقي المبدع عاطف أبو سيف من اعتداء بلطجي قذر خلال الفترة المنصرمة و عندما نقل لرام الله وشاهدت أنه أصبح مزاراً للمسؤولين ومعرضاً للصور، آمنت أن غزة لن تنسى .. واليوم بعد أن قرأت ما أصاب الشاب محمد أبو شملة المتفوق بدراسته ابن مدينة النصيرات، العاطل عن الحياة ،الذي خرج مقهوراً بفضل تجار الوطن الذين سلبوا ما تبقى لنا من اكسجين ،وألقى نفسه في تركيا للبحث عن طريق لأوروبا عسى أن يجد رغيف خبزه الطائر المغمس بالدم فاصطادته مافيا التهريب التي استغلت عجزه ووحدته، فهو المغلوب على أمره لا أباً يحميه ولا سلطة تدافع عنه .. فريسة سهلة لكل صياد عابر ، استغلوا ضعفه افرغوا جيبوه وفي المنتهى ليحمي نفسه سقط خوفاً من الطابق الرابع وتهشم رأسه والآن يعيش في غيبوبة ويلقى في مستشفى غريباً وحيداً ...
حلمت هذه الليلة أننا جميعنا سواسية أمام أولي الأمر ولم يكن تعاطفهم مع الدكتور عاطف مجرد حدثاً سياسياً لا أكثر ولا أقل... رأيت جميع القادة يتهافتون لمساعدة الشاب المصاب ويبحثون عن أفضل الوسائل لعلاجه وإنقاذه... وحينما استيقظت من هذا الوهم خرج الوجع يستصرخني أن أرحمه من وجعنا وهو يرى شبابنا يتساقطون كأوراق الخريف الواحد تلو الآخر ..
سنوات عجاف خلعتنا من جذورنا ومسحت بكرامتنا الأرض وتركتنا لنأكل لحم بعضنا بعضاً ، لتمرير خيانة كبرى... فيا أيها المسؤول المتسلق على أجسادنا لن نبقى مصعداً للأزل ، يوم الحساب آتي لا محالة ولكن قبل أن يأتي ذلك اليوم الموعود لي سؤال : أيهما أهم من وجهة نظرك الوطن أم المواطن ؟!!
في العالم الحر الذي يحترم نفسه يصنعون الإنسان المنتمي الذي يحمي أرضه وشعبه وفي أوطاننا خوفاً من أن يخلعوك من كرسيك تبادر لتهدم كل مخلص شريف وتذبحه وتعلمه أن يكره وطنه ويخذله بالرحيل والخوف و الكذب والرياء والنفاق .. ماذا أقول ؟ كرهنا ثقافة الموت الذي جرعتموها لنا مع أننا لا نخشاها ، مازلنا نبصرها كل صباح في حكايات ملح الأرض الذين تحولوا لخبر عاجل يصعد عليه البغال ..
أخي المواطن! قف وفكر من المسؤول عن كسر شخصيتك وخنقك لتكفر بوطنك .. في الماضي القريب كان الفلسطيني يدفع الغالي والنفيس ليحصل على لم شمل ليعود لأرضه واليوم يبيع نفسه و يلوح بالراية البيضاء ليفر بجلده هارباً .. تارك الجمل بما حمل وهو يعلم أن الموت ينتظره في البحر وإن نجى فالضرب والتوبيخ في انتظاره في أماكن إيواء اللاجئين و هناك مافيا الموت سيتاجرون بأعضائه البشرية وهو على قيد الحياة... أي لعنة أصابتنا وجعلتنا نستسلم للأمر الواقع ،من حقننا بلا مبالاة ليصبح لحمنا رخيصاً ؟ أيعقل أن نبقى عبيداً ونركع لأصنام خلقناهم من خوفنا ؛لنعبدهم ونتركهم يصعدون على ظهورنا ويمارسون دعارتهم السياسية ونبقى نحن المستضعفين من يصفق لهم... ننافقهم ونمارس الرياء ونقبل نعالهم حتى يقوموا بواجبهم الذي يتقاضون عليه أجراً... نحتاج دماً جديداً وأناس مخلصين تبث أفكاراً تحرك واقعنا المزري .. للأسف لم يبق من الوطن إلا الجسد وبعض التحيات والسلام .. سقطت أوراق التوت عن الجميع وجفت الأقلام
فيا حسرتي! ما يؤلمني أن غزة ستخلع من روحها عاجلاً أم أجلاً ،فإياكم أن تتباكوا على جثتها.. فجميعنا وبدون استثناء شركاء في العار ،أكلنا لها الطعنات المسمومة من الخلف، فالقاتل والمقتول والمتسلق والمحايد حتى المواطن المنهك الضعيف الجائع شريك بصمته في المذبحة.. الكل مذنب وبدون استثناء ..
أدعياء الوطنية جرعوا شبابنا وشباتنا ألوان من الحقد والدونية حتى كفروا بالصالح والطالح وأصابهم دوار التيه
غزة تروض منذ ثلاثة عشرة عاماً على القمع والإهانة والمذلة ،مجرد كرة سوداء يتقاذفها متكرشين حتى تحمل انكسارتها وتسلم مفاتيحها لأي شيطان لو فتح لها نافذة في الجحيم ..فحين تسقط الكرامة ويتحول الإنسان لمسخاً جائعاً ويكسر أمام نفسه وبيته وأهله فإياك أن تطلب منه أن يكون قديساً فمن تهون عليه نفسه سيهون عليه الجميع .. الشعارات الرنانة وتبادل الاتهامات ، لن تعيد لنا عمرنا الهارب، لن تعيد الحياة لشاب انتحر، لفتاة باعت جسدها أو لتاجر محترم تحول لنصاب ومازال يقبع بالسجون... لن تحمي أسرة تحول رب بيتها لصاً كي يطعم أبناؤه، فليس على المذبوح حرج فالمستقبل يحتاج لشجرة واحدة ورب واحد، المنافقين المتسلقين يطالبون الناس أن يكونوا ملائكة وأن يصبروا... فيا كل مسؤول متقاعس خان ثقة الناس وامتد كرشه من التخمة ويدعونا للصبر... لي سؤال... هل نمت يوماً جائعاً وعشت كوابيس صاحب البيت وهو يطاردك في اليقظة والحلم؟ هل حرمت ابنك من التعليم بسبب الحاجة؟ الناس كفرت بالجميع لم يبق شيء ليبيعوه فاخرس ..
غزة تعج بصور المآسي... مازالت هناك أم تعرض كليتها للبيع ، وأخرى تعرض جسدها وأب يبكي قهراً أمام أطفاله ..وشباب ينتحرون ما بين هجرة ومخدرات وغرق في البحر..
السيد الرئيس نحن نحبك ونعلم أنك تواجه الطواغيت بمفردك فلماذا تركت حصان غزة وحيداً وأنت تعلم علم اليقين إن الجميع سيخذلونك؟ إن اشتدت المعركة وسيطعنونك بسهام الغدر؟
غزة أرض الثوار فاقترب من أبنائك أكثر لتحميهم ويحموك قبل أن نسقط جميعاً وينهار ما تبقى لنا .. فأنا أعلم أنك حاولت أن تستعيد ها بكل السبل فقسوت عليها حتى انفرطت حبات العقد السيد الرئيس محمود عباس .. المحترم
يحكى أن عمر بن الخطاب رأى عجوزاً فسلم عليها وقال لها ما فعل عمر ؟ قالت : لا جزاه الله عني خيراً. قال: ولم ؟ قالت : لأنه –والله – ما نالني من عطائه منذ ولى أمر المؤمنين دينار ولا درهم فقال لها : وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع ؟ قالت : سبحان الله !والله ما ظننت أن أحداً يلي عمل الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها .فبكى عمر ثم قال: واعمراه! كل أحد أفهم منك حتى العجائز يا عمر . لم يظلمها .. لم يعاقبها انصفها واشترى مظلمتها ..
فخامة الرئيس هناك ابن من أبنائك سرقت أحلامه في غزة فهرب من النار إلى السعير بعد أن أوصدت بوجهه كل السبل إنه الشاب الخلوق المبتسم رغم الوجع محمد أبو شملة يرقد الآن في مستشفى أيدن في تركيا وهي مستشفى متواضعة وأمه تواصل الليل بالنهار باكية تتألم وتدعوك أن تقف معها وتشد من أزرها فكن عونا لها فهذا الشاب من رعيتك وأنت رب البيت فاحتضن أبناءك، شعبك يتمنى عليك أن تصدر أوامرك للجهات المختصة لنقله لمستشفى أكثر تخصصاً في إسطنبول فعسى أن تساهم هذه المحاولة بإنقاذه
اللهم اني قد بلغت اللهم فأشهد
بقلم : مصطفى النبيه