كانتْ المرأةُ مستلقيةً على أريكتها كعادتها، لكنّها استيقظتْ من سماعِها طرقاتٍ على بابِ منزلِها، وعندما فتحتْ بابَ منزلها، رأتْ رجلاً ببنطالِه المُمزّق والمُتّسخ، فقالت له: ماذا تريدُ؟ فقالَ لها: أريدُ مالاً.. كانت العتمةُ بدأتْ تنتشرُ، والعاصفةُ بدأت تشتدُّ، فقالتْ له: أعذرني لا يوجدُ أيّةُ نقودٍ. نظرَ صوبها الرّجُل وتهكّم عليها، وقالَ لها: كيف لا يوجدُ نقودٌ معكِ وأنتِ ترتدين روباً فاخرا .
شعرتْ المرأةُ أمامه لحظتها بالحرجِ، وقالتْ له: انتظرْ، وأغلقتْ البابَ خلفها من بابِ الاحتياط، وخطتْ صوب محفظتِها، ووجدتْ بعض القطعِ المعدنية، فعادتْ بها لتعطيها لذاك الرّجُل المنتظر في بيتِ الدّرج، وحين فتحتْ البابَ لم تجده. أحسّت حينها بالحزْنِ يسكنُ عينيها. تمددتْ مرة أخرى على الأريكة، وأغمضتْ عينيها، وفي الصّباح ذهبتْ إلى الكنيسة، وحينما دخلَ الكاهن وقفَ الجميع، لكنّها لم تنتبه، فطرقتْ امرأةٌ عجوز بعصاها على المقعدِ لتنبّهها، فجفلتْ تلك المرأة، فقامتْ المرأة العجوز، وربتتْ بيدها المجعّدة على ظهرِها لتسندها في قعودِها، وقالتْ لها: ألم تنحرجي البارحة، حينما أعدتِ ذاك الرجل حزينا.. وقفَ الكاهن وتبعته جوقة الخورس. لم تكن تفكّر أنّ خطبةَ الصّلاة طويلة، وجلستْ أكثر من ساعةٍ تستمعُ لخطبته، وحين سمعتْ مباركةَ الكاهن للجميع، رددتْ كلماتِ الشّكر في ذاتها، لكنّ الكاهنَ أشار لها بأنْ تأتي إليه، وحين ذهبتْ إلى عنده، قالَ لها: أتريدين الاعترافَ؟ فردّت بلى، وراح الكاهن يقرأ عليها من الإنجيل، وحين انتهى من قراءته، عادتْ المرأة إلى مكانها، وكانت تقول في ذاتها: لقد أحرجني ذاك الرّجُل، ربّي أغفر لي خطيئتي ما زلت نادمةً على ردّ ذاك الرّجل الفقير..
وبعد انتهاء الصلاة عادت المرأة إلى بيتها، وكان الجوُّ ماطرا، وفي الطريق رأتْ ذاك الرّجُل، الذي لم تستطع إعطاءه قطعَ النقود، فقال لها كيف لي أن تقنعيني بأنّ لا نقود معكِ وأنتِ ترتدين معطفا فاخرا، فقالت له: صدّقني لا يوجد معي أيّة نقود، أعذرني، وتركها وراحَ في حالِ سبيله، أمّا هي فعادتْ إلى بيتها، واستلقتْ على الأريكة، وقالتْ في ذاتها معه حقّ ذاك الرّجُل، كيف سيقتنع بأنني امرأةٌ فقيرة، وبعد لحظاتٍ سمعتْ طرقاً على البابِ، فراحتْ ترى من الطّارق؟ فتبيّن أنّ الطّارقَ هو ذاك الرّجُل، فقالت له: ماذا تريد؟ فردّ عليها أريدُ شيئا لكي آكله، فأنا جوعان، فقالت له: انتظر، وأتتْ برغيف خبزٍ له، وحين فتحتْ البابَ لم تجده، فخطتْ صوب الشُّرفةِ لتنادي عليه، فقالَ لها لا أريد، لقد شبعتُ، فأنتِ فقيرة مثلي.. فذهبتْ المرأة إلى أريكتها، وقالتْ في ذاتها: عندما اعترفتُ أمام الكاهن شعرتُ بأنني تضايقتُ البارحة، لأنني لم أسعفْ فقيرا، فردّه خائبا جعلني أشعرُ بحرجٍ وحزن، وها أنا أعاتب نفسي على عدم الشّفقة عليه، فها أنا أندم على عدمِ عطفي عليه، فما أصعبَ أن يطلبَ فقير أي شيء من إنسانٍ فقير مثله، فهو لا يعلمُ بأنّ الرٌّوبَ والمعطفَ اللذان رآهما ذاك الرّجل المسكين هدية من زوجي، الذي تركني ورحلَ ولم يعدْ..
عطا الله شاهين