فشل اليسار في توحيد موقفه وتجديد قياداته

بقلم: سري سمور

 مرّ شهر على نشر مقالي(اليسار الفلسطيني: وهج التاريخ وضبابية المستقبل) وقد جاء تأخر نشر هذه السطور بسبب انتظار موقف اليسار، في ظل وجود (التجمع) كما تحدثنا، من المشاركة في حكومة د.محمد اشتية.

وفي الأيام القليلة الماضية رأينا استقالة قيادات وكوادر في (فدا) و حزب الشعب؛ وهذا يدل على أن أزمة اليسار مستعصية، وأن التجمع العتيد لم يفلح في توحيد رأي ومواقف فصائل اليسار للخروج بموقف موحّد من هذه المسألة، وعليها تقاس مسائل أخرى.

وحتى الآن بقيت مواقف فصائل اليسار مثلما نعرف ولم تتغير؛ ويبدو في سياق الحديث عن اليسار، أن (ج.ش) ربما قررت الاستمرار في موقف له طابع رمزي وتاريخي، وهو عدم المشاركة في أية حكومة، حتى لو باركت بعض الجهود، ودعت إلى حكومة وحدة وطنية وغير ذلك، ولكن بتقديري فإن مستوى التأييد الشعبي لن يزيد أو ينقص بالتمسك بهذا الموقف(المقاطعة ورفض المشاركة)، ولكن على الأرجح فإن المشاركة-لو تغير الموقف- ستسبب تراجعا في تأييد الجبهة...وأما بقية الفصائل اليسارية فإنها ليست بحجم وتأثير الجبهة الشعبية، ومواقفها ظلت كلاسيكية وتمترست خلف ذات المفردات والخطاب السياسي دون قدرة على حراك حقيقي لتفعيله...وأكمل النقاط المتعلقة بأزمات اليسار:-

رابعا: الديموقراطية الداخلية وتجديد القيادات

يسجل للراحل د.جورج حبش ترك موقع الأمين العام لـ(ج.ش)، وتكليف الشهيد أبو علي مصطفى بهذه الأمانة، وهذا التنازل والتكليف جنّب حبش جدل وحساسية الدخول إلى الأراضي المحتلة، وما يحتاجه ذلك من موافقات إسرائيلية، وبتقديري  ما كان سيحصل عليها ولو أبدى قبولا أو (مرونة) من نوع ما، بل فقط محاولة ابتزاز وإحراج صهيوني للرجل للتشكيك بمصداقيته وتاريخه لإجباره على قول ما لا يليق بهذا التاريخ، خاصة وأن الرفيق حبش المشهور بـ(حكيم الثورة) كان قد أجاب عن سؤال حول عودته بأن هناك بضعة ملايين لاجئ فلسطيني في الخارج هو يفضل أن يعود معهم، وألا يسبقهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أظهرت (ج.ش) أنها تؤمن بتداول القيادة وتسليم الراية لرفاق من مستويات متــتالية، علما بأن مصطفى كان أمينا عاما مساعدا للدكتور حبش.

وقد دخل( أبو علي مصطفى) الأراضي المحتلة في خريف 1999 لأن ثـقل العمل السياسي بحكم الواقع الجديد ما بعد أوسلو، جعل الساحة الفلسطينية في الضفة والقطاع بحاجة إلى جهد ووضع مختلف، وقد وصف دخوله في لقاء مع الإعلامي في قناة الجزيرة(سامي حداد) بأنه شيء مؤلم، أي الدخول بموافقة إسرائيلية، كباقي أبناء شعبنا الذين يتجرعون هذا الألم.

 ولكن ما كاد الأمين العام الجديد يبدأ بالتعرف عن كثب على وضع الجبهة ووضع الفصائل وحقيقة الأمور في الداخل، حتى اندلعت انتفاضة الأقصى التي تطلبت بحكم الواقع آلية عمل سياسي وميداني تختلف عن سابقاتها؛ فاغتالته طائرات شارون، لتدخل الساحة الفلسطينية عموما و(ج.ش) خصوصا في مرحلة جديدة، حيث تم إسناد الأمانة العامة لشخصية من الداخل، وهو منذ اللحظات الأولى تقريبا صار مطلوبا في ساحة لا مجال لكثير من المناورة فيها، لمن هم سنه ووضعه.

أضف إلى ذلك أن (ج.ش) لم تنجح في تصعيد قيادات جديدة يعرفها الشارع الفلسطيني، خارج الأطر التنظيمية، منذ مدة طويلة؛ فعلى ساحة الضفة الغربية، يمكن القول أن السيدة(خالدة جرار) هي القيادية الأبرز بمفهوم معرفة الجمهور والإعلام، والتي برزت بداية من بوابة العضوية في المجلس التشريعي، ثم من نشاطها وحضورها الجماهيري والإعلامي، واعتقالاتها المتكررة في سجون الاحتلال، والتي تظهر-أثناء تغييبها بالاعتقال- نوعا من الفراغ فيما يخص وجود قيادي معروف للجبهة في الضفة لدى عامة الجمهور الفلسطيني، وفي قطاع غزة ثمة شخصيتين أو ثلاثة فقط، وساحات الخارج الوضع لا يختلف الأمر.

أما الأمين العام الأسير(أحمد سعدات) وهو من سكان الضفة الغربية، فإن من البدهيات القول أن ممارسته لمهامه من داخل السجون الصهيونية، ليس سهلا، وهذا يعرفه بالذات كوادر اليسار، بل إن المفكر (منير شفيق) قال في لقاء متلفز بأن من المتعارف عليه في الأحزاب الشيوعية أن الأمانة العامة لأي شخص تصبح لاغية/مجمدة  إذا اعتقل؛ ولكن لعل (ج.ش) ترى أن وجود أمينها العام في السجن مع بقاء المسمّى ولو تعذّر عليه ممارسة مهامه أمر مهم نفسيا وإعلاميا وللتحشيد الجماهيري وما يتعلق بصفقات التبادل، لرمزية سعدات.

وإجمالا ثبت بالتجربة العملية أن وجود رأس التنظيم في ساحة الأرض المحتلة خاصة الضفة الغربية أمر ينطوي على مغامرة وخطورة كبيرة جدا.

وأما (ج.د) فقد أعيد انتخاب/تكليف الأمين العام المؤسس (د.نايف حواتمة) وشخصيات أخرى كثير منها معروف في قيادة الجبهة ومنهم نائب حواتمة(انشقت ج.د عن ج.ش  سنة 1968)، وحال (ج.د) فيما يخص تصعيد وإبراز قيادات جديدة لا يختلف عن عموم اليسار، وكنت قد تحدثت عن المبادرة وأنها مرتبطة برأس هرمها، ولا يختلف الحال كثيرا عند بقية فصائل اليسار.

وربما يفسّر هذا الأمر بأن اليسار يتبع/يستنسخ النمط الستاليني في القيادة، حيث التحفظ و العزوف عن التغيير، واستمرار القيادة في مواقعها ما لم يحدث أمر طارئ.

ولكن هذا الأمر في عصرنا الحالي لم يعد مستساغا البتة، خاصة أن الطفرة الإعلامية تجعل القيادات حاضرة دوما في المشهد، وليس كما السابق.

وهناك ساحات ومواقع عدة كالجامعات والسجون يمكن لليسار أن يصعّد قيادات جديدة منها لتجديد الدماء وإضفاء حيوية على هياكلها، لا سيما أن المجتمع الفلسطيني كما يردد الجميع-وهذا حقيقي- مجتمع شاب، ولا بد من تطعيم الأطر القيادية بحيوية وطاقات الشباب لتمتزج مع حكمة وتجربة الكهول والشيوخ، أو هكذا يفترض!

طبعا نتحدث عن اليسار في مقارنة مع القطبين؛ ففتح خلال بضعة أعوام عقدت مؤتمرين واختارت قيادات، وحماس كذلك والتي انطلقت بعد عقدين من تأسيس بعض قوى اليسار، فقد أجرت انتخابات داخلية واستبدلت قيادات بأخرى وجرت تغييرات في المواقع والساحات،  وكذا الحال بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي التي جددت قياداتها المختلفة، بغض النظر عن ملاحظات أو تحفظات من داخل أو خارج القطبين أو الجهاد حول آلية التغيير، فالتغيير بطبيعة الحال يظل أفضل من التكلّس و(الاستاتيكيا) الذي يغلب عموما على اليسار.

وماذا عن مواقف اليسار وتحالفاته في مرحلة ما قبل وما بعد الانقسام؟وما تأثير الثورات العربية والتغيرات الجارفة و السائلة في المنطقة على اليسار، هذا ما سأتحدث عنه في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.

،،،،،،،،،

بقلم/ سري سمّور