وماذا بعد تكليف الحكومة الجديدة ؟

بقلم: رامي الغف

ببداية مهمة رئيس الوزراء الجديد د. محمد اشتية من تسليم مهامه وترأسة الحكومة الجديدة، من المهم جدا الإشارة إلى جملة من الأمور في إطار النظرة الكلية الإجمالية للمشهد الداخلي والسياسي العام في الوطن.

سياسيا: ما زالت التجاذبات والتقاطعات والمماحكات والانقسام بين شقي الوطن، وما بين بعض القوى السياسية الفلسطينية هي المهيمنة على واقع الحراك السياسي حول قضايا مختلفة، تبدأ من الاتفاقيات السياسية المبرمة ومدى الالتزام والتقيد بها من قبل الشركاء السياسيين، مرورا بالوزارات التي ما زالت حتى الآن شاغرة، وحزمة كبيرة من القوانين والتشريعات المهمة على طاولة المجلس التشريعي والتي لم تحسم لعدم انعقاده لسنوات وسنوات بسبب تباين وجهات النظر والرؤى والمواقف بين الكتل والحركات الوطنية إلى حد كبير، وكذلك مسألة ملف المصالحة وإنهاء الانقسام، وانتهاء بأحاديث هذا وذاك عن خيارات عديدة من بينها التجهيز لانتخابات المجالس الوطنية والتشريعية والرئاسية.
اقتصاديا: لا يبدو أن الأمور تسير نحو آفاق فيها مؤشرات للتفاؤل، بل ربما كان الأمر على العكس من ذلك تماما، ففي ظل وضع معقد كالذي عليه الاقتصاد الفلسطيني، ومع جدول مزدحم بالأهداف والمهام وما ينبغي عمله، لا بد من تحديد الأولويات وتشخيصها بوضوح وقد نتفق على الأهداف ولكننا قد نختلف على الأولويات، عندئذ لا يكون لاتفاقنا قيمة، ينبغي علينا أن نحدد الأهداف التي يتم الوصول إليها بالتوالي والأهداف التي علينا أن نسير نحوها بالتوازي، ولو جئنا نطالب من يتحدث عن اقتصادنا اليوم أن يحدد لنا الأولوية الأهم والأكثر إلحاحاً لوجدنا إجابات مختلفة بعدد المشاركين، هذا التباين قد يعكس تباين المنهجيات، أو اختلاف النظرات، وفي كلتا الحالتين لا بد من توافق على الأسس والمعايير التي نعمل بموجبها، ضغط الحاجة وإلحاحها قد يدفع البعض لاختيار هدف ما وقصور النظرة، أو نقص التجربة قد يقود إلى اعتماد شعار ما، بوصفه طريقاً للخلاص والبعض يتحدث عن أعراض العلة وينسى العلة ذاتها.
خدماتيا: لم يتحقق شيء يذكر وها نحن دخلنا في شهر مايو وأخذت درجات الحرارة ترتفع يوما بعد آخر، ولم يتحسن واقع التيار الكهربائي ولو بمستوى قليل جدا وما زالت ملوحة مياه شربنا تزداد باضطراد بين الفينة والأخرى، وراحت الجهات المعنية هنا وهناك تبعد الكرة عن ملعبها لتلقيها في ملعب جهات أخرى لا علاقة مباشرة ورئيسية لها بذلك.
إذن علينا جميعا مهام وطنية للخروج بالوضع العام في الوطن من عنق الزجاجة كما يقولون وكسر حالة الجمود والإسراع باجراء الانتخابات العامة والتي تنادي به الجماهير والكثير من القوى السياسية الفلسطينية وعلى رأس تلك القوى التي اعتبرت مبدأ الشراكة الوطنية هو الحل للخروج من هذه الأزمة هي حركة فتح وعلى لسان قيادتها والتي يدعوا ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة واللقاءات المستمرة بينهم وبين مختلف القيادات الوطنية والسياسية إلى أن الخروج بصيغة توافقية لابد أن يكون عبر مبدأ الشراكة الوطنية لأنه سوف يعُطي كل ذي حق حقه. نحن لا ننكر بأن هناك دعوات من بعض قادة وزعماء وأعضاء الفصائل والقوى والأحزاب الوطنية، ولكن هذه الدعوات ليست بالمستوى الذي يكون معه الوصول الى صيغة توافقية تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية وتلبي مطالب الشعب الفلسطيني بكافة اطيافة وبجميع مكوناته، فقد سعت بعض القوى الى تعطيل هذا المشروع من خلال وضع العراقيل أمام الإسراع في حسم الكثير من المواضيع التي من شأنها وضع ثوابت حقيقية الغاية منها تكوين الحكومة بشكل سريع وقوي.
على كل حال فإن الصيغة التوافقية لا بد لها ان تكون مطابقة لما يساهم في تقوية المشروع الوطني وبالتالي فان الاتفاق ما بين الكتل السياسية على صيغة توافقية يمكن له ان يزيل العقبات ويطوي الوقت والجهد بتشكيل الحكومة الجديدة التي من شأنها النهوض بالواقع الفلسطيني المتردي الى ما تصبوا إليه جميع تلك الكتل ووفق البرامج والأهداف الوطنية التي وضعتها تلك الكتل، إذا فلابد للجميع ان يعلم إن سياسة الحوار واحترام الرأي الآخر وعدم إقصاء وتهميش إي جانب له مردودة الايجابي في الخروج بصيغ توافقية تخدم مبدأ الشراكة الوطنية، والخلاصة إن ما يدعوا اليه قادة فتح إنما يعبر عن بعد ثابت وحقيقي لمجريات الأمور في المشهد السياسي الفلسطيني وهو خطوة جريئة لكل من ينشد المصلحة الوطنية التي ما أن تتحقق حتى يبدأ في الوطن عصر جديد من الثوابت التي من خلالها يمكن ان تنشأ حكومة وطنية قادرة على القيام بمهامها على أحسن وجه وهذا هو بطبيعة الحال ما ينادي به أحرار وشرفاء ومخلصون فلسطين.

آخر الكلام:
ونحن نعيش حالة التخبط السياسي والاقتصادي والتنموي الذي يعيشه الوطن الفلسطيني، وعدم الوضوح والأهداف، وغياب الرؤية الشاملة للواقع الفلسطيني حتى الآن، فإن بالإمكان وضع تصورات عملية من قبل الحكومة الجديدة لما يمكن أنّ يكون طريق فلسطينيا نحو مشروع جديد، يحاول قدر إمكانه أن يجد حلولاً عملية، بدل هذا الاختلاف السياسي بين مكوناته الوطنية والسياسية والذي وصل إلى حد التحارب فيما بينها، في طريق مليء بالأشواك والعثرات والكوارث، ما يستلزم وضع خارطة طريق لإخراجه من هذا المأزق.

 

بقلم/ رامي الغف*

*إعلامي وباحث سياسي