رد حماس المحتمل على حكومة اشتية

بقلم: هاني المصري

بعد أداء الحكومة الثامنة عشرة برئاسة محمد اشتية اليمين أمام الرئيس محمود عباس، ماذا سيكون رد حركة حماس على ذلك؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من الاعتراف أنها ستسعى لتوظيف هذه الخطوة الانقسامية غير المتوافق عليها لصالحها، من خلال تكريس سلطتها وتبرير استمرارها بإظهار أن خصمها الداخلي لا يريد إنهاء الانقسام.

هناك سيناريوهات عدة أمام "حماس":

السيناريو الأول: الاكتفاء برفض الحكومة الجديدة، واعتبارها انقسامية، وانتظار ما ستفعله إزاء قطاع غزة: هل ستلغي العقوبات، أم ستحتفظ بها، أم ستفرض عقوبات جديدة؟ وهل ستصرف الموازنة المقررة للقطاع أم لا، مع أن قدرتها تتناقص على فعل ذلك في ظل الأزمة المالية، خصوصًا بعد خصم الأموال المخصصة لعائلات الشهداء والأسرى وبنود أخرى، ورد السلطة الخاطئ برفض استلام أي قرش. فكان يمكن استلام ما تبقى، وهو يشكل الأغلبية، والرد بشكل عملي وقوي على القرصنة الإسرائيلية.

لا أعتقد أن الحكومة سترفع العقوبات حتى لو أرادت ذلك، كونها تعاني من أزمة مالية خانقة دفعتها لصرف 50% من رواتب معظم موظفيها، وستتفاقم الأزمة إذا لم يتحقق الرهان بأن الحكومة الإسرائيلية القادمة ستوقف الاقتطاع من أموال الضرائب الفلسطينية التي تجمعها (المقاصة)، وهذا الأمر كما أوضحت سابقًا مستبعد لأن وقف الخصم بحاجة إلى تغيير القانون الذي أقره الكنيست الإسرائيلي بهذا الخصوص، وهذا مستبعد جدًا بعد انتخاب كنيست جديد متطرف مثل سابقه إن لم يكن أكثر تطرفًا منه.

إذا أرادت حكومة نتنياهو تقديم حل لمنع السلطة من الانهيار فستجد مخارج أخرى لا تتضمن وقف الخصم. وقد تختار الحكومة الإسرائيلية استمرار الخصم، خصوصًا بعد طرح "صفقة ترامب" ورفضها من الفلسطينيين، ما يعطي إسرائيل فرصة ذهبية لفك وتركيب السلطة، وربما إقامة سلطات عدة بدلًا منها لنفي أي تمثيل سياسي فلسطيني موحد يستدعي الحقوق الفلسطينية، وعلى رأسها حق تقرير المصير ، وهذا آخر ما تريده إسرائيل.

"حماس" وفق هذا السيناريو لا تفعل أكثر ما هو حاصل فعلًا، وهو وجود إدارة لغزة من دون إعلان عن لجنة إدارية أو ترسيم وترسيخ الأمر الواقع فعلًا.

السيناريو الثاني: إعادة تشكيل اللجنة الإدارية وإعلان أنها الشرعية الوحيدة المستمدة من المجلس التشريعي الذي لم تعترف "حماس" بقرار حله. وهذا السيناريو مستبعد لأنه لا يضيف جديدًا، ويسبب مشاكل وردود أفعال فلسطينية ومصرية وعربية ودولية رافضة لهذه الخطوة ونازعة الشرعية عنها، وهذا لا يساعد على تنفيذ التفاهمات التي عقدتها مع إسرائيل بوساطة مصرية وقطرية ودولية.

السيناريو الثالث: دعوة الفصائل الأخرى والمجتمع المدني لتحمل مسؤولية إدارة القطاع مع "حماس". وهذا السيناريو مستبعد كذلك لأن عددًا من الفصائل والشخصيات المستقلة سترفض كما فعلت سابقًا المشاركة في إدارة غزة كونها خطوة إن تمت ستكرس الانقسام، وستجعل المشاركين مجرد طربوش لا أكثر يغطي على واقع استمرار سيطرة "حماس" الانفرادية على القطاع، إلى جانب أن مثل هذة المشاركة تضر في موقفها المتوازن إزاء طرفي الانقسام .

السيناريو الرابع: تمكين السلطة في قطاع غزة وفقًا لاتفاق القاهرة 2017، وقد يشهد أو لا يشهد هذا السيناريو رفع الإجراءات عن قطاع غزة وزيارة الحكومة والوزراء للقطاع. هذا السيناريو مستبعد في ظل تعمق الانقسام ومخاوف تحوله إلى انفصال، لا سيما في ظل تفاهمات التهدئة بين "حماس" والجانب الإسرائيلي وتشبث الرئيس عباس بالسيطرة على القطاع من الباب إلى المحراب. وقد يتحقق هذا السيناريو إذا جاء في سياق اتفاق جديد بين حركتي فتح وحماس، يتضمن التصدي لصفقة ترامب، ورفع الإجراءات عن قطاع غزة، وتمكين السلطة في القطاع دون أن يمس ذلك بسلاح المقاومة.

السيناريو الخامس: تشكيل لجنة إدارية من شخصيات تكنوقراط ومستقلة، يفضل أن تكون قريبة من "حماس"، ويمكن أن تكون مقبولة من المجتمع الدولي.

هذا السيناريو محتمل، فهو يجعل "حماس" تضرب عصافير عدة بحجر واحد، فهي لا تتحمل إذا تم تشكيل مثل هذة اللجنة الإدارية المسؤولية عن حكم القطاع، وتتجنب بالتالي تجدد موجة أو موجات جديدة من حراك "بدنا نعيش"، ومثل هذا الترتيب يدفع احتمال المواجهة العسكرية المدمرة، التي لا يريدها أحد، إلى الوراء، ويمكّن المجتمع الدولي من تقديم المساعدات والتمويل من دون التعامل مباشرة مع حركة مصنفة "إرهابية".

ستكون فرصة "نجاح" هذا السيناريو أكبر إذا أبدت "حماس" استعدادًا لتسليم السلطة فعلًا لهذه اللجنة، خصوصًا الأمن الداخلي، بعيدًا عن المساس بالمقاومة وسلاحها.

ما قد يدفع حماس لتفضيل هذا السيناريو إدراكها أن التفاهمات الجديدة لن تطبق في الغالب، وإذا طبقت فجزئيًا ولفترة مؤقتة. فالمجتمع الدولي لن يذهب بعيدًا في التعاطي مع سلطة "حماس" إلى حد الاعتراف بها، وهي المرفوضة، وسيكتفي بخطوات تسهيلية محدودة تحول دون انهيار وانفجار القطاع، ولكنها لن تصل إلى رفع الحصار، وإذا أراد المجتمع الدولي فعل ذلك فلن تمكنه إسرائيل التي لا يمكن أن تتعايش طويلًا مع سلطة في خاصرتها تتحدث عن تدمير إسرائيل وترتبط بتحالف مع أعدائها (إيران وحزب الله وسوريا)، وتسعى لزيادة وتطوير سلاحها الذي وصل إلى حد تهديد تل أبيب .

إن نزع سلاح المقاومة في غزة كان وسيبقى هدفًا مطروحًا، وهذا إن حدث من خلال ترويض "حماس" تدريجيًا فجيد، وإلا ستتم محاولة تحقيقه عن طريق الحرب رغم أنها لن تكون نزهة سهلة لإسرائيل.

إنّ من متطلبات تمرير "صفقة ترامب" ضم  أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، وإعادة النظر في السلطة القائمة فيها لتفقد ما تبقى لها من دور سياسي، وتتحول بالكامل إلى سلطة إدارية وظيفية أمنية اقتصادية على جزء من الضفة الآهل بالسكان، وسقفها الحكم الذاتي الخاضع للسيادة الإسرائيلية أو تلحق بالأردن أو بالقطاع الذي يراد له أن يكون الدويلة العتيدة.

السيناريو السادس: الاتفاق على حل الرزمة الشاملة. وهذا السيناريو مفترض أن يكون الخيار المفضل، ويتضمن الاتفاق على حل الرزمة الشاملة، على أساس برنامج القواسم المشتركة، وقواعد الشراكة والديمقراطية التوافقية، وبما يشمل إعادة بناء مؤسسات المنظمة وتغيير وظائف والتزامات السلطة وموازنتها وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

هذا الخيار صعب جدًا ولكن فيه يكمن طريق الخلاص الذي لا بد من توفير متطلبات السير فيه.

بقلم/ هاني المصري