قد يظن المرء ان ما جرى في جامعة بيرزيت يوم 1742019، هو مجرد انتخابات طلابية نقابية، لكن عندما يدقق اكثر ويرى ان الاحتلال تدخل فيها وقام باقتحام حرم الجامعة واعتقال ثلاثة طلبة قبل ايام من الانتخابات، واعتقاله للعشرات قبل ذلك من طلبة الجامعة يرى مدى اهميتها، وحساسيتها الامنية والسياسية على الاحتلال، فبيرزيت تخرج منها مقاومين كثر، واخطر مقاوم على كيان الاحتلال في تاريخه، وهو الشهيد المهندس يحيى عياش، وغيره من شهداء فتح وحماس والاسرى الابطال.
انعكست الانتخابات على الوضع الفلسطيني مباشرة، حيث كانت تترقب حماس نتائجها، وسارع القيادي خليل الحية للاعلان عن الموافقة على اجراء انتخابات فورية للرئاسة والتشريعي والمجلس الوطني وغيره، حيث فسرت حماس ان النتيجة لصالحها، وهو ما يفسر الدعوة للمسارعة باجراء الانتخابات.
بدورها حركة فتح، اعتبرت النتيجة فوز لها، لتقدمها بالاصوات، مع ان النتيجة هي 23 مقعد لكل من حماس وفتح، وقد يشكل المجلس من الجبهة الشعبية وحماس بدل فتح والشعبية، وفتح تقدمت بعدد الاصوات، واعتبرت التقدم الطفيف لصالحها مقارنة بالعام الماضي، وراحت عناصرها يحتفلون.
تكمن ازمة حركة فتح في اطلاقها الرصاص بكثافة بعد كل فوز او تقدم في الانتخابات، وهو ما منعه الحمد الله قبل مغادرته الحكومة، الا ان القرارات لا يمكن لها ان تسيطر على حالة نفسية تفقد سيطرتها في لحظات للتعبير عن ذاتها.
اطلاق النار يفسر في الحقيقة ليس لفوز او تقدم فتح هنا او هناك بالاصوات، بل هو تعبير عن ازمة وتناقض حركة فتح التي انطلقت في بداياتها برصاص في صدر الاحتلال وجابت سمعتها الطيبة دول العالم، لينتهي بها المطاف برصاص في الهواء، كنتيجة حتمية لاتفاق "اوسلو" الذي كبلهم طوال ال 25 عاما الماضية، واوجد دولة للمستوطنين على حساب دولة للفلسطينيين، كان من المفترض ان تقام خلال اول خمس سنوات من عمر "اوسلو".
يسجل لحركة فتح اجراء انتخابات ديمقراطية في جامعة بيرزيت، لكن انتخابات طلابية لا تكفي، كون هناك انتخابات اخرى معطلة بقرار من فتح وهي الاهم، كونها تمثل حقيقة، الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
عززت نتيجة انتخابات بيرزيت الحالة الديمقراطية، فسارع نشطاء فتح لمطالبة حماس باجراء انتخابات في غزة كنوع من المناكفة، فغزة اصلا من اوقف فيها الانتخابات الطلابية هي حركة فتح التي ترى ان الوقت غير مناسب.
يبقى صندوق الاقتراع افضل مليون مرة ولا يقارن بصناديق الرصاص، والتشويه والفبركات التي توجه الرأس على الساحة الفلسطينية يلعب فيها الاحتلال والجهلاء والعملاء براحتهم، ولنا في تجارب الشعوب العربية من حولنا درس قاس وبليغ، من دمار وخراب جراء الابتعاد عن صناديق الاقتراع.
لا احد ينكر ان ظروف فتح في الضفة لا تقارن بظروف حماس ومؤيديها، ففتح تحكم الضفة، ولذلك حرية العمل وسرعته كان لها الافضلية لفتح، بينما حماس ظروفها الكل يعرفها من ملاحقة واعتقال وتضييق واستدعاءات وغيره.
كشفت انتخابات بيرزيت ان حكومة (الكل الفلسطيني) التي شكلها اشتيه لا تحظى الا باقل من نصف الشعب والقوى، وهو ما يدفع لتشكيل حكومة تشارك فيها جميع الفصائل، والتوحد خلف برنامج موحد بدل الفرقة والانقسام وتعزيزه.
سجل في الانتخابات حالات من التجاوز، ونشر بعض الاكاذيب والتشويه المخالف للاخلاق والاعراف، والمطلوب محاسبة كل من تجاوز سواء من حماس او فتح، كي نعزز من الاجواء الديمقراطية، والتي هي افضل مليون مرة من اي نوع من الاقتتال.
في كل الاحوال مبارك فوز وتقدم فتح، ومبارك فوز وتقدم حماس، ومبروك العرس الديمقراطي، ومن فاز هو الوطن، ويجب المسارعة لاجراء انتخابات تعم كافة الوطن، فهي تبعث الحيوية والنشاط وتضخ دماء جديدة لقيادة الشعب الفلسطيني وتحسن صورته امام العالم، والتبدل والتغيير سنة الله في الخلق ومن يحاربها يخسر.
بقلم/ د. خالد معالي