عاش الملك..عاش.. مات الملك.. غير مأسوف عليه

بقلم: اماني القرم

لم أستطع منع نفسي من السخرية من الصور التي أظهرت رزم الدولارات التي اكتشفت في مقر عمر البشير بعد سقوطه عن عرش السودان الشقيق، في مشهد متكرر عربيا عند الاطاحة بالرؤساء، أما السخرية فحاشا أن تكون من الدولارات المصفوفة، بل  من رزم  القوانين التي تصاحبها وتخرج من الأدراج الديمقراطية فجأة لتطبيقها على "المُطاح به"/ أيّا كان اسمه/في شفافية دستورية عجيبة لا تجدها في أعتى الديمقراطيات العالمية..

والملك الذي مات هو كل مسؤول ذهب الى طاحونة النسيان فلا كأنه كان ولا كأنه عاش .. ويتم لعنه بقدر ما كان يُهتف له ... أما الذي عاش فهو الملك أيضاً ولكن باسم مختلف وجوقة أخرى تعزف نفس النشيد الراحل. هكذا حال العرب طوال تاريخهم بارعون في الخروج على حكامهم وفي التمسك بسننهم  !!

هذا المنحنى الشديد في السلوك السياسي  للشعب العربي تجاه رؤسائه السابقين يطرح إشكاليات جديرة بالمناقشة. أين تقع المشكلة؟  هل في شخصية القائد الذي يعتلي الحكم ثلاثين عاماً تصل به الى حد الانفصال عن الواقع ؟ ام في الجوقة التي تصاحبه وتردد اسمه كل صباح وكل مساء وتخلق حوله هالة من البطولة الزائفة يحظر الاقتراب منها او خدشها طوال سنين العرش؟ أم هي الشخصية العربية ذاتها التي يخرج منها الرئيس والغفير وتوجهاتها وبنيتها الثقافية وتنشئتها الاسرية وقناعاتها وموروثاتها الدينية ؟؟

في الشخصية العربية مشكلتان: الأولى الحدّية الانفعالية ، بمعنى أننا شديدي الحزن والفرح والحب والكره، والهجوم والدفاع، شديدي الاخلاص والاعتناق لأي فكرة حية أو رمز قائم. فمثلاً اذا كان السياق هو السلام مع اسرائيل فلا نسكت ولا نمل من أحاديث السلام ومشاريعه حتى نشبع منها دون أن نأكل! واذا ذهب السلام بفعل غيرنا، نستحضر البديل مباشرة المقاومة وقواميسها وأدواتها وأفعالها .. ليس هناك مساحة للمرونة والتكتيك في كلا الحالتين تضبط الاندفاع وتقلل الخسائر بحنكة ابداعية أو كما يقال  “ Plan B”.

والمشكلة الثانية تكمن في أن الشخصية العربية مسكونة بالماضي ونواميسه وأطره الدينية والقبلية، الأمر الذي ينتج عنه تلقائيا صفة المثالية لأبعد الحدود. فحين يجيب العربي على أسئلة استطلاع رأي حول موضوع ما لا ينطق بما يهوى، بل بما يعتقد أنه الاجابة الصحيحة حسب موروثاته ومحددات قبيلته ،  وعليه فمعظم استطلاعات الرأي العربية كاذبة ومضللة ولا يعول عليها.

هاتان المشكلتان تخلقان لدى الشخصية العربية ثقلاً تكرهه وقيوداً لا تستطيع التخلص منها وتأففاً دائماً من حظ عاثر! ولهذا فإن السلوك السياسي العربي في حال الثورة يتسم بالعنف والرفض والتحول من النقيض إلى النقيض لإحساسه بالتحرر من أحد قيوده ، وحالة الثورة المستمرة التي شهدتها بعض البلدان ومازالت منشأها اللاوعي حيث الرغبة في البقاء حراًّ حتى دون هدف محدد. ولكن مع الأسف هذا الشعور مهما طال فهو مؤقت لأن المشهد من البداية يتكرر مرة أخرى مع ملك جديد!!

السؤال التالي لماذا يبدع العربي خارج  حدود مجتمعه؟؟؟

بقلم/ د. أماني القرم