الأرض والمال ودائع لدى الاحتلال

بقلم: عدنان الصباح

منذ أن تعالينا عن أرضنا أو ما بقي منها عام 1947م برفضنا التعاطي مع قرار التقسيم والذي نص فيما نص عليه بإقامة دولة عربية على حوالي 43% من أراضي فلسطين وبدل ان نمسك بترابنا المتبقي تركناه وديعة لدى الاحتلال ورحنا نبحث عن خيامنا في كل بقاع الأرض أنى كان ذلك ممكنا وانتشرنا في ارض الله بانتظار ان نعود تاركين العودة التي كانت ممكنة آنذاك رهنا بإرادة الأعداء وهو ما أراح الاحتلال من وجودنا وما كان سيعني هذا الوجود من تنغيص لحياة المحتلين ووجودهم وقدرة أكثر وأقوى على مقاومتهم حد طردهم من على أرضنا وبدل ذلك تركنا أرضنا وديعة لدى الاحتلال الى ان نتفق فلا نحن اتفقنا ولا الأرض عادت حتى عام 1967م حين صارت كل بلادنا وديعة لديهم ونسي العالم قرار التقسيم وقدم لنا قرارات جديدة أسوأ صوتا وصيت هي قرارات 242 و 338 والتي رفضاها أيضا بكل ما أوتينا من قوة صراخ لفظي لا اكثر ولا اقل.

ذلك تكرر حين دمرنا فكرة حكومة عموم فلسطين وألغيناها بإرادتنا وبدل الثبات على موقف فلسطين عربية واحدة موحدة تحت إدارة حكومة تعمل في المناطق التي يتاح فيها العمل بها أضعنا ما تبقى من الارض وخرجنا كليا من فكرة ان الارض لنا ومن واجبنا الاحتفاظ بها وبعد حرب عام 1967م تنافخنا برفض قرارات الأمم المتحدة الى ان أصبحت هذه القرارات بديلا مقبولا لقرار التقسيم وصار تنفيذها مطلبنا الثوري والوطني الأول بعد ان أدار العالم ظهره لنا ولها ولم يعد احد معنيا بها ولا بتنفيذها وبدل ان نستعيد أرضنا عربيا عشنا حالة من الصراع والخلاف حد الاقتتال بيننا وبين العرب والأردن تحديدا وحتى مصر عبر الخلاف حول مبادرة روجرز وظل الأعداء يظهرون كحائرين معنا الى من يجب إعادة الارض مما كان يعني ان تبقى الارض وديعة لدى من احتلها حتى يتفق أصحابها على من سيأخذها.

بعد حرب 1973م انقسم العرب على حالهم بين من يقبل بالتفاوض ومن يرفضه وصار الصراع العربي العربي هو جوهر ما يدور على الارض وانشغل الاحتلال بوديعتنا يقضم منها ما يشاء ويفعل بها ما يشاء وتعمق ذلك بعد حرب الخليج واحتلال العراق واصطفاف العرب خلف الولايات المتحدة الأمريكية ومشاريعها في المنطقة الى ان صارت الارض مسرحا للاستيطان وصار البحث عن وطن خاص ملاذا للفلسطينيين فرادى دون ان يسائلهم احد او يبحث لهم عن حل يبقيهم على ارض الوطن او حتى في مخيمات الشتات فلا مخيمات العراق ولا سوريا ولا ليبيا بقيت على حالها وحتى مخيمات لبنان طالها ما طالها حتى بات الحديث يدور فقط عن 36 ألف لاجيء لا اكثر ولا اقل.

حتى الادوات الممكنة في اوسلو دمرناها بأيدينا فانقسامنا اراح الاحتلال من حق التواصل بين الضفة وغزة وبدل الانشغال بالاحتلال انشغلنا بأنفسنا وانشغل هو من جانبه بنا وكأننا معا وإياه نسعى لتدمير أنفسنا بأيدينا شئنا أم أبينا ولم بعد احد منا يذكر او يريد ان يذكر ان هناك نصا في اتفاق اوسلو يتحدث عن حق التواصل الجغرافي بين غزة والضفة وصار التواصل بين الخليل وجنين في مهب الريح ان بقيت حالنا على ما هي عليه.

الشهور الأخيرة عصفت بنا بمصيبة القرن وما نتج عنها من تسليم دولي للقدس لأعداءنا علنا وإتباعها بهضبة الجولان السورية المحتلة وإطلاق العنان للحديث عن ضم الضفة الغربية وإلقاء غزة في مهب الريح لمن يريد ان يأخذها وكأنها سلعة تعرض في مزاد البيع لا مزاد الشراء ومع كل الرفض المعلن عربيا وفلسطينيا للمصيبة تلك إلا ان الحقائق على الارض تشير الى ان التنفيذ لا الإعلان هو ما يجري على الارض وان الذي يجري على الارض هو الحقيقة العملية لارضاخنا حد القبول بأي فتات يعرض علينا – هذا ان عرض أصلا - بعد ان تمت وتتم إجاعتنا علنا وعلى رؤوس الأشهاد.

لم نأخذ الفتات الأكبر بقرار التقسيم ولا الفتات الأصغر بعد حرب 1967 وقرارات مجلس الأمن ولا فتات الفتات بعد اوسلو وانشغلنا بالعرب وانشغل العرب بنا وانشغلت فتح بحماس وانشغلت حماس بفتح وانشغلنا عنهم بحالنا حد تركهم يفعلون بنا ما يشاءون وصار خبزنا هو الوطن فجياع غزة ليس لديهم متسع من وقت ليحلموا بعتبات القدس المقدسة ويحن صار الحديث عن قانون الضمان تمترس كل منا خلف موقفه حد تدمير القانون وأبقينا على عشرة مليارات دولار وديعة في صندوق الاحتلال بدون فوائد مالية حتى مع إدراكنا كم يعن يمثل هذا المبلغ لنا وكم يعني فوائد لهم بالإبقاء عليه في خزائنهم وديعة مربوطة للأبد واليوم نرفض استلام اموال المقاصة الناقصة ونقبل بالجوع تاركين لهم ودائع جديدة في صناديقهم أموالا اكثر لهم وجوعا اكثر لنا في وقت نحن أحوج ما نكون له للصمود لأطفالنا ونساءنا وشيوخنا فالجوع هو اخطر سلاح يمكن ان تدمر به اية امة وبدل ان نأخذ حقنا المسروق تباهينا بالرفض ورحنا نعاود البحث عن بدائل من جيوب العرب مريحين بذلك جيوب الاحتلال بعد ان ملأتاها بأموالنا.

يبلغ متوسط قيمة مبالغ المقاصة الشهرية حوالي 750 مليون شيكل تسرق منها دولة الاحتلال حوالي مائة مليون أصلا في كل شهر بحجج مختلقة ومختلفة ثم جاءت السرقة الأخيرة بدل ما يدفع لأسر الشهداء والأسرى بقيمة 40 مليون شيكل اي ان المتبقي تقريبا 600 مليون شيكل او ما يقارب 170 مليون دولار في حين نبحث نحن عن شبكة ضمان على حساب خزائن العرب ب 100 مليون دولار وهذا يعني أننا لن نسدد احتياجاتنا ابدا بل على العكس سنأتي بشتائم لنا من العرب وشماتة من الاحتلال وعدم رضى ذاتي عن حقوق الأسرى والشهداء فأسرة الشهيد او الأسير تحصل على كامل حقوقها ولا يحصل الموظف العادي وأسرته على هذا الحق علما ان هناك حقوق لأسر الشهداء والأسرى لا يحصل عليها الموظف الحي وأسرته في التعليم والصحة وبالتالي فان مسئولية رب الأسرة الموجود على نفسه وأسرته اكبر بكثير من مسئولية أسرة الشهيد او الأسير الغائب او المغيب مما يعني ان هناك عتب صامت حتى اليوم في أوساط المتضررين ضد اسر الشهداء والأسرى والتي قد تتفاقم حد النقمة ضدهم وضد القضية ان تواصلت الحاجة في اسر الموظفين ومن يعتاش منهم بشكل غير مباشر.

ببساطة لماذا نترك لهم كل شيء وديعة لا تسترد ونقبل بتعذيب أنفسنا بدل تعذيبهم ونعطيهم بأنفسنا ما ليس حقهم تحت نفس الشعارات التي تركنا بها أرضنا وديعة لديهم نترك بها خبزنا وديعة أيضا ونذهب للبحث عن خبز بديل قد لا يصل ابدا, مع ان الإمساك بما بين أيدينا من حقنا المنهوب أرضا او مالا كان سيعني مزيدا من الصمود لنا في الجليل والمثلث والنقب وأخيرا في الضفة وغزة وقدرة اكثر على مواجهة الاحتلال وسلم أهلي اكثر لا يظهر فيه غضب جهة جائعة على جهة تأكل أيا كانت صفة هذه الجهة وأيا كان حقها فالمواطن الفلسطيني يملك نفس الحق بكل الأحوال فلا حق لمواطن على مواطن مهما كانت صفة الآخر فالجائع على الارض لا يعنيه لماذا يأكل جاره دونه ومن لا بيت له لن يعنيه بيت جاره والعاري لن يرى حقا بالكساء دونه ومع ذلك نواصل عنجهيتنا الممجوجة ونقرر جوع غيرنا قبل ان نجوع ولا يحق لاح دان يقاتل بدم غيره والحق فقط المقبول من الجميع ان اجوع بعدك لا ان تقرر جوعي وتأكل ما دام الوطن لنا جميعا بنفس القدر القائد والمواطن وإلا فكيف ستطالبني غدا بالثورة على مصيبة وصفعة وكارثة القرن والعصر وما على شاكلتها وأنا جائع وخبزك لم يمس وربطة عنقك لم تتسخ.

في عام 1947م رفضنا الإمساك بعكا وغيرها بدون حيفا وواصلنا الصمود على موقفنا إلى أن اعترفنا لهم بعكا وحيفا والجليل والمثلث والنقب وبعد أن تركنا لهم أرضنا وديعة بين أيديهم وقدمنا النموذج الأسوأ بعلاقتنا بأرضنا أو ما تبقى منها من فتات عبر الانقسام ها نحن اليوم نترك لهم خبزنا وديعة في خزائنهم ونجوع فأي صمود هذا الذي نتحدث عنه بهذه الطريقة ونحن نختلف على ذواتنا وخبزنا ولا نشرع سيوفنا في وجوه الأعداء يسرقون قوتنا ونكتفي بالبحث عمن يعطينا الخبز بديلا لنصبح عالة على امتنا ودجاجة تبيض ذهبا في أعشاش الأعداء ونبقيه لهم من مليارات العمال إلى خبز المقاصة المنقوص ليظل الإمساك بترابنا واحتلاله من قبلهم أقل عبئا وأكثر يسرا.

بقلم/عدنان الصباح