رياض المالكي بين البلطجة والدبلوماسية حكاية

بقلم: زهير الشاعر

في البداية أود الإشارة إلى أن علاقاتي مع جميع الأطر القيادية الفلسطينية بكل مستوياتها السياسية والإعلامية وغيرها هي طبيعية للغاية وليس هناك أي عداء يمثل دافع لكتابتي هذه الواضحة والصريحة، وأن تسليط الضوء على رياض المالكي بالتحديد في مقالاتي لا يأتي إلا في سياق الغيرة الوطنية وليس تصفية حسابات نتيجة اي خصومات يحاول هو أن يشير إليها كونه صغير الفكر والسلوك ، إعتاد أن يسلك طرق الإحتيال والسلوكيات المراهقة الحمقاء التي يتبعها كالطفل التائه والمنفلت الذي لا تردعه أخلاق أو أصول أو قيم وطنية، بل تحركه عواطف مجنونة حقودة نتيجة ماضٍ مؤلم أو تربية وضيعة مليئة بالحرمان.

لذلك إستمتعت إلى حديث وزير الخارحية الفلسطيني رياض المالكي الذي جاء في سياق برنامج ملف اليوم الذي بُث قبل عدة أيام على فضائية فلسطين، وذلك بتمعن شديد، حيث كان لقائه المتلفز بمثابة لقاء شخص واحد يتحدث مع نفسه بدون محاور حقيقي ، بغض النظر عن أن المحاورة له كان يبدو على وجهها الدهشة من ما سمعته من أكاذيب، وكانت تبدو بأنها غير مقتنعة بما كان يقول محاولة إحراجه عدة مرات، كما كان يبدو بأن اللقاء قد تم ترتيبه بسرعة لغاية معينة لإظهاره متماسكاً خاصة أنه ومنذ تشكيل الحكومة الفلسطينة يظهر وكأنه يستشعر بأن الخناق بات يضيق عليه، وبأن حبل المشنقة بات يقترب من رقبته وبأن كل ألاعيبه باتت مفضوحة ولن تمر مر الكرام في المرحلة الجديدة، لذلك بات يعمل مستميتاً ويسارع الوقت لكي يُظهر نفسه بأنه وزير خارجية وليس صعلوكاً حاقداً ورخيصاً.

المثير أن المالكي تحدث عن عدة نقاط متناقضة كعادته في بيع الوهم، منها أنه إنتقد الموقف العربي المتقاعس إتجاه التجاوب بتوفير شبكة أمان مالية للسلطة الفلسطينية بقيمة مائة مليون دولار شهرياً وكأن له الحق بأمرهم لتنفيذ ذلك، وهدد بأن السلطة ستقوم عوضاً عن ذلك بطلب قروض من دول صديقة كاليابان وكوريا الجنوبية بضمان ما تحتجزه إسرائيل من أموال حسب قوله، وكأن الرجل يستغبي المشاهدين أو يتغابى عليهم!، وقال أنه يعرف سبب ذلك بأنه جاء نتيجة أن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على الدول العربية لعدم التجاوب مع المطلب الفلسطيني بتوفير شبكة أمان مالية ، وكان ذلك واضحاً حسب تعبيره من خلال موقفها من العراق عندما قدمت 9 ملايين دولار دعماً لخزينة السلطة الفلسطينية ومن ثم كان للولايات المتحدة الأمريكية موقفاً سلبياً حيال العراق كونه فعل ذلك!، ومن ثم عاد بتناقض واضح وتلاعب بالألفاظ ليشيد بالدعم السياسي العربي للموقف الفلسطيني من خلال البيان الختامي للقمة العربية في تونس أو حتى من خلال البيان الذي صدر عن الإجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي عقد مؤخراً في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة.

المفارقة هنا أن المالكي كان يود على ما يبدو بأن يخبرنا بذكائه الخارق عن قدرة الولايات المتحدة على تأثيرها على العراق والدول العربية لوقف دعمها للسلطة الفلسطينية، وبالمقابل هي ستعجز برأيه عن التأثير على قرار أهم حلفائها في العالم وهما اليابان وكوريا الجنوبية لمنعهما من فعل نفس الشئ إن أرادت ذلك!

المالكي تحدث أيضاً عن النية لتشكيل وفود فلسطينية للقيام بزيارات لدول العالم في آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية وذلك من أجل الحصول على دعم هذه الدول والخروج بموقف قوي وجريئ في مواجهة الموقف الأمريكي والإسرائيلي حسب تعبيره ، وعلى ما يبدو بأنه تناسى أو تجاهل الأزمة المالية الطاحنة التي تمر بها السلطة الفلسطية حسب ما هو معلن وأن هذه الوفود تحتاج غلى تمويل ضخم ، أم أن في الأمر عملية نصب وإحتيال جديدة؟!، وذكر بالحرف الواحد بأن الوفود الفلسطينية ستقوم بتوضيح- (يبدو أنه كان نائم في العسل طوال السنوات الماضية وأن كل سفرياته على حساب الخزينة الفلسطينية كانت لإستكشاف دول العالم تحضيراً لزيارات وفوده المزعومة) - مخاطر ما تقوم به الإدارة الأمريكية والإدارة الإسرائيلية - (لا أدري من اين جاء بمسمى الإدارة الإسرائيلية غير الموجود في القاموس الدبلوماسي ولا السياسي إلا إذا كان ولا زال يتبع الإدارة المدنية وكان يقصد ذلك) - حيال الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، واضاف "ومن أجل نسف المشروع الوطني الفلسطيني برمته"- (يبدو أنه كان يتحدث أخيراً بدون قصد عن الدور المشبوه الذي يقوم به حيال تدمير القضية الفلسطينية!).

كما أنه تحدث عن ترؤس فلسطين لمجموعة ال 77 وأشار إلى أن الرئيس عباس طلب منه زيادة أعداد الأعضاء فيها، وبأن الرجل تباهى بأن لفلسطين نشاطات كبيرة حول مسألة التغيير المناخي وأنها تعمل على مساعدة دول العالم في تجاوز هذه المشكلة! .. أترك هذا الأمر للمعنيين والمهتمين بدون تعليق لأنني أثق بأنهم سيوصون بضرورة الحجر عليه بالسرعة الممكنة وإقالته من وزارة الخارجية للتأكد من سلامة قواه العقلية خاصة أنه يتناسى المكانة والإمكانيات المحدودة التي تحظى بها فلسطين كدولة محتلة وتعتمد على المنح والمساعدات والمالية!.

كما أنه اشار في نفس السياق إلى أن فلسطين ستدعو إلى إستضافة مؤتمر دولي لمجموعة ال 77 وهذا أمر جيد بحد ذاته إن تم حسب الأصول في مثل هذه الحالات وتوفرت الإمكانيات الذاتية لعقده وهذا أمر مستحيل!، لذلك في تقديري أن هذه وسيلة نصب وإحتيال جديدة لإبتزاز الدول العربية لتغطية تكاليف مثل هذا المؤتمر كما حصل عندما مولت دولة قطر ملف محكمة الجنايات الدولية ب 5.7 مليون دولار تبخرت بدون أي فائدة تَذكر!، وبعد ذلك طلب 12 مليون دولار لتغطية تكاليف مسرحية رفع قضية على بريطانيا بسبب ملف وعد بلفور وهذا الأمر قد فشل أيضاً عندما كشفنا عملية النصب والإحتيال المزعومة في حينه من خلال مقالات مفصلة حول الموضوع.

من هنا وبدون الدخول لباقي النقاط التي وردت في لقائه والتي جلها مثيرة للغثيان ومفضوحة لأنها كانت واضحة بأنها تصدر على لسان مهرج يحترف بيع الكلام بدون اي أفعال تُذكر وينسب لنفسه بطولات وهمية، وبالتالي حتى نضع النقاط على الحروف بشكل واضح، لدينا عدة أسئلة نتركها لرياض المالكي والمهتمين حتي نعرف الإجابة وحينها سنعرف إن كان هذا الدجال ينتمي لفلسطين كقضية أم كان يعمل من أجل تدميرها بشكلٍ مبرمج مبتدءاً بذلك بتغيير معالم وجه الدبلوماسية الفلسطينية بأكمله لإيصال حالها لما وصل إليه اليوم من ترهل وتفكك وعدم القيام بأي فائدة تُذكر:

أولاً : المالكي يتحدث عن نية السلطة لطلب قروض من كل من اليابان وكوريا الجنوبية وكان يهدف بذلك لإيصال رسالة للشعب الفلسطيني وخاصة في الضفة الغربية بأن السلطة في حالة إفلاس حتى يبرر حالة تجويعها المقررة لهم قريباً، سؤالي هو ما هي النسب التي تتقاضها جهات رسمية ومنها المالكي نفسه من البيزنس مع هاتين الدولتين بالتحديد وخاصة من وراء وكالة هونداي ولحساب من يتم ذلك وما هو موقف رياض المالكي من ذلك؟

ثانياً : ما هي قيمة الأموال التي دفعتها كوريا الجنوبية كمنح للشعب الفلسطيني وتنمية مؤسساته وكيف تم إستخدامها، هل كان ذلك للصالح العام أم لمصالحه ولصالح أشخاص بعينهم؟!.

ثالثاً : ما هي طبيعة العلاقة بالتحديد ما بين المالكي وسفيره المدلل الذي يقوم بدور حل معضلاته وسمساره ووسيط البيزنس ما بينه وبين أطراف أخرى خاصة في كازخستان بالتحديد؟

رابعاً : ماذا عن المعهد الدبلوماسي الذي تبرعت الهند لإنشائه بأربعة مليون دولار ، ولماذا تراجعت عن ذلك وحولت أموال هذه المنحة لمشاريع أخرى تتم من خلال جهة رسمية أخرى بعيداً عن وزارة الخارجية الفلسطنية بعد أن عطل تنفيذه المالكي لمدة أربع سنوات؟!.

خامساً : ما هي أخر أخبار منحة البترول الفنزويلية التي ملأ المالكي الإعلام بالحديث عنها وكيف تم التصرف بها وأين ولمن؟

سادساً : ما هي صحة حكاية استغلال فكرة الوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي "Palestinian International Cooperation Agency PICA" غير الربحية التي يترأس مجلس إدارتها رياض المالكي في عمليات النصب والإحتيال على المؤسسات الدولية وخاصة على بنك التنمية الإسلامي السعودي الذي يقدم هبات لمساعدة الشعب الفلسطيني ، وبدلاً من ذلك تقوم بيكا بتحويل هذه الأموال لبلدان أميركا اللاتينية لإقامة مشاريع بزنس قائمة على المرابحة مع رجال أعمال في تلك المنطقة ، وما هي صحة المعلومات التي تتحدث عن أن ذلك يهدف في الأساس لتهريب هذه الأموال وضمان بعدها عن الرقابة والمسائلة القانونية؟، وهل الشعب الفلسطيني على إطلاع بالطريقة المشبوهة التي تقوم بها PICA وذلك لتبديد هذه الأموال التي تأتي بإسمه؟!، وهل بنك التنمية الإسلامية الذي يهب هذه الأموال على إطلاع بالآلية التي تقوم بها PICA ؟!.

سابعـأ : ما هو موقف رياض المالكي الواضح من ما يُشاع حول عمليات تهريب للذهب وتبييض الأموال التي يقوم بها بعض أفراد محسوبين عليه ينتمون لجهازه الدبلوماسي في منطقة أميركا اللاتينية وهل يتم ذلك بعلمه أو التنسيق معه مباشرة ؟!.

ثامناً : ما هي حكاية تهريب الأموال إلى بنوك غروزني ومن هي الأطراف الفلسطينية المستفيدة من ذلك؟! ... للحكاية تفاصيل مملة!

تاسعاً : من هي الأطراف الحقيقية المستفيدة من بقاء رياض المالكي في منصبه كوزير للخارجية ولماذا يتم ذلك بالرغم من الإجماع الوطني الكامل على رفض بقائه كوزير للخارجية؟! ، فهل لهذا الأمر علاقة مباشرة بكل الأسئلة التي سبق ذكرها؟!.....

أخيراً سأكتفي بذكر هذه الأسئلة بعيداً عن الدخول بالإخفاقات الدبلوماسية والسياسية التي حصلت وهي غيث من فيض الفساد والكذب الذي يمارسه رياض المالكي، حتى يدرك الشعب الفلسطيني حقيقة ما يحصل ويطلع على كيفية المتاجرة بآلامه وأوجاعه بعيداً عن علمه، والأدوار المشبوهة التي يقوم بها حفنة من المنتفعين، وكيف يستثمر مثل هذا الأرعن وجوده على رأس وزراة مهمة لتسخيرها لمصالحه ومصالح آخرين معه يضمنون له بقائه في وزارة الخارجية الفلسطينية !، وهو جزء من عصابة متقاطعة المصالح كان دورها الأساسي هو جعل أفرادها يتمكنون في أماكن تواجدهم من القرار حتى يكونوا حلقة الوصل المركزية لإنجاز ما هو مطلوب منه ومنهم!.

اليوم ونحن نسمع عن إصابة الرئيس السوداني المخلوع بجلطة قلبية وبأن حالته الصحية باتت متدهورة للغاية نتيجة الحالة التي أوصل نفسه إليها عندما قرر الشعب السوداني بوضع حد لفساد منظومته ، أخشى أن يكون هناك جلطات قلبية قادمة في المشهد الفلسطيني ولربما سكتات دماغية تأتي بشلل كامل لمنظومة وفرت الحماية الوقحة لفاسد ومتغطرس مثل رياض المالكي!.

هنا أود التأكيد على أن ثقتي كبيرة بأن شعبنا الآن لديه رئيس وزراء قادر على إعادة البوصلة لجهتها الطبيعية ، حيث أنه تعهد منذ اللحظة الأولى لتسلمه المسؤولية بأن يكون عند حسن ظن شعبه به أولاً، وبأنه سيعمل كل ما بوسعه ليرد له إعتباره ، وثقتي بأن هذا الرجل يمتلك من المصداقية ما يؤهله لتحقيق ذلك إن أخلص النية وشد الهمة ورفع السيف وبدأ مسيرة الإصلاح ليوقف هذا العبث ويضع الأمور في نصابها الصحيح ليدخل التاريخ من بوابته الواسعة المنشودة ويترك للمالكي ومن معه مزابل التاريخ لتلتهمهم وتبصق على اللحظة التي جاءت بهم ليصبحوا رجال دولة!.

بقلم/ م . زهير الشاعر