صواريخُ المقاومةِ متعددةُ الأوصافِ ورسالتُها واحدةٌ

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

كثيرةٌ وعديدةٌ هي صورايخ المقاومة الفلسطينية، لا لجهة الاسم وجهة التصنيع، البدائية والمحلية الصنع أو الأجنبية، أو لجهة النوع والمدى، أو الأثر والجدوى، والدقة والعشوائية، أو الوفرة والندرة، والكثافة والغزارة، أو لجهة مكان السقوط ونقطة الانطلاق، أو التوقيت والمناسبة، أو الجهة التي تتبناها وتعلن المسؤولية عنها، أو موقف العدو منها ورد فعله عليها، وغير ذلك مما يتعلق بصفات الصواريخ ومميزاتها، وهي كثيرة إذا تمت دراستها وتصنيفها فنياً وفق العلوم العسكرية.

أكاد أجزم أن الصواريخ الستة مهمةٌ وضروريةٌ، ولها أثر وقيمة في معركتنا مع العدو الإسرائيلي، فلا نستخف بواحدةٍ منها، ولا نتخلى عن أيٍ منها مهما كانت الأسباب، فهي كلها ترعب العدو الإسرائيلي وتربكه، وتعطل قدراته وتشل قوته، فالصواريخ الدقيقة تلجمه وتجبره على الخضوع والقبول بشروط المقاومة، وتلك البعيدة المدى تجعله محتاراً قلقاً أين يلجأ مستوطنوه وكيف يختبؤون ويهربون من القتل، أما الغزيرة كالمطر فهي تقعده وتشل قدرته على الصد، والقصيرة تفشل قبته وتعطل صواريخه المضادة، وتكلفه الكثير في محاولته إسقاطها أو اعتراضها دون جدوى، والعشوائية تعميه وتجعله كالمخبول لا يعرف كيف ينجو بنفسه، يضع يده على رأسه خائفاً يترقب، وهو يتحسب الموت مع كل صيحةٍ عليه.

لكن الواقع في قطاع غزة يشير إلى أنه يوجد للصواريخ صفاتٌ أخرى غير التي ذكرت آنفاً وبينت أعلاه، وهي محط اهتمامي هنا، والجانب الذي أردت أن أسلط الضوء عليه وأن أشير إليه في مقالي، ولو أنني غير عسكريٍ ولا خبرة عندي في صنوف المقاومة العسكرية، إلا أن ذلك لا يمنعني من تصنيف صواريخ المقاومة على أساس إطلاقها إلى صواريخ مقصودةٍ وأخرى تجريبيةٍ، وثالثةٍ نتيجة الخطأ، ورابعها التي تسقط في الفلاة والمناطق المفتوحة، وخامسها التي تطلقه المجموعات المتفلتة المارقة، الرافضة للتفاهمات والمعارضة للاتفاقيات، وآخرها اليتيمة الذي لا أب لها، ولا جهة تتبناها وتعلن المسؤولية عنها، وقد يكون في قاموس العارفين أصنافاً أخرى غيرها، ولكنها الستة التي رصدت وعرفت.

من رفح انطلق صاورخٌ بالخطأ ووصل إلى شمال تل أبيب، وهو الذي قطع أكثر من أربعين كيلو متراً قبل أن يغادر أجواء القطاع، ومن جبهات غزة انطلقت صليةٌ من الصواريخ بسبب الصواعق والأحوال الجوية القاسية والمتقلبة، ونتيجة الغضب قامت مجموعاتٌ فلسطينية مجهولة بإطلاق مجموعةٍ من الصواريخ على مستوطنات الغلاف الإسرائيلي رداً وثأراً وانتقاماً، ومن حينٍ إلى آخر تضرب صواريخ عمياء مناطق غير مأهولةٍ وتسقط في أماكن غير مسكونةٍ، ودائماً تمزق صمت البحر وتخترق لجته وتسقط في عمق مياهه صواريخ جديدة، غير معروفةٍ من قبلٍ لكنها تصر على التجربة وتصمم على اختبار ذاتها ومعرفة قدراتها.

لعل العدو الإسرائيلي يفهم أكثر من سواه أصناف الصواريخ المتعددة، فهو يرقبها ويرصدها، ويدرسها ويحلل نتائجها، ويحدد أثرها ويعرف أماكن إطلاقها، لكنه لا يميز بينها ولا يفاضل في أثرها، فهو يدرك أن رسالتها واحدة وإن اختلفت أصنافها، وغايتها معلومة وإن تعددت أشكالها، وهدفها معلومٌ وإن أصابت غيره وطالت سواه، إذ لا يؤمن البتة بصواريخ تنطلق عن طريق الخطأ، أو أخرى تقوم بها مجموعاتٌ متفلتةٌ مارقةٌ، أو أنها عشوائية ضلت الطريق فسقطت في مناطق مفتوحة بعيداً عن المناطق السكنية، أو أخرى أصابت أهدافاً غير مقصودةٍ، وألحقت أضراراً مادية أو أصابت وقتلت مستوطنين وجنوداً، لهذا فهو يفهم الرسائل ويعي الدروس جيداً، إذ يعلم أن المقاومة لا تعرف العبث، ولا تؤمن بالفوضى، ولا تضيع الفرص، وكل شيءٍ عنها مدروس بعناية ومخططٌ له بدقةٍ، وله توقيتٌ معلومٌ وهدفٌ مرسومٌ وغايةٌ مقصودةٌ.

لا يعرف العدو الإسرائيلي كيف يواجه هذا الشعب الذي يحاصره ويعاقبه، ويغلق عليه الأجواء ومنافذ الحياة كلها، ويراقب كل مادةٍ قد تصلح للاستخدام المزدوج أو تلزم لصناعة الصواريخ، ورغم ذلك فها هي مقاومته تطلق صواريخها من كل مكانٍ في قطاع غزة، وتجري تجاربها في عرض البحر، وتتجاوز مداياتها ما يتوقعه العدو وما يعتقده، وما تخفيه المقاومة يرعب العدو أكثر، فهو يتساءل ماذا في جعبتها، وبماذا ستفاجئهم في الحرب القادمة، وهل تستطيع الجبهة الداخلية الإسرائيلية أن تمتص مفاجئات المقاومة وسلاحها المخبوء، وأن تتحمل نتائجها وتصبر على آثارها، أم أن أفواج المهاجرين ستتابع وأعداد الهاربين من المستوطنين ستتزايد، وستكون خيبة لجيش العدوان جديدة، وهزيمة لقيادته السياسية والعسكرية أخيرة.

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بيروت في 30/4/2019
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected]