بعد ظهور ملامح «صفقة القرن المزعومة»، القديمة- الجديدة في جوهر السياسة الخارجية الامريكية بالتعامل مع القضية الفلسطينية، اتضح أن القيادة الفلسطينية الرسمية تعرضت لواحدة من أكبر عمليات الخداع والوهم السياسي في التاريخ المعاصر من قبل الإدارة الأمريكية، حيث لم يكن تحقيق السلام يوماً هدف من أهداف الحركة الصهيونية والإدارة الأمريكية، ولكن كان الهدف الأساسي دائماً إدارة الصراع العربي الإسرائيلي والإبقاء على حالة الحرب وعدم الإستقرار التي تضمن تدفق الأموال والموارد العربية باتجاه الغرب وأمريكا.
هذه «الخطة السياسية الخطيرة»، بدأت بالتطبيقات العملية وترسيخ «الحقائق السياسية»، قبل الاطلاع عليها، وهي المعروفة قبل طرحها، ومن ثم صياغتها وفقا للنتائج الملموسة على الارض، وفق نظرية وسياسة «الامر الواقع» وتبنى على ردات الفعل فلسطينيا واقليميا ودوليا، وهي بالمناسبة تعبير سياسي صارخ لسياسات الادارات الامريكية السابقة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وليس صحيحا أن التأجيل في اعلان «صفقة القرن الامريكية» سببه عدم اكتمال الصفقة ، بقدر أن الهدف التمهيد وتهيئة البيئة السياسية( فلسطينياً وعربياً ودولياً) المحفزة والدافعة لإنجاحها.
هي سياسة الامبريالية العالمية}الامريكية والبريطانية{ المتحالفة مع الصهيونية العالمية وتعبيراتها السياسية كيان «الاحتلال الاسرائيلي» منذ وعد بلفور الى يومنا هذا، وليس صدفة تسميتها صفقة «القرن» الا تعبيرا سياسيا واعلاميا عن الجهود والسياسات والمشاريع التصفوية المطروحة في المنطقة لأكثر من مائة عام ذكرى وعد بلفور المشؤوم.
هذه الصفقة والمنسجمة مع كل سياسات ومشاريع التصفية للقضية الفلسطينية وعلى مدار قرن من الزمان بدأت ملامحها بالتعامل على الارض، خلافا للسياسات الامريكية السابقة، مستغلة حالة الانقسام الفلسطيني وغياب الاجماع الوطني في الرؤية السياسية الفلسطينية وتدهور الحالة العربية نتيجة الهزات العنيفة التي اصابت المنطقة، فوجدت البيئة السياسية المحفزة لها، لإنهاء القضية الفلسطينية وتحويل الصراع العربي-الاسرائيلي الى نزاع ثانوي وثنائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين حول قضايا انسانية وخدماتية اقتصادية لتحسين الوضع المعيشي للناس، على حساب جوهر الصراع السياسي والوجودي، فبدأت بتفريغ القضية الفلسطينية من جوهرها: مكونات القضية الفلسطينية ومستوياتها.
ومع كل خطوة تنفيذية على الارض، لا تملك السلطة السياسية الرسمية الفلسطينية ولا قيادة غزة السياسية الحمساوية سوى اصدار بيانات الشجب والاستنكار وتوصيف المخاطر السياسية المترتبة على كل خطوة تصفوية للقضية الفلسطينية،
مواقف تكشف أن القيادة السياسية «بشقيها» الرسمية والحمساوية جل ما تبحث عنه هو تلطيف الاجواء السياسية والرأي العام الفلسطيني والحصول على بعض المكاسب الفصائلية الضيقة.
وقد تابعنا جميعا مداخلات قادة الفصائل الفلسطينية في اللقاء التشاوري الذي دعت له حماس، وكأن الجميع يدرك تماما خطورة المرحلة واليات الخروج من المأزق الفلسطيني: بإنهاء الانقسام والوحدة الوطنية ومقاومة خطة ترامب والسياسة الاستيطانية التهويدية للاحتلال الاسرائيلي.
ان المعيارية الاخلاقية والوطنية السياسية تستدعي تحويل الخطابات الاعلامية الى اليات عملية للتطبيق وليس خطابات توصيفية للمخاطر المحدقة بالمشروع الوطني الفلسطيني وتلطيف أجواء الغضب الفلسطيني من السياسات الانقسامية والكوتات الفصائلية.
ان مواجهة صفقة ترامب بالخطوات العملية بالميدان الفلسطيني اولا وبالمحافل الدولية ثانيا، وليس بكلمات الاطراء السياسي والعاطفي.
ان متطلب المواجهة وهو الاساس يكمن في اعتماد استراتيجية وطنية فلسطينية بديلة عن اوسلو والتزاماته، بتنفيذ قرارات الاجماع الوطني وقرارات المجلس الوطني الفلسطيني والبدء الفوري بخطوات انهاء الانقسام والتأكيد على مكانة منظمة التحرير الفلسطينية سياسيا وتمثيليا، والابتعاد عن طرح اية اشكال او هيئات ادارية او تنظيمية توسع هوة الانقسام وتخلق اجسام بديلة عن المنظمة.
لا بد من تحشيد كل الطاقات الفلسطينية للمشاركة من الباب الاوسع في المعترك الفلسطيني وتامين متطلبات الصمود المجتمعي الفلسطيني وتطوير اشكال مقاومته الوطنية.
بقلم/ د.باسم عثمان