التهم المبعثرة تدحض الرواية

بقلم: أسامه الفرا

خبر اعتقال الأمن التركي لفلسطينيين بتهمة التجسس لصالح الامارات يثير العجب، إن أرادت الامارات أن تتجسس على تركيا فما الذي يدفعها للاستعانة بفلسطيني لا يعرف من اللغة التركية شيئا وبالكاد يميز بين ميدان تقسيم وايا صوفيا، ولماذا لم تلجأ إلى تجنيد عملاء لها من الأتراك الذين باستطاعتهم تقديم المعلومات لها، وما الذي يمكن أن يتجسس عليه الفلسطيني القادم إلى تركيا من أقصى المدينة يسعى نحو حياة افضل كما فعل الآلاف من الشباب الفلسطيني الذين حطوا بها أو اتخذوا منها محطة ينتقلون منها إلى دولة اوروبية تحترم آدميتهم، حسب الرواية التركية فإن الأمن التركي يتهم الفلسطينيين بثلاث تهم لن تجد بينها رابط، الأولى تتعلق بالتجسس على هيكيلة تنظيم الاخوان المسلمين، والثانية علاقتهم بمقتل جمال خاشقجي، والثالثة التجسس لصالح دولة الامارات المتحدة.

يبدو أن أجهزة أمن الدولة التي يحلم قائدها بأن يصبح خليفة المسلمين لم يصل إلى مسامعها ما كتبه قادة في تنظيم الاخوان المسلمين بعد انفصالهم عن الجماعة ليس فقط حول ما يتعلق ببنية الجماعة التنظيمية وهياكلها المختلفة بل تناولوا الكثير من اسرار معبدهم التي ظلت لسنوات طويلة طي الكتمان، إلا إذا كانت هيكيلية جماعة الاخوان تم ايداعها دائرة الطابو لديهم كما هو الحال مع الكثير من المستندات التي تثبت ملكية الفلسطينيين لأرضهم وما زالت ضمن ارشيف الطابو في استطنبول، أما اتهامهم بعلاقتهم بمقتل خاشقجي فالتهمة لا تقل سذاجة عن الأولى سيما وأن القضية على مدار شهور عدة استخدمت لاستعراض عضلاتهم الأمنية التي حسب قولهم رصدت بالصوت والصورة دبيب النملة في القنصلية، فلماذا تأخرت في القاء القبض عليهم؟، أم أن الأمر لا يعدو عن كونه مادة للتشويق في قضية خاشقجي كي تبقيها مادة للابتزاز حتى وإن كان ذلك على حساب أشخاص لجأوا اليها من فلسطين التي لطالما تغنوا قادتهم بأنهم حامي حماها، أما التجسس لصالح الامارات فلا عجب إن قالوا لنا بأنهما جاءا اليها لكشف التقنية التي تعمل بها منظومة اس 400 المقدر لتركيا استلامها من روسيا عما قريب.

بعيداً عن التهم وسذاجتها، جاء التخبط الذي رافق الاعلان عن انتحار أحدهما " زكي مبارك"، حيث ابلغت جهة رسمية فلسطينية عائلة الفلسطيني الآخر "سامر شعبان" خبر وفاته قبل أن تعود اليها بعد ساعات لتبلغهم بأن ابنهم ما زال حي يرزق، والمؤكد أن الجهة الرسمية الفلسطينية تلقت ذلك من جهة رسمية تركية، فيما جاء على لسان السفير الفلسطيني في خبر لوكالة معا بأن المواطن الفلسطيني زكي مبارك وجد منتحراً في أحد السجون التركية، وفيه قبول تام بالرواية التركية، ثم عادت السفارة في اليوم التالي لتقول أنها تتابع مع السلطات الرسمية ملابسات وفاة مواطن فلسطيني واستمرار توقيف آخر في السجون التركية وأنها بإنتظار الحصول على نتائج تشريح الجثة، وهو ما كان يجب أن يكون عليه موقف السفارة دون الانزلاق في الرواية التركية سيما وأن شقيقه ينفي بشكل مطلق خبر انتحاره.

بين الانتحار والقتل تبقى الحقيقة عالقة ليس فقط في تقرير الطبيب الشرعي وإنما أيضاً لدى زميل زكي مبارك المعتقل على ذات القضية "سامر شعبان"، ما يثير الريبة في القضية أولاً أن قوى الأمن التركية أعلنت عن اعتقال الفلسطينيين بتهمة التجسس لصالح الامارات وأرفقت معها تهمة هيكلية جماعة الاخوان ومقتل خاشقجي، وهي تهم من الاستحالة الجمع بينها في شخصين غريبين عن الدولة، وثانياً أن إعتقال على تهم بهذا القدر من الخطورة عادة ما تبقيها أجهزة الأمن طي الكتمان كي تواصل تحقيقاتها لكشف ملابسات القضية والمشاركين فيها، فهل "انتحار" زكي مبارك جاء بعد الكشف عن اعتقالهما بتهمة التجسس أم أن خبر الاعتقال جاء بعد مقتل زكي مبارك وتم تأخير الاعلان عن وفاته كي تخفف تهمة التجسس من وطأة قتله؟.

وأكد أن السلطة الفلسطينية حريصة على علاقة طيبة مع تركيا ولا ترغب في تعكير صفوها حتى وإن كانت العلاقة تحكمها قاعدة نسمع ضجيجاً ولا نرى طحيناً، وندرك ايضاً أن الكثير من الشباب الفلسطيني ارتحل اليها بعد أن ضاقت بهم الحياة في قطاع غزة، لكن هذا يجب ألا يمنعنا من تتبع الحقيقة وعدم الارتهان للرواية التركية، وسواء قتل أم انتحر فالظلم دون سواه يقف وراء ذلك، ومن حق المواطن الفلسطيني أن يستشعر أن حياته وكرامته ليست كرة تتقاذفها الأرجل، وليس مقبولاً البتة أن تكون حياة الفلسطيني قرباناً يتقرب بها القادة إلى آلهة هواجسهم.

بقلم/ د. أسامه الفرا