تسعى وتعمل وتخطط "اسرائيل"، ومنذ احتلالها للمناطق الفلسطينية والسورية في حرب حزيران 1967، على ابقاء هذه المناطق تحت سيادتها وسيطرتها، ولهذا فهي تعرقل أي جهود أو مفاوضات، أو مبادرات من أجل انهاء احتلال القدس والضفة والجولان السوري المحتل. وإنْ تم التوصل الى بادرة أمل للتوصل الى أي اتفاق، فان اسرائيل تحاول مصادرة هذه البارقة. واذا تم التوقيع حتى ولو على اتفاق جزئي من الاتفاق الشامل فهي تلجأ الى انتهاك هذا الاتفاق، وتمارس عكس ما هو مستحق عليها في بنوده. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك ومن بينها تهرّبها من الالتزام بأهم بنود اتفاقيات اوسلو التي هي لصالح الشعب الفلسطيني. وعدم تطبيقها لما تم الاتفاق عليه في اتفاق "واي ريفر" عام 1999 برعاية اميركية ومشاركة العاهل الاردني الراحل الملك حسين.
وكلما تنازل العرب عن مطالبتهم بضرورة انسحاب اسرائيل من هذه الاراضي المحتلة، كلما زادت اجراءات التهويد والسيطرة عليها. فالقادة العرب اقروا المبادرة العربية في بيروت عام 2002 ولكن اسرائيل تجاهلت هذه المبادرة، وحتى هذا اليوم هي ترفض الاعتراف بها، وتُصّر على تطبيع العلاقات العربية معها قبل أي قرار اسرائيلي. واذا قام قادة عرب بذلك، فانهم سيرتكبون خطيئة كبيرة، لأن اسرائيل لن تنهي احتلالها، وكذلك ستتهرب من أي التزام لفظي أو ورقي، ومهما كان نوعه، لأنها لا تعتبر توقيعها على أي اتفاق أمراً مقدساً، فهي التي علّمت الرئيس الاميركي على الانسحاب من اتفاقيات دولية رغم ان ذلك يمس بمصداقية اميركا ذاتها.
وعبر السنين الماضية شهدنا وسمعنا تصريحات عديدة لقادة اسرائيل يفتخرون بأنهم حققوا أهم انجاز في حياتهم ومسيراتهم السياسية، وهذا الانجاز يتمثل في اغلاق الابواب امام أي فرصة حل نهائي وشامل مع الفلسطينيين، وامام أي امكانية للتوصل الى اتفاق لانسحاب اسرائيل من الجولان المحتل أو من اراضي الضفة والقدس.
ومن هنا يمكن القول ان استراتيجية اسرائيل قائمة على مبدأ "اللاحل". فكل ما يطرحه الفلسطينيون من أجل تحقيق سلام عادل وشامل غير مقبول من اسرائيل. وخيار حل الدولتين ولّى من خلال اجراءات اسرائيل على اراض الواقع، هذه الاجراءات ذاتها لن تسمح باقامة دولة في الوضع العام القائم حاليا، وفي ظل حكومة اسرائيلية تضم في تركيبتها ائتلافا يمينيا متشدداً وعنصرياً.
وانطلاقاً من خيار "اللاحل" أو "اللاخيار" الاسرائيلي، فان علينا ان نكون صاحين لهذه السياسة، وان نعمل من أجل الحفاظ على وجودنا، ورفض أي اتفاق أو صفقة مهما كانت اغراءاتها المادية.
قد يؤمن قادة اسرائيل أن مرور الوقت هو لصالح دولتهم، ولذلك فهم متمسكون بسياسة "اللاحل"، والعمل على ادارة الازمة أو الصراع، ولكنهم في الواقع مخطئون، لان حل الدولة الواحدة العلمانية سيفرض عليهم مع مرور الوقت واطالة أمد الصراع، لان المعطيات الدولية لن تكون كما هي الآن لصالح اسرائيل. والاجواء قد تتغير وتتبدل.. وخيار "اللاحل" سيشطب وعلى ارض الواقع قانون القومية اليهودية العنصرية الذي جاء لان هؤلاء القادة يدركون أن شعبنا سيبقى صامداً على ارض وطنه، ويدركون أن دولة اسرائيل ستواجه مشكلة أو أزمة ديموغرافية إذ أن عدد العرب الفلسطينيين وبعد عقود قليلة سيكون اكثر من عدد سكان اليهود في الدولة العبرية.
إن كل ما يقوم به قادة اسرائيل من ممارسات واجراءات ضد شعبنا وضد اراضينا سينعكس سلبا على دولة اسرائيل، وهذا ما أكده التاريخ في قضايا عالمية مماثلة أخرى، وستؤكده السنوات القادمة!
جاك يوسف خزمو
رئيس تحرير مجلة البيادر
القدس 30/4/2019