المعيارية السياسية والوطنية... والخطابات الاعلامية التوصيفية

بقلم: باسم عثمان

بعد ظهور ملامح "صفقة القرن المزعومة", القديمة- الجديدة في جوهر السياسة الخارجية الامريكية بالتعامل مع القضية الفلسطينية, اتضح أن القيادة الفلسطينية الرسمية تعرضت لواحدة من أكبر عمليات الخداع والوهم السياسي في التاريخ المعاصر من قبل الإدارة الأمريكية, حيث لم يكن تحقيق السلام يوماً هدف من أهداف الحركة الصهيونية والإدارة الأمريكية, ولكن كان الهدف الأساسي دائماً إدارة الصراع العربي الإسرائيلي والإبقاء على حالة الحرب وعدم الإستقرار التي تضمن تدفق الأموال والموارد العربية باتجاه الغرب وأمريكا. 

هذه "الخطة السياسيةالخطيرة",بدأت بالتطبيقات العملية وترسيخ "الحقائق السياسية"، قبل الاطلاع عليها, و هي المعروفة قبل طرحها, ومن ثم صياغتها وفقا للنتائج الملموسة على الارض, وفق نظرية و سياسة "الامر الواقع" و تبنى على ردات الفعل فلسطينيا و اقليميا و دوليا,وهي بالمناسبة تعبير سياسي صارخ لسياسات الادارات الامريكية السابقة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية, و ليس صحيحا أن التأجيل في اعلان "صفقة القرن الامريكية" سببه عدم اكتمال الصفقة ، بقدر أن الهدف التمهيد وتهيئة البيئة السياسية} فلسطينيا و عربيا و دوليا{ المحفزة والدافعة لإنجاحها.

هي سياسة الامبريالية العالمية}الامريكية والبريطانية{ المتحالفة مع الصهيونية العالمية و تعبيراتها السياسية كيان "الاحتلال الاسرائيلي" منذ وعد بلفور الى يومنا هذا, و ليس صدفة تسميتها صفقة"القرن" الا تعبيرا سياسيا و اعلاميا عن الجهود و السياسات و المشاريع التصفوية المطروحة في المنطقة لاكثر من مائة عام ذكرى وعد بلفور المشؤوم.

هذه الصفقة والمنسجمة مع كل سياسات و مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية و على مدار قرن من الزمان بدأت ملامحها بالتعامل على الارض, خلافا للسياسات الامريكية السابقة, مستغلة حالة الانقسام الفلسطيني و غياب الاجماع الوطني في الرؤية السياسية الفلسطينية و تدهور الحالة العربية نتيجة الهزات العنيفة التي اصابت المنطقة, فوجدت البيئة السياسية المحفزة لها,لانهاء القضية الفلسطينية و تحويل الصراع العربي-الاسرائيلي الى نزاع ثانوي و ثنائي بين الفلسطينيين و الاسرائيليين حول قضايا انسانية و خدماتية اقتصادية لتحسين الوضع المعيشي للناس, على حساب جوهر الصراع السياسي و الوجودي, فبدأت بتفريغ القضية الفلسطينية من جوهرها: مكونات القضية الفلسطينية ومستوياتها.     

 ومع كل خطوة تنفيذية على الارض، لا تملك السلطة السياسية الرسمية الفلسطينية     ولا قيادة غزة السياسية الحمساوية سوى اصدار بيانات الشجب و الاستنكار و توصيف المخاطر السياسية المترتبة على كل خطوة تصفوية للقضية القلسطينية,

مواقف تكشف أن "القيادة السياسية "بشقيها" الرسمية و الحمساوية جل ما تبحث عنه هو تلطيف الاجواء السياسية و الرأي العام الفلسطيني و الحصول على بعض المكاسب الفصائلية الضيقة.

و قد تابعنا جميعا مداخلات قادة الفصائل الفلسطينية في اللقاء التشاوري الذي دعت له حماس, و كأن الجميع يدرك تماما خطورة المرحلة و اليات الخروج من المأزق الفلسطيني: بانهاء الانقسام والوحدة الوطنية و مقاومة خطة ترامب و السياسة الاستيطانية التهويدية للاحتلال الاسرائيلي.

ان المعيارية الاخلاقية و الوطنية السياسية تستدعي تحويل الخطابات الاعلامية الى اليات عملية للتطبيق و ليس خطابات توصيفية للمخاطرالمحدقة بالمشروع الوطني الفلسطيني و تلطيف أجواء الغضب الفلسطيني من السياسات الانقسامية و الكوتات الفصائلية.

ان مواجهة صفقة ترامب بالخطوات العملية بالميدان الفلسطيني اولا و بالمحافل الدولية ثانيا, و ليس بكلمات الاطراء السياسي و العاطفي.

ان متطلب المواجهة و هو الاساس يكمن في اعتماد استراتيجية وطنية فلسطينية بديلة عن اوسلو والتزاماته, بتنفيذ قرارات الاجماع الوطني و قرارات المجلس الوطني الفلسطيني و البدء الفوري بخطوات انهاء الانقسام و التاكيد على مكانة منظمة التحرير الفلسطينية سياسيا و تمثيليا, والابتعاد عن طرح اية اشكال او هيئات ادارية او تنظيمية توسع هوة الانقسام و تخلق اجسام بديلة عن المنظمة.

لا بد من تحشيد كل الطاقات الفلسطينية للمشاركة من الباب الاوسع في المعترك الفلسطيني و تامين متطلبات الصمود المجتمعي الفلسطيني و تطوير اشكال مقاومته الوطنية.    

بقلم/ د. باسم عثمان