مليئةٌ هي الساحة الإسرائيلية بالأحداث السياسية و العسكرية ، و التي دفعتها في الآونة الأخيرة إلى القبول بالتهدئة مع فصائل المقاومة الفلسطينية ، و لعل أبرزها مسابقة الأغنية الأوروبية اليوروفيجن و التي ستستضيفها دولة الاحتلال بعد أيام ، على ضوء ذكرى النكبة الفلسطينية أو ما تعتبره دولة الاحتلال ذكرى تأسيسها ، و يبقى السؤال المطروح : ما هو مصير صفقة القرن على ضوء زخم الأحداث لدى دولة الاحتلال ؟
المتابع لبنود الصفقة و التي تم تسريبها قبل أيام ، يعي تماماً أن هذه الصفقة قد بدأ تنفيذها على أمر الواقع ، و لكن بفتور واضح ، بغية الانقضاض على الفلسطينيين و هم في وضعية لا يُحسَدون عليها ، و كل من يعتقد بأن دولة الاحتلال أجلت البت في الصفقة ، أو تنوي تعديلها فهو واهم ، لأنّ المعطيات على أرض الواقع تدل على أنّ الولايات المتحدة الأمريكية و حليفتها دولة الاحتلال قد بدأتا بتنفيذ بعض بنود الصفقة وفق مايلي :
أولاً : أحد بنود صفقة القرن كان قد حدّد الأطراف المعنية بهذه الصفقة و هم ثلاثة أطراف تتمثل في دولة الاحتلال و منظمة التحرير الفلسطينية ، و حركة المقاومة الإسلامية حماس ، و لا رابع لهذه الأطراف الثلاثة ، و في حال رُفِضَت الصفقة من قبل الجانب الفلسطيني ، فإنّ الولايات المتحدة سوف تفرض عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين و سوف تعاقب أيضاً أية دولة تقدم دعماً اقتصادياً لهم ..
و استناداً لهذا البند يمكن القول أن العقوبات الاقتصادية على الفلسطينيين هي مؤشرات على بدء صفقة القرن و دخولها حيّز التنفيذ ، و طبخها على نارٍ هادئة ، و ذلك بعد اشتداد الحصار الخانق الذي يتعرض له فلسطينيو قطاع غزة ، و رزمة العقوبات المعيشية المفروضة على عوائل الشهداء و الأسرى هناك ، في محاولةٍ لزيادة الضغط على حركة حماس للقبول بهذه الصفقة أو مواجهة تلك الضغوطات الكبيرة التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى احتجاج شعبي كبير على تردي مستوى المعيشة لدى المواطنين ، و دخول الجميع في أتون المواجهات ، كما حدث مؤخراً لدى اندلاع المواجهات الأخيرة تحت مسمى "بدنا نعيش" ..
و بالتالي يمكن القول أن العقوبات هناك على أشدّها و صفقة القرن تلوح في الأفق أمام الفلسطينيين من أجل القبول بدولتهم ( فلسطين الجديدة ) التي تمتد جغرافياً بين الضفة الغربية و قطاع غزة و بعض المساحات التي ستتخلى عنها مصر في حال وافق الأطراف الثلاثة على بنود الصفقة ، بشرط بقاء هذه المساحات فارغة من السكان و الحفاظ عليها كمؤازرة اقتصادية داعمة للفلسطينيين ..
ثانياً : أحد بنود صفقة القرن يقول أنّه في حال رُفضت صفقة القرن من قبل حركة حماس و الجهاد الإسلامي فإنّ المواجهة العسكرية مع دولة الاحتلال ستكون هي النتيجة النهائية ، و هذا ما حصل مؤخراً عندما اندلعت المواجهة بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة و دولة الاحتلال الإسرائيلي ، إذ تمكنت المقاومة من قلب الموازين و خرق التوقعات ، من خلال إطلاقها رشقات الصواريخ إلى العمق الإسرائيلي ، و استهدافها لحافلات نقل الجنود الإسرائيليين ، و استهداف الأمن الإسرائيلي في الصميم ، الأمر الذي دفع بدولة الاحتلال إلى طلب التهدئة كي لا تنفجر الأوضاع الأمنية على أبواب ذكرى النكبة الفلسطينية ، و استضافة دولة الاحتلال لمسابقة اليوروفيجن ، و هذا ما لا يصب في صالح دولة الاحتلال ..
و المتتبع لبنود الصفقة يعلم تماماً أنّ الولايات المتحدة أبقت على بندٍ يحفظ لها ماء وجهها أمام حلفائها في المنطقة ، لكسب المزيد من الأنصار لهذه الصفقة ، و ذلك من خلال قولها أنّ العقوبات سوف تشمل أيضاً دولة الاحتلال في حال رفضت هي الصفقة ، و أنّى لدولة الاحتلال أن ترفضها و قد أتت إليها بالخير الوفير !!
و أمام هذا الاشتداد ، يبقى الفلسطينيون هم الطرف الأساسي في هذه الصفقة ، حتى لو كانوا ضعفاء ، لكنهم قادرون على إلغائها من خلال رفضهم لها ، لأنهم يشكلون أكثر من النصف فيها ، لكنّ صفقة القرن ستكون سهلة التمرير إذا ما استمر الانقسام الفلسطيني ، و ظل الفلسطينيون يدفعون ثمن هذا الانقسام في الداخل و الخارج ، لا سيما أنّ الولايات المتحدة استخدمت لغة الانقسام في تفنيدها للبنود ، عندما وضعت الفلسطينيين في فريق اثنين ، فريق منظمة التحرير ، و فريق حماس ، بينما أوردت دولة الاحتلال بصيغة واحدة لا ثانيَ لها ..
بقلم عبد السلام فايز