ما زلنا منكوبين

بقلم: رمزي النجار

في ظل هذا الواقع الفلسطيني المرير الذي لا يسر صديق أو عدو تطل ذكرى النكبة كأبشع جريمة حرب احتلالية منظمة (تطهير عرقي) سلبت الأرض والبيوت وارتكاب المجازر الجماعية وتدمير القرى وتشريد الفلسطينيين اجباريا تمهيدا نحو اعلان قيام كيان يهودي على الأرض المسلوبة في مايو من العام 1948 واحلال المأساة الإنسانية بحق الملايين من الفلسطينيين وحرمانهم من العودة إلى بيوتهم ضمن أكبر مشروع احتلالي عنصري مدعوم امريكيا ومن دول أخرى يستهدف الأرض والإنسان الفلسطيني وطمس هويته الوطنية والقومية ومسح التراث والثقافة الفلسطينية، وفشل المجتمع الدولي في حماية الفلسطينيين من الأعمال الإجرامية الإسرائيلية التي مارستها اسرائيل بحق شعب أعزل، حيث تواصلت النكبات بنكبة ونكسة أخرى شملت احتلال باقي الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة في العام 1967 والاستيلاء على باقي الأراضي وبناء المستوطنات عليها وتوطين اليهود المتطرفين القادمين من انحاء العالم فيها ضمن المخطط الاسرائيلي العنصري لتفتيت وتقسيم الأرض الفلسطينية وجعلها غير قابلة للتوحد الجغرافي وأيضاً غير قابله للحياة ومحاصرة الشعب مادياً ومعنوياً لتمرير ما يصبو إلية الكيان الاسرائيلي بتوسيع حدود دولته اليهودية القومية الخالصة دون الاعتراف بحقوق العرب والديانات الأخرى.
يحيى الفلسطينيين ذكرى النكبة الـواحد والسبعون وقد يكونوا اليوم في اسوأ وضع بعد النكبة والنكسة في ظل استمرار حالة الانقسام الكياني والسياسي الفلسطيني الداخلي، ذلك الانقسام الذي صنعته الأيدى الفلسطينية وجاء هديه قدم للاحتلال على طبق من فضة، وأصبح بلاء الانقسام مصلحة للاحتلال الاسرائيلي بالدرجة الأولي للتهرب من اتفاقيات السلام والاتفاقيات الدولية، والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية من خلال استغلال المنابر الدولية بعدم احقية الفلسطينيين بالدولة بسبب خلافاتهم وانقساماتهم الداخلية، واختزال القضية الفلسطينية في الحلول الاقتصادية والانسانية على حساب الحلول السياسية، والسعي إلى ضم القدس والضفة إلى أراضي دولة الكيان وتحت السيادة الاسرائيلية الكاملة، وبقاء غزة في سجنها الكبير من خلال حصار وتجويع أهلها وجعلها مشروع انساني ليس إلا وحصرها في بوابه واحدة بمفتاح واحد بيد اسرائيل والتحكم بكل مقدرات غزة.
وتتواصل النكبات على الشعب الفلسطيني وهذه المرة علنية الدور الامريكي الداعم للكيان الاسرائيلي من خلال ادارة ترامب التي تحدت منظومة المجتمع الدولي وضربت قواعد الشرعية الدولية ومبادئ حقوق الإنسان بإصدار قرارات ضم القدس والجولان إلى الكيان الاسرائيلي وعدم الاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي تعد حق طبيعي وأساسي من حقوق الإنسان والقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والاعلانات والمواثيق الدولية، مستغله إدارة ترامب حالة الضعف والتشتت العربي والصمت الدولي ونصبت نفسها الوصي على العالم والشروع في الاعلان المنتظر عن ما يسمى صفقة القرن التي باتت معالمها واضحه تدور قحواها حول إلغاء الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في أرض فلسطين وتحويل الشعب الفلسطيني إلى مشروع كيان اقتصادي تتحكم فيه اسرائيل وبكل تفاصيل حياة الفلسطينيين.
ولعل كل هذه النكبات التي حلت على الشعب الفلسطيني من نكبة عام 1948 ونكبة عام 1967 ونكبة الانقسام في العام 2007 والنكبة الجديدة المتمثلة في صفقة القرن، جميعها نكبات بوجوه واحدة تخدم مشروع الاحتلال الاسرائيلي، ولكن تبقي نكبة الانقسام الأخطر اجتماعيا وسياسيا ولا تقل مأساة ومعاناه عن نكبة عام 48، ذلك الانقسام الذي دمر النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني واضعف حالة الانتماء والولاء للوطن لدى غالبيه أبناء الشعب الفلسطيني وخاصة الجيل الشاب، وساهم في خلق حالة مستدامة من الكراهية والاحقاد والتخوين والتعصب الحزبي المقيت والمناكفات السياسية والمضايقات والاعتقالات على خلفية حرية الرأي والتعبير ورفض الأخر والردح الاعلامي، والأدهى من ذلك هجره شبابنا بالآلاف مع عائلاتهم من غزة إلى الخارج في ظل انعدام أفاق الأمن والأمان والعيش بكرامة وحرية، وحرمان المواطنين من أبسط حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتنموية، وسياسة التمييز الواضحة وعدم المساواة حتى في توزيع الظلم على الجميع والاغتراب داخل الوطن.
باعتقادي أن استمرار نكبة الانقسام الفلسطيني الداخلي أكبر خدمة مجانية نقدمها لمشروع الاحتلال الذي طالما تمنى الانقسام لتمرير سياساته الشيطانية في المنطقة بمباركة امريكية وتمرير صفقة القرن اجباريا في ظل انشغال العرب بمشاكلهم في دولهم وفقدان البوصلة الوطنية والقومية تجاه القضية الفلسطينية، والصراعات الإقليمية التي تسيطر على المنطقة لبسط النفوذ، فبدون رأب الصدع الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية سيدفع الفلسطينيين ثمنا غاليا من أرواحهم وأجسادهم والقادم سيكون أخطر وأشد نحو تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، وتغذية الانقسام من قبل دول إقليمية لحسابات خالصه لها في المنطقة تساهم في اعادة تقسيم المقسم في الوطن العربي والقبول بسياسة الأمر الواقع، وسيكون الفلسطينيين أكبر المتضررين حيث ستعم سنوات سواد مليئة بالمآسي والأوجاع والمصائب، وتجرع المرارة والتعايش مرغمين ومجبرين مع هذا الواقع الجديد الذي ستفرضه صفقة القرن ما دمنا قبلنا ببقاء الانقسام إلى مالا نهاية، وسوف تتواصل النكبات على الشعب الفلسطيني التي تصب في مجملها لخدمة المشروع الاحتلالي الاسرائيلي.
لذلك على جميع القيادات السياسية للشعب الفلسطيني تحمل المسئولية الوطنية والدينية والاخلاقية على بقاء هذا الواقع المرير باعتباره نكبة حقيقية مست الكل الفلسطيني بغض النظر عن انتماءه السياسي، وعليكم أن لا تتركوا شعبكم ضحية نكبة الانقسام، فيكفيه التباكي على نكبة 1948 التي ما زال شعبنا يتجرع كؤوس علقمها حتى يومنا هذا، فالأجدر أن نبكي دما على استمرار الانقسام وما آلت إليه الأمور من هدر للطاقات الوطنية وضياع الوطن، والأحداث من حولنا سواء كانت دولية أو إقليمية أو عربية لا تبشر بخير، فليكن الخير في وحدتنا والانتصار على أنفسنا لننتصر على عدونا الذي يتغنى بأن استمرار الانقسام الفلسطيني مصلحة اسرائيلية بامتياز، فالجميع من أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الشعبية والنقابية والشخصيات المستقلة في دائرة المسئولية بأن تنهوا الانقسام والتقدم بخطوات ايجابية لتعزيز صمود ونضال شعبنا في مواجهة التحديات القادمة وخاصة صفقة القرن التي تمثل نكبة جديدة تضاف إلى النكبات التي حلت بشعبنا الفلسطيني.
بقلم/ د. رمزي النجار
[email protected]