مر شعبنا بالعديد من المآسي الإنسانية، والنكبات المتلاحقة، فمنذ النكبة الكبرى عام 1948 وإعلان ما يسمى دولة (إسرائيل) يوم 15/5 على الأرض الفلسطينية وتهجير أكثر 750 الف فلسطيني من سكان الأرض الأصليين وتشريدهم، ومحاولة هدم معالم المجتمع الفلسطيني الحضارية والاقتصادية والسياسية والثقافية؛ لطمس الهوية الفلسطينية، وتزوير الوقائع وتغيير الأسماء الجغرافية العربية وتبديلها بأسماء عبرية، واحتلال الأراضي وهدم أكثر من 500 قرية، وتدمير المدن الفلسطينية وتحويلها لمدن يهودية، وقد سبق هذا التاريخ تشكيل العصابات الصهيونية والمليشيات والمجموعات المسلحة التي عملت بشكل منظم لنشر الذعر والترهيب، فارتكبت المجازر والابادة الجماعية ضد المدنيين، ونهبت الممتلكات والأموال، وطردت شعبنا من بيوتهم، وما تبعها من محاولات لخلق واقع جديد، وتدمير طبيعة البلاد العربية في العمارة والبناء والتضاريس، لقد استخدم الاحتلال كل السبل والوسائل والطرق ضمن خطط مبرمجة وممنهجة لإنهاء الوجود الفلسطيني، وتزييف التاريخ لصالح كيانهم المزعوم، وترويج رواية نقيضة للرواية الفلسطينية صاحبة الحق، بهدف تجنيد الرأي العالمي، وتحشيد موقف من المجتمعات الدولية لصالحها، وتبرير أفعالها الهمجية واللاإنسانية ضد شعبنا الفلسطيني الاعزل على مدار التاريخ من النكبة، الي النكسة، مرورا بالعدوان المستمر والحروب المتكررة والتغول والقتل للمدنيين، حتى الاعلان الأمريكي عن مدينة القدس عاصمة لكيانه الصهيوني، وما اتخذته هذه الادارة من اجراءات لحصار السلطة الفلسطينية اقتصاديا ولأضعاف موقفها، وتسويق فكرة البعد الإنساني، والحالة الكارثية التي يعيشها الفلسطينيين، لفرض تدخل وفق أجندتها بهدف جعل السلطة تستجدي أي حل كان...، وخاصة بعد فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة وفوز نتنياهو الذي يسعى بعد تنصيبه كرئيس وزراء إسرائيل جديد ضم مستوطنات الضفة الغربية الي اسرائيل وفرض السيادة الاسرائيلية عليها بالكامل في خطوة تعني إنهاء فكرة حل الدوليتين.....
فبرغم من عدالة القضية الفلسطينية؛ إلا أن الاحداث والمتغيرات والأزمات التي مرت بها القضية، وطبيعة المشهد والسناريوهات الجديدة وخاصة مع الصفقة الترامبية التي يسعى لتمريرها الرئيس الأمريكي ترامب، ومساعده جاريد كوشنير، وممثله الخاص للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات تحت ما يسمى بصفقة العصر؟! وطبيعة هذه المتغيرات والاحداث؛ تحتاج لمراجعة الحسابات، وقراءة معمقة للتاريخ بعناية، والوقوف على كل المحطات التاريخية، والقرارات الدولية، والمبادرات التي تتعلق بالصراع الفلسطيني والإسرائيلي من وعد بلفور مرورا بقرار التقسيم حتى المبادرة العربية، بهدف استخلاص العبر وتحديد الاجندة والموقف، وبناء خطة واضحة مقبولة وقادرة على المواجهة والخروج من الازمة بأقل الخسائر، وبهدف حماية الجبهة الداخلية وتعزيز الصمود للاعتماد على القوة الحقيقية وهو الشعب الفلسطيني صاحب الولاية والحق، والذي سيدافع عن الوطن بكل ما يملك من قوة، ولن يترك الميدان مهما كلف الثمن من تضحيات، وهذا يحتاج خطوات عملية يمكن البناء عليها لوضع استراتيجية وطنية جديدة وهي على النحو التالي:
- ضرورة انهاء الانقسام فورا وتوحيد الموقف الفلسطيني تحت هدف واحد ومظلة منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) للحفاظ على الهوية الفلسطينية، وتشكيل جبهة ممانعة من الكل الفلسطيني تكون قادرة على مواجهة المؤامرات التي تحاك في المنطقة والتي تسعى لإنهاء القضية الفلسطينية تمرير مخططات استعمارية وتقسيم المنطقة من جديد.
- إعادة صياغة الخطط والبرامج لتسويق الرواية الفلسطينية، والتركيز على الحقوق الفلسطينية المشروعة، ودور الاحتلال الإسرائيلي في تشريد وتهجير شعبنا، وفضح ممارساته ومخططاته الممنهجة، وبرامجه اللاإنسانية والهمجية ضد المدنيين والعزل من شعبنا الفلسطيني، والعمل على تحشيد الرأي العام الدولي لصالح القضية.
- الاهتمام بالعمق العربي، وتوزيع الأدوار لتحشيد موقف عربي موحد لصالح القضية الفلسطينية وخاصة في مواجهة صفقة القرن التي تمس بالمصالح العربية والفلسطينية بشكل مركب، وهذا يحتاج لموقف عربي موحد وخطة لمواجهتها بشكل دبلوماسي، والمطالبة بحل عادل ومشروع للقضية الفلسطينية، وفق الشرعية الدولية والقرارات الأممية العادلة التي تنصفها، وما ينسجم مع المبادرة العربية.
- العمل على تعزيز النضال الفلسطيني المنظم والهادف والمؤثر وخاصة بالنضال الجماهيري السلمي واللاعنفي، ضمن خطط للتأثير متفق عليها لإيصال الصوت الفلسطيني، وتجنيد دعم ومساندة للنضال الفلسطيني في ظل الاصطفاف الإقليمي والمساند لخطة ترامب والمتساوق مع الرواية الصهيونية.
- العمل الفوري على تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي وخاصة المتعلقة في إدارة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، واعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض، وتوظيف كل الطاقات والكفاءات الفلسطينية الانجاح هذه الدولة على قاعدة الديمقراطية المدنية والبناء والتحرير الوطني.
أخيرا أي استراتيجية واقعية نابعة من الكل الفلسطيني، وقائمة على أساس الوحدة الوطنية ومبنية على هدف نحو الاستقلال والتحرر من الاحتلال واقامة الكيان الفلسطيني المستقل هو الرد الحقيقي والواقعي والفعل المؤثر المنسجم مع الحدث، والذي يمكن أن يحجم ويربك المخططات التي تحاك ضد شعبنا، وهي رسالة للعالم بالحق الفلسطيني في الثبات على الأرض، والرد الطبيعي لكل الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية، فلن تتوقف النكبات التي يمر بها شعبنا في ظل فرقتنا وضعفنا وعجزنا أمام صمت العالم الذي تحكمه لغة المصالح، ولن يرده الا موقف موحد وعمل فلسطيني مشتركة وعمق عربي ودولي قادر على التأثير حول حقوقن المشروعة في عودة اللاجئين، وحق تقرير المصير والسيادة الكاملة على الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة مستقله لها حدودها ومعترف بها دوليا وعاصمتها القدس الشريف...
عاشت نضالات شعبنا والحرية للأسرى والمجد للشهداء وإنها لثورة حتى النصر
بقلم/ د. سلامه أبو زعيتر