الانتخابات الإسرائيلية شمولية الغاية وتباين الوسيلة

بقلم: عماد مخيمر

تتخذ الغايات أشكالا متعددة بحكم الوسائل المتخذة وصولا لها، ولكن يظل الهدف من هذه الغايات ثابت جوهريا، ومن الواضح أن الأحزاب الإسرائيلية كافة تنطلق من أيديولوجية واحدة تحدد الغاية الموحدة التي يجب على الجميع الالتزام بها والعمل من أجلها، هذا الالتزام يعد بمثابة مقدس يؤطر ويحدد الفعل الصادر منها تأثيرا في الحياة السياسية الإسرائيلية.

إن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة تعكس سمت المجتمع الإسرائيلي من حيث هيمنة التطرف اليميني وتكريس الجانب الديني العنصري كمكون أساس متفرد للقومية داخل إسرائيل، فالديانة اليهودية كمرتكز أساس للمشروع الصهيوني باتت محدد أساس وعامل استقطاب للناخب الإسرائيلي، والأمر لا يتعلق باليهودية كديانة جوهرا، ولكنه يتعلق بها كوسيلة يمكن من خلالها تحقيق أهداف المشروع الصهيوني وتبرير عنصريته وكافة الممارسات المرتبطة به من فصل عنصري وأبارتهايد واستيطان قائم على اغتصاب الأراضي الفلسطينية ومحاولة تبديد المجموع الفلسطيني العقبة الراسخة في وجه المشروع الصهيوني.

إن فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف وبروز الأحزاب اليمينية ذات الارتكاز الديني من ليكود وأزرق وابيض وغيرها ليدلل أن الدين أصبح أكثر من ذي قبل هو الوسيلة التي يمكن لها تحقيق أهداف المشروع الصهيوني، في مواجهة تراجع الوسائل الأخرى التي تتخذها الأحزاب اليسارية، وهنا لابد من التأكيد أن الهدف تقريبا واحد ما بين اليمين واليسار الإسرائيلي، ولكن تباين الوسائل والصراع الظاهري والذي لا يمس الجوهر الغائي لكل منهما.

إن المشروع الصهيوني في ذروته التي تشكل خطرا وجوديا على الشعب الفلسطيني، هذا الخطر وعلى الرغم من تغوله وتصاعده المحموم لا ينفي حقيقة أن الشعب الفلسطيني قادر على إحباطه ومواجهته بل وتفريغه من محتواه، فكافة الوسائل متاحة لدى الشعب الفلسطيني، والقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس / محمود عباس تدرك تماما أبعاد المسألة والمرتكزات التي ينطلق منها اليمين الإسرائيلي، ومجرد الإدراك يعني أن الفعل المضاد ينصف بالقدرة على المواجهة العميقة وكبح اندفاع اليمين الإسرائيلي المتطرف لتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها، بإحداث الفصل الجغرافي والسياسي والاقتصادي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك من خلال إدامة الانقسام الفلسطيني والحفاظ على منابعه، بهدف الاستفراد بالضفة الغربية الهدف الصهيوني التي ارتكز عليه مشروع شارون بالإنسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة في العام 2005، وهذا الفصل هو غاية إسرائيلية سبقه إرهاصات تمثلت في إعلان قانون يهودية الدولة ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس في تكريس لمنح الولايات المتحدة الدعم والإسناد لدولة الاحتلال في تحقيق أهدافها وغاياتها، وصولا إلى الدعم الأمريكي لإعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، والاعتراف بدويلة أو ما شابه في قطاع غزة.

ويظل الشعب الفلسطيني وقيادته يملكون الكثير من الأوراق القادرة على بعثرة الأحلام الصهيونية أدراج الرياح، وكل المطلوب هو الالتفاف حول القيادة التي تمتلك الرؤية مما مكنها للتصدي للإدارة الأمريكية وكشف دورها المتواطئ والشريك المتضامن مع الاحتلال الإسرائيلي، إن المرحلة تتطلب الالتفاف والبعد عن المناكفات السياسية السطحية والتمسك بجوهر الصراع الوجودي مع الاحتلال، فالخطر بات وشيكا مدمرا للكل الفلسطيني، واللحظات التاريخية الفاصلة تتطلب استحقاقات وتوحد حول الغاية والوسيلة لكي نكون جديرين بصنع لحظتنا التاريخية الفارقة القادرة على التصدي للمشروع الصهيوني والحفاظ على وجودنا وهويتنا وكينونتنا الفلسطينية الأصيلة.

 

بقلم/ د. عماد مخيمر

أستاذ العلوم السياسية