يعيش اليوم حوالي 250 معلماً وأكثر من ثلاثة آلاف طالب فلسطيني بمدارس الاونروا في لبنان هاجس الخوف والقلق، بعدما هددت إدارة وكالة الغوث الأونروا بوقف برنامج «الدعم الدراسي» مع بداية أيلول المقبل إذا لم يتوفر التمويل المطلوب، وأبلغت العاملين في البرنامج بالبحث عن خيارات وفرص عمل أخرى.
هذا التهديد لاقى ردود فعل واسعة من قبل المعلمين والهيئات الفلسطينية والنقابية كافة، التي رأت في إلغاء البرنامج تهديداً ليس فقط لمستقبل المعلمين وأمنهم الوظيفي، وإنما للمستقل التعليمي لآلاف الطلاب الفلسطينيين في المراحل الإبتدائية الأساسية.
وكان هذا البرنامج قد انطلق في العام 2008 بتمويلٍ من الاتحاد الأوروبي ومنظمة "اليونيسفUNICEF"، بهدف حل مشاكل الصعوبات التعليمية في مهارات الكتابة والقراءة والحساب للطلاب المستهدفين، ورعاية الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة والدعم النفسي، ويستهدف سنوياً نحو 3000 طالب من مرحلة الأول والثاني ابتدائي، و10 آلاف طالب خلال الأنشطة الصيفية، واستطاع البرنامج باعتراف إدارة الاونروا والجهات المانحة أن يحقق نجاحات ملموسة خلال سنوات عمله الماضية، حيث أسهم في معالجة العديد من المشكلات التعليمية للطلاب المستهدفين فيه، خاصة وانه يعتمد على أساليب وطرائق تعليمية غير تقليدية تساعد الطلاب على تجاوز صعوبات التعلم ومتابعة دراستهم بشكل جيد، حيث يتعامل أساتذة الدعم الدراسي مع فئة محددة من الطلاب المستهدفين، يتم اختيارهم بالتعاون مع اﻷستاذ اﻷساسي والادارة ومنسق الدعم الدراسي في المدرسة وأستاذ الدعم الدراسي والمرشد المدرسي.
وهذا الأمر لا ينتقص من كفاءة وقدرات المعلمين الأساسيين، الذين يقع على عاتقهم واجبات ومسؤوليات عدة، مع الاشارة هنا الى أن وظيفة المعلم المساعد باتت من الركائز الأساسية التي تعتمد عليها العملية التعليمية في الكثير من دول العالم ومنها على سبيل المثال "بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية"، بدءاً من المراحل الأولى في الروضة والتعليم
الأساسي، وحتى المرحلة الثانوية، فكيف هو الحال في مدارسنا المكتظة صفوفها بالطلاب والتي تفتقد لأبسط المناخات التربوية السليمة، والنقصان الحاد في الاحتياجات، والشواغر القائمة بالعديد من الوظائف وغيرها من المشكلات؟
والجدير ذكره أن هذا البرنامج جرى تقليصه العام الدراسي الماضي، حيث تم استثناء طلاب الصف الثالث ابتدائي من برامجه، وجرى تسريح وانهاء وظيفة حوالي 75 معلماً من البرنامج بحجة العجز في الموازنة ونقص التمويل.
لتعود الأونروا هذا العام وتفجر قنبلة التهديد بالإقفال والإلغاء الكامل للبرنامج اذا لم يتوفر التمويل، الأمر الذي أثار غضب المعلمين والطلاب والاهالي، ونفذوا اعتصاماً امام المقر الرئيسي لوكالة الاونروا في بيروت 10/5/2019، بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني واتحاد الموظفين واللّجان الشعبية والطلابية ..، رافضين المساس بهذا البرنامج لما يشكله من حاجة ضرورية في ظل حالة اكتظاظ الصفوف في مدارس الاونروا التي يصل بعضها لخمسين طالباً في الصف الواحد.
وبمعزل عن تفاصيل التمويل وأسباب تراجعه المفاجئة، ما يعنينا هو مسؤولية الاونروا بالدرجة الاولى عن مستقبل طلابنا والأمن الوظيفي لمعلمينا، وما يعنينا ايضاً هو التدهور الحاصل في المستوى التعليمي لطلابنا وخصوصاً في المراحل الابتدائية، حيث تتحدث الكثير من الاحصاءات عن ارتفاع مخيف لنسب التسرب المدرسي، وهنا يأتي السؤال عن احترام الطفولة وحق الطفل في الحماية والتعليم، وغيرها من الشعارات التي تتشدق بها وكالة الاونروا، وتمارس السياسة النقيضة في الوقت ذاته.
وبهذا الإطار ينبغي التنبه ليس فقط من الغاء البرنامج، وانما من اللجوء الى تقليص عدد العاملين فيه بحجة أن التمويل الذي توفر لا يكفي، وهذه الممارسة التقليصية اعتادت إدارة الاونروا على سلوكها في العديد من البرامج خلال السنوات الماضية، حيث تتخذ من الازمات المالية حجة لإنهاء العديد من الوظائف، ولذلك على القوى الفلسطينية واتحاد الموظفين وجميع المعلمين، الوقوف ليس فقط بوجه إغلاق البرنامج، وإنما بوجه المساس بأي معلم من العاملين فيه، فيكفي شعبنا ما يعانيه من بطالة، ولا يجوز ان نقبل بإنهاء وظيفة أي معلم من هؤلاء المعلمين ورميهم على قارعة الطريق بقرار تعسفي غير مسؤول من الاونروا.
وأخيراً لا بد من القول، ان مستقبل التعليم لطلابنا هو مستقبل قضيتنا، وبناء الاجيال وتعليمها وتحصينها هو واجب علينا جميعاً، فلنتحد للمحافظة على حقوقنا وعلى كرامة معلمينا وطلابنا، ومواجهة كل المؤامرات التي تستهدف شطب والغاء هذه المؤسسة الدولية، وهنا دعوتنا لكل الفصائل والاتحادات واللجان الشعبية والطلابية والنقابية أن تقف بقوة بوجه أي مشروع تقليصي يهدف الى المساس بأي من حقوقنا وحقوق طلابنا والعاملين والموظفين في الوكالة.
وما يعانيه شعبنا الفلسطيني في لبنان من مشكلات اقتصادية ومعيشية كبرى يفرض الضغط والتحرك لزيادة الخدمات التي تقدمها الاونروا والضغط عليها لتحمل مسؤوليتها تجاه احتياجات اللاجئين وعدم اللجوء للإجراءات التقليصية بذريعة العجز في الموازنة ونقص التمويل..
بقلم/ يوسف أحمد