«مكة»: الشيخ ياسين إرهابي وماذا بعد؟

بقلم: علي الصالح

بين الحين والآخر يطل علينا من بلاد الحرمين الشريفين، إما «مفكر» أو «داعية» أو «باحث» أو « إعلامي» وأخيرا «جريدة»، بتبني الرواية الإسرائيلية الاحتلالية، وبث الإشاعات والأكاذيب والمعلومات المزيفة بغرض تشويه صورة نضال الشعب الفلسطيني، عبر اتهامه أحيانا ببيع قضيته، وأحيانا أخرى بالزعم أنه ليس شعبا، ولم تكن له دولة، وأحيانا أخرى التشكيك في تضحياته ومحاولة ربطه بالإرهاب. وآخر ما تفتقت عنه اذهانهم هو استخدام المصطلحات الإسرائيلية ووسم عدد من قيادات حركة حماس بها، ومنهم من هم أحياء ومنهم من هم شهداء.
فقد نشرت الصحيفة السعودية التي تحمل اسم أطهر مكان بالنسبة للمسلمين «مكة» في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي، قائمة بأربعين اسما قالت إنهم من قادة الإخوان المسلمين، معظمهم من الفلسطينيين ووصفتهم جميعا بالإرهابيين، وما يخصني هنا هو الاسماء الفلسطينية التي وردت في هذه القائمة، ومن بينهم الشيخ الشهيد أحمد ياسين مؤسس حماس، الذي نعاه الملك فهد شخصيا، والشهيد القائد عبد العزيز الرنتيسي ورئيس مكتبها السياسي الحالي إسماعيل هنية وقائدها في غزة يحيى السنوار الأسير المحرر، الذي قضى عشرات السنوات في سجون الاحتلال، والقائد العام لكتائب القسام محمد ضيف، الذي تعرض لعدد من محاولات الاغتيال، بالإضافة إلى عدد آخر من أبرز قادتها.
هؤلاء هم من نطلق عليهم المتأسرلين أو السعوديين الجدد، وهو مصطلح، ينسحب على اولئك «الكتاب والصحافيين والباحثين والإعلاميين والمفكرين والدعاة» الذين ما كانوا ليفتحوا أفواههم بالتهجم على فلسطين وشعبها وقضيتها المقدسة، لولا التغييرات السياسية التي هبت رياحها على السعودية، مع ظهور محمد بن سلمان وتبوئه مناصب رفيعة وحساسة، مع تولي والده الحكم، قبل أن يطيح بابن عمه محمد بن نايف، ليسحب منه ولاية العهد، ويبسط نفوذه على جميع مفاصل ومرافق الحياة، السياسية منها والاقتصادية والمالية والعسكرية وغيرها، ويمسك بمفاتيحها بتنسيق مع كوشنر وموافقة ضمنية ودعم من إدارة ترامب، إلخ. لا يأتي ذلك من فراغ، ولا يمكن أن يفهم ما نشرته «مكة» خارج هذا السياق، ولا يمكن أن تكون قد نشرته من غير ضوء أخضر من ولي النعم، وأقصد ولي العهد السعودي، وإلا كان مصير كاتب التقرير ومن يشد على يده في الجريدة، كمصير جمال خاشقجي، الذي ذبح بدم بارد وقطعت جثته إلى قطع في قنصلية بلاده في إسطنبول التركية، ونجح الجزارون في إخفائها ولم تكتشف بعد، رغم مرور7 أشهر على الجريمة، ولربما أذابوها بالأسيد.

شيطنة قادة حركة حماس فحسب، ليس هدف هذه الهجمة، بل القضية الوطنية الفلسطينية بمجملها، تأهبا للانقضاض عليها بصفقة القرن، التي صادق عليها بن سلمان خلال لقائه بالرياض في أكتوبر/تشرين الأول 2017، مع جارد كوشنر مستشار ترامب وصهره، وتخطط الإدارة الأمريكية لطرحها بعد رمضان، كما أعلن ذلك كوشنر نفسه، وهي صفقة تهدف ـ إن تَأكد ما تسرب منها حتى الآن، إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر حل اقتصادي، وصولا إلى الشرق الأوسط الجديد، بتحالفات جديدة تقودها إسرائيل وتأخذ تحت جناحيها الدويلات الخليجية العربية العاجزة عن حماية نفسها، رغم كميات السلاح الهائلة التي تنفق عليها أموالا طائلة. فهؤلاء يسعون عبر هذه التصريحات والتصنيفات الشاذة والغريبة على الشعب السعودي، لتمهيد الطريق لإزالة تلك العقبة الكأداء التي اسمها قضية فلسطين، بالتطاول عليها وإسقاط سمة القدسية عنها، بالتهجم على رموزها ووسمهم بالإرهاب، وتمهيد الطريق أمام ولي النعم محمد بن سلمان، الذي لن يتجرأ شخصيا على تخطيها علنا، على الأقل في الوقت الحاضر، وطالما بقي والده الذي ينتمي للحرس القديم، على قيد الحياة.
الإرهابي ليس من يحمل البندقية ويقاتل من أجل وطنه وشعبه وقضيته، فهناك شرائع دولية تعطيه الحق، وإن تحاول الولايات المتحدة، خاصة في عهد ترامب فرض قواعد جديدة للعبة، وفقا لاحتياجات إسرائيل، بل الإرهابي هو الذي يقتل الأبرياء، بل يتعمد قتل الأبرياء من أجل إثارة الرعب، مثلما حدث في مجزرة تفجيرات نيويورك، الإرهابي هو من يستأجر مرتزقة ليشن حروبا بالنيابة باسمه، الارهابي هو من يقتل الأطفال والشيوخ والنساء العزل في اليمن وليبيا، والآن ربما السودان التي قد تقع فريسة هذه الضباع. الإرهابي هو من أنتج أسامة بن لادن وغيره.
الغرض من هذا المقال ليس تغيير موقف صحيفة «مكة» فهذا أمر شبه مستحيل، فموقفها لا يتغير إلا بقرار من ولي النعم، إنما المقصود بهذا، التوضيح للقارئ الذي ربما لا يعرف أن الإرهاب الحقيقي ولد وترعرع في الأراضي السعودية، وهو ما أوصلنا إلى هذه الحال، بعد تفجيرات برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك وغيرهما في11 سبتمبر/أيلول 2001، التي شارك فيها15 سعوديا وإماراتيان ومصري ولبناني. وهي «القاعدة» نفسها التي قادها بن لادن صنيع جهاز المخابرات السعودية، وسي أي إيه، التي انتجت الجماعات «الإرهابية» الأكثر عنفا منها، «داعش» و»النصرة» وغيرهما، وكما يقول المثل «رمتني بدائها وانسلت».
وكأن هناك تنسيقا وتوزيع أدوار ما بين المتأسرلين- السعوديين الجدد وإياد علاوي «السياسي العراقي» ذي الوجوه الاثني عشر، لتشديد الضغط على حماس والفلسطينيين عموما. ويقول علاوي الذي كان باعترافه الشخصي يتعامل مع نحو12 جهاز مخابرات في العالم، أن صواريخ باليستية منصوبة في غزة والبصرة وسوريا وإيران أيضا، وأن هذه الصواريخ موجهة نحو منطقة الخليج. ومصدر معلومات زعيم «ائتلاف الوطنية» العراقي الذي شغل منصب رئيس وزراء بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، هي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي أي إيه» التي بدورها حصلت عليها مع صور منصات إطلاق صواريخ باليستية وغير بالستية في غزة، من جهاز «الموساد» الإسرائيلي، وأترك للقارئ حرية الوصول إلى الاستنتاج الذي يريد.
وتحمل تصريحات علاوي عدة رسائل، الرسالة الأولى ربط حماس بالمحور الإيراني. الرسالة الثانية هي الترويج للمخابرات الإسرائيلية ويدها الطولى، بقوله إن «الاستخبارات الإسرائيلية، تراقب أنظمة الصواريخ البالستية الإيرانية، ليس فقط عبر الأقمار الصناعية، ولكن أيضًا مع أنظمة أرضية متقدمة للتصوير والمراقبة». والثالثة شخصية وهي التذكير بعلاقاته مع أجهزة المخابرات العالمية.
وأكتفي برد حركة حماس على هذه الاتهامات في تغريدة لأحد مسؤوليها قال فيها «إياد علاوي صمت دهرا ونطق عهرا، حينما قام بدور كومبارس فاشل يردد ما أملاه عليه مخرج صهيوني حول صواريخ حماس، الموجهة إلى الخليج». وتابع في تغريدة كتبها على موقع «تويتر» يقول مستغربا «ماذا أصاب أزلام العرب؟ أم أن الخبث كان راكدا فحركته رياح الفتنة، رحمة من الله بنا، ليميز الله الخبيث من الطيب». وختم مسؤول حماس تغريدته بالقول «نحن لا نوجه سلاحنا إلى صدرنا يا علاوي».
وأخيرا فإن ما يصدر عن هؤلاء بين الحين والآخر إنما الغرض منه تلطيخ تاريخ الشعب الفلسطيني، وتشويه نضالاته المتواصلة منذ أكثر من قرن، وإقرانه بالإرهاب كجزء من عملية دق الأسافين وشق الصفوف، والتفرقة حاولها من قبل العديد فلم يفلحوا، فحتى أسياد هؤلاء في البيت الأبيض منوا بهزيمة نكراء عندما حاولوا وسم حركة حماس وقياداتها بالإرهاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصوتت السعودية نفسها ضد مشروع القرار الأمريكي. فوسم حماس بالإرهاب إنما هو خطوة تمهيدية وأولى لوسم حركة الجهاد من بعدها والشعبية والديمقراطية، ولاحقا حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، أي مجمل النضال الفلسطيني وتاريخه. ولن يستبعد أن يسعى الإسرائيليون لدفع هؤلاء، لوسم أبو عمار بالإرهاب وكذلك أبو جهاد (خليل الوزير) الذي اغتالته إسرائيل في تونس عام 1988، وغيرهما.
واختتم بالقول لا نريد لمثل هذه الاكاذيب والمعلومات المزيفة أن يجري تداولها، وكأنها حقائق قائمة، ولا نريد أن نسمح بتكرار هذه المعلومات المزيفة، ليس خوفا ممن يبثونها ولكن خوفا على الأجيال الشابة الصاعدة، وخوفا من تلويث عقولهم، فتعريضهم لمثل هذه الأكاذيب وتكرارها بين الحين والآخر، وتعويد الاذان على سماعها، بدون رد عليها قد يجعل منها معلومات قابلة للتصديق، فلهذا وجب الرد.

علي الصالح

كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»