مؤشر الوطنية في المناهج التربوية الفلسطينية ليس للمساومة

بقلم: تيسير خالد

تناقلت وسائل الاعلام هذه الأيام عن وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي ، فيديريكا موغريني ، أن الاتحاد الأوروبي سيجري مراجعة للكتب المدرسية الفلسطينية الجديدة بعد ان اجرت احدى المنظمات غير الحكومية دراسة تقول بأن الكتب الفلسطينية أكثر تطرفًا مما كانت عليه في الماضي ، وتحرض على الكراهية وتعادي السلام مع إسرائيل .

موغريني ، التي كانت يسارية ومتعاطفة مع حركات التحرر الوطني في العالم ومنها حركة التحرر الوطني الفلسطينية ، أشارت للتأكيد على موضوعية وحيادية الموقف الاوروبي الى أن المراجعة ستجرى من قبل معهد أبحاث معترف به دوليا ومستقل ، بهدف البحث في احتمال وجود تحريض على العنف والكراهية ، وعدم تلبية معايير اليونسكو للسلام والتسامح في التعليم ، خاصة وأن التحريض على العنف لا يتوافق مع السير في الحل القائم على أساس الدولتين ، فضلا عن أنه يساعد على انعدام الثقة بين الشعوب على حد تعبيرها.

هنا نعيد الى ذاكرة الاوروبيين ما هو أهم من تلبية معايير اليونيسكو للسلام والتسامح ، وهي معايير يرحب بها الفلسطينيون ويدعون المجتمع الدولي للاضطلاع بدوره وممارسة الضغط على اسرائيل ودفعها الى احترامها في كل ما يتصل بحقوق الفلسطينيين ، بما في ذلك حقهم في التعليم في مدارس بنيت بأموال الاتحاد الاوروبي وقامت دولة اسرائيل بهدمها وتدميرها دون رادع .

ففي تموز من العام الماضي صادق الكنيست الإسرائيلي على " قانون القومية " الذي يكرس يهودية الدولة ويمنح اليهود وحدهم حق تقرير المصير في " إسرائيل " من النهر الى البحر وينظر الى الهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة لليهود فقط ويكرس العبرية وحدها باعتبارها لغة الدولة الرسمية وينزع عن اللغة العربية صفة اللغة الرسمية ويجعلها لغة لها مكانة خاصة كاللغة الروسية مثلا رغم ان المواطنين الفلسطينيين العرب يشكلون اكثر من 20 % من سكان الدولة . وباعتبار إسرائيل دولة يهودية ، فإن دورها وفقا لذلك القانون لا يقتصر على حدودها ولا ينحصر ضمن نطاقها الجغرافي فحسب ، بل يتجاوز ذلك وفق البند السادس الى الشتات للمحافظة على العلاقة بين الدولة وأبناء الشعب اليهودي من اجل المحافظة على الميراث الثقافي والتاريخي والديني اليهودي لدى يهود الشتات

لم يكترث الاوروبيون وغبر الاوروبيين بأن القانون تمييزي ينكر على الفلسطينيين حق تقرير المصير في بلادهم ويحوّل إسرائيل إلى دولة تمييز عنصري وغاب عنهم البعد الأهم للقانون ، الذي تقصده حكومة الاحتلال وهو العودة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى بداياته الأولى منذ وعد بلفور والتعامل مع الفلسطينيين كأفراد ينتمون إلى أقليات دينية ليس لهم أية حقوق قومية أو وطنية في بلادهم . وهو ما أكد عليه البند الأول للقانون العنصري ، الذي جاء يحرض ليس فقط على الكراهية بل وعلى انكار حقوق الفلسطينيين ويؤبن الى غير رجعة ما يسمى حل الدولتين ويكمل ما كان ناقصاً في وثيقة إعلان الدولة التي صاغها بشكل أساسي ديفيد بن غوريون .

يبدو أن المسألة قيد البحث هنا لا علاقة لها بمعايير اليونيسكو او غيرها من مؤسسات الامم المتحدة ذات الصلة بالأمن والسلم والديمقراطية والعدل والعدالة والتسامح ونبذ الكراهية والتحريض ، بقدر ما لها علاقة بمؤشر الوطنية في المناهج التربوية الفلسطينية ، الذي بات مزعجا الى هذا الحد للدوائر الحاكمة في اسرائيل والولايات المتحدة . وهي دوائر تريد من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة أن يقفوا في طوابير الصباح المدرسية ينشدون ( هاتيكفا ) وأن يحمدوا ربهم في الوقت نفسه بأن دولة اسرائيل لم تقم في العام 1967 بتدمير بلداتهم وقراهم ومخيماتهم وتهجير سكان مدنهم كما فعلت في العام 1948 قبل واحد وسبعين عاما وأنهم ما زالوا يعيشون في ( أرض اسرائيل ) في ( يهودا والسامرة ) على وجه التحديد . فإسرائيل ومعها الادارة الاميركية تصر على محو ذاكرة الفلسطينيين في كل ما يتصل بتاريخ وجغرافيا بلدهم وبتراثها الثقافي وموروثها الحضاري ، وهو هدف تسعى له حكومة اسرائيل ، فبين النهر والبحر لا مكان ولا تاريخ لغير اليهود في اسرائيل كما في الشتات .

دعونا أيها الاصدقاء الاوروبيون من الانشغال بأعمال الابتزاز ، التي تمارسها بدعم من واشنطن حكومة اسرائيل ففي ذلك مضيعة للوقت والأخطر استخدام اسرائيل لمنابر دولية في خدمة سياسة شيطنة اعتادت عليها في التعامل مع اعدائها وخصومها . فأطفال فلسطين وطلاب المدارس فيها لم يكتبوا يوما على قذائف مدفعيتهم المتواضعة او صواريخهم محلية الصنع رسائل تحض على العنف والكراهية مثلما فعل طلاب المدارس اليهودية في اسرائيل ، الذين حلوا في اكثر من مناسبة ضيوفا على قوات الاحتلال ودونوا من العبارات والرسائل والتوقيعات على قذائف المدفعية والدبابات والصواريخ المتطورة التي استخدمها الجنود الاسرائيليون في حروبهم على غزة ولبنان ما يعكس الكم الهائل من التحريض على العنف والكراهية . نحن لسنا بصدد تغيير اسم بلادنا أو التفكير بخفض منسوب مؤشر الوطنية في مناهج التربية الفلسطينية ، فقد كانت بلادنا تسمى فلسطين وصارت تسمى فلسطين كما قال شاعرنا الفلسطيني التقدمي الكبير محمود درويش .

بقلم/ تيسير خالد