العثور على الذات ... اغتيال الدونية (3)

بقلم: عدنان الصباح

العربي اذن مغيب عن واقعه الحقيقي منذ قبل بتحويل قوميته مع تحويل دينه فهو في حقيقة الامر تغير قسرا من الخارج وبقي كما هو من داخله دون القدرة على الافصاح او التعبير عن مشاعره الحقيقية ولذا تجد شتيمة العرب خارج الجزيرة العربية وألفاظ الكفر والكلمات النابية منتشرة فقط في خارج جزيرة العرب وقد تكون مظاهر الكراهية للذات المفروضة على الأنا واضحة وجلية في كل مناحي حياة المعربين " بفتح الراء " قسرا فالمعرب يعبر عن رفضه لعروبته ليس بالشتم والسب والتقليل من قيمتها فقط بل وبتعظيم غير العربي فكثيرا ما نعظم لغات الاخرين ومظاهر حياتهم بما في ذلك لغة مغمورة جدا ومحدثة جدا بعد ان مات لقرون هي اللغة العبرية تجد صدى لها اكثر اهتماما لدى الشباب الفلسطيني ويتم استخدام مفرداتها على نطاق واسع بل والتحدث بها علانية احيانا وبدون سبب وجيه ورغم قصر عمر هذه اللغة الحديث إلا ان هناك كلمات بات المواطن الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والساحل وحتى في الاراضي المحتلة عام 1967م يستخدم بعض الكلمات العبرية ويدافع عن ذلك بغياب البديل العربي وببساطة فهو تعلم الكلمة من خلال عدوه مع ان اللغة العبرية لا تدرس في مدارس الضفة الغربية وغزة والأخطر من ذلك ان الكثير من الفلسطينيين يكتبون اسمائهم بالعبرية على وسائل التواصل الاجتماعي.

العرب الاصليين في الجزيرة العربية يعتزون بلباسهم الوطني ويذهبون به الى كل بقاع الارض ولا يفعل ذلك ابدا المعربين في بلاد الشام ووادي النيل وما بين النهرين ودول المغرب العربي فلا وجود ابدا للباس العربي في حياتهم حتى في القديم ولا علاقة ابدا للهجات المحكية في تلك الجهات مع لهجات الخليج العربي ولا يستخدم ابناء الجزيرة والخليج الاسماء الغربية لا في حياتهم وأعمالهم ولا في اسماءهم وأسماء اولادهم وهذه مفارقة يجب اخذها بالحسبان بل ان بعض التعبيرات في الخطاب العربي بلدان المعربين لا وجود لها في الجزيرة والخليج فلا احد هناك يخاطب احدا بكلمة سيدي ولا بكلمة صاحب الجلالة فيسمى ملك السعودية بخادم الحرمين الشريفين ويسمى امير الامارات العربية الموحدة صاحب السمو ويبجل بكلمة طويل العمر وهي أقصى كلمة مديح ممكن وأيا كان الموقف من سياسات وتبعية تلك الدول الا انها الوحيدة في العالم العربي المتصالحة مع نفسها ثقافيا دون النظر الى مدى التقدم او التخلف برأي الاخرين لكن الزائر لتلك البلدان يستطيع ان يتأكد بسهولة فائقة ومن مشاهداته السطحية السريعة انه في دولة عربية بكل المقاييس وبالتأكيد فان ذلك لا يكفي لمواكبة تقدم العصر ومدى تسارع التطور في الحضارة الانسانية والعلاقة بهذا التطور والقدرة على استيعابه والاستفادة منه وهنا ياتي دور السياسة والتبعية التي عاشها ويعيشها العرب منذ القديم

في بلدان المعربين ينتشر الكذب حد عدم الخجل منه ولذا يفلسفون الكذب بتسميات مختلفة وفقط لدى المعربين كذب ابيض وكذب بريء وكذب غير مقصود والكذب ملح الرجال وقد لا يكون للكذب اسماء وألوان إلا عند أو المعربين ان جاز التعبير ولا يخجل المعرب من الكذب مع ان الاخلاق والقيم والمجتمع وفوق ذلك الدين الاسلامي يحضون على الصدق ويعتبرون الكذب أبشع الجرائم إلا ان حقيقة الامر خلاف ذلك على الاطلاق ولذا يسود الكذب في كل تفاصيل الحياة حد فلسفته والدفاع عنه فيكذب الحاكم والأب ويكذب المحكوم والابن فالحاكم يكذب ليحكم والمحكوم يكذب لينال رضا الحاكم وكذا في الاسرة ويتحدث الجميع عن مكانة المرأة ودورها وفي حقيقة الامر يتم التعامل معها بفوقية وتعالي في كل شيء الا في الكلام عنها بغيابها فالمرأة عورة في كل شيء وأفضل مكان لها هو بيتها وخدمة الرجل ايا كان هذا الرجل بدءا من الاب والزوج والابن وانتهاء بالحاكم.

المعرب " بفتح الراء " لا يحب العربي الذي آل اليه لأن العربي برأيه المستتر جرده من قوميته ودينه واجبره على اعتناق قومية ودين غيره الاقوى والمسيطر وهو – اي المعرب – غير قادر على كشف حقيقته وبالتالي سيواصل اعتقاده الكاذب بالعروبة التي يكرهها في سره ولا يستطيع الافصاح عن هذه الكراهية بعد كل هذه القرون والمتغيرات فلا بد والحال هذه ان يواصل كذبه الرسمي على نفسه والآخرين بتمجيد الذات الغريبة " المحدثة " هذه ومحاولة ربط كل الماضي بها وان لم يستطع فعل ذلك تجده يتنكر لهذا الماضي علنا ويمجده بسره ليقينه انه ينتمي اليه في حقيقة امره ولذا فقط لدى العرب تسود ظاهرة التحسر على الماضي والماضي هنا في حقيقة الامر ليس ماضي عروبته بل الماضي الذي اجبر على مغادرته بهذا الشكل او ذاك.

المسلم الماليزي والتركي والاندونيسي والإيراني تمكن من تحقيق انجازات كبيرة على الصعيد القومي لأنه ببساطة حافظ على انتماءه لأناه كما هي وفقط انتقل بإيمانه الديني الى الاسلام دون ان يخجل او يقطع علاقته قسرا بتاريخه البعيد ودون ان يتنكر لهذا التاريخ وهو ما فعله من تنازلوا عن قومياتهم لصالح قومية الدين وساووا قسرا بين العروبة والإسلام وبالتالي شكل المخزون الحضاري لقومياتهم مادة اثراء للإسلام ساهم في تطوير تلك الشعوب ونقلها الى الامام لتقف على مسافة مساوية لأمم الارض بشتى صنوف الحضارة وتعتبر اليوم دول مثل تركيا وإيران وماليزيا في مصاف الدول المهمة في العالم ولا يجري التعاطي مع هذه الدول بفوقية كما هو الامر مع حال الدول العربية ورغم ان حزبا اسلاميا متشددا يحكم تركيا إلا ان الحياة المدنية لم يتم الاقتراب منها بسوء وظلت الحريات العامة لمواطنيها مصانة بلا حدود وخصوصا الحريات الشخصية واستطاعت ماليزيا في فترة وجيزة من الزمن الانتقال من دولة فقيرة الى واحدة من الدول المانحة وعضو في نادي المانحين.

فقط في بلاد المعربين يجوز التحزب للغير كان يكون الانقسام قائم مثلا على الولاء لفرق رياضية مثل برشلونة او مدريد او ان هناك من يؤيد ايران ضد تركيا فيرفع علم ايران على سيارته او بيته او يفعل ذلك مع علم تركيا دون ان يهتم بعلم ويتصارع العرب على لعبة كرة قدم اسبانية ويخرج الناس في شوارع المدن الفلسطينية مثلا ليحتفلوا بكل مظاهر الاحتفال لفوز فريق اسباني على فريق آخر ويصل الامر حد التعصب للفرق الغريبة وتسمية الناس بأسماء الفرق التي يؤيدونها وباعتقادي ان لا احد من لاعبي او جمهور تلك الفرق يعنيه الامر بشيء على الاطلاق.

يعيش شبابنا العربي حالة من الاستلاب مقلقة بكل صورها فالمعرب لا يشعر ابدا بالاغتراب وهو ينتحل صورة الآخرين بلغته وملابسه وسلوكه وحتى في السعي للاقتران به والحصول على جنسيته والانتماء لقضاياه وبالتالي فان العرب وحدهم او المعربين دون أمم الأرض الأخرى من يتفاخرون بأبناء جلدتهم الذين طلقوا قومياتهم ووطنيتهم بالثلاث على الطريقة الإسلامية لصالح قوميات اخرى ثم حققوا نجاحات هناك والأغرب ان العربي المتنازل عن هويته او جنسيته يبدأ بالمفاخرة بانتمائه لقضايا العرب عن بعد وكأنه نصير لهذه القضايا لا ضحية على يد اعداءه وأعداء امته فيتباهى العربي أو المعرب بلغة الغير وثقافة الغير وتاريخ الغير وكذا بحصوله على جنسية الغير وتجده مبدع ومثابر وقادر على العطاء اكثر بكثير من عطائه لقومه وبلده او من قدرته على احتمال السعي للتغيير والانتقال بقومه خطوة الى الامام فيستسهل الانتقال الى قوميات اخرى ينتمي اليها بكل كيانه ويعطيها كل ما عنده ويمن على قومه بالذكرى وبعض المناصرة اللفظية

هناك من يعيد تاريخ بلاد الشام ومابين النهرين الى القبيلتين العربيتين الغساسنة والمناذرة متفاخرا بالنسب العربي لتك القبيلتين اللتان تعود جذورهما الى قبيلة واحدة هي قبيلة ازد اليمنية التي غادرت اليمن بحثا بعد انهيار سد مأرب وبمعنى اكثر وضوحا فان أزد تركت وطنها بحثا عن وطن جديد بدل ان تسعى لإعادة بناء الوطن وهي ثقافة حملتها اذرعها بعد ان انقسمت على حالها الى عديد القبائل ومنها الغساسنة والمناذرة والتي يتفاخر البعض من مؤرخينا او المدعين بانتسابهما الى العروبة لكن ما يحاول البعض تجاهله ان كلا القبيلتين عملتا كتابعتين لكل من الفرس والروم واقتتلتا دفاعا عن الفرس والروم فتبع المناذرة في العراق للفرس والغساسنة في بلاد الشام للروم بل وقاتلوا واقتتلوا نيابة عن الامبراطوريتين وبمعنى ادق كان الغساسنة والمناذرة وكلاء للإمبراطوريتين الغريبتين عن العرب والعروبة ومارست قبيلة أزد اليمنية المنقسمة على حالها الاقتتال لصالح الغرباء وقد يكون ذلك تكرارا للحقيقة المؤلمة التي نعيشها وهي مواصلة لما كان العرب قد بدءوه قبل الاسلام فانقسام قبيلتين عربيتين وخروجهما من الجزيرة العربية والاستيطان في بلاد الغرباء لم يكن على قاعدة الانتصار على الغير بل على قاعدة الاحتماء بالغير وبذا وصل العرب الفاتحين لبلاد الغير باسم الاسلام الى تسليم السلطات لغيرهم فغابت دولة الامويين لصالح العباسيين الذين سلموا سلطات الجيش للأتراك والدواوين للفرس فكانت اللغة التركية لغة الجيش واللغة الفارسية لغة الدواوين وتركت العربية كلغة للدين فقط وقد ذكر الكاتب السوري غسان الامام في صحيفة الشرق الاوسط العدد ( 14091 ) أن التاريخ القديم عرف " نوعا من الارتزاق. أو بالأحرى شكلا من أشكال " استئجار " الأقوى للأضعف, فقد قبل العرب المناذرة المرابطون على تخوم الصحراء العراقية حماية الدولة الساسانية (الفارسية) لهم في مقابل أن يكونوا حماة لحدودها الصحراوية المتطرفة, وقبل العرب الغساسنة حماية الإمبراطورية الرومانية لهم في مقابل أن يكونوا «جرس إنذار» ينبهها إلى خطرٍ ما يهددها مقبلٍ من الصحراء العربية. "

حروب العرب ضد العرب تاريخ عميق من الارتزاق والمرتزقة وحروب بالوكالة بما في ذلك ابشعها كانت حرب داعس والغبراء والتي دامت اربعة عقود بين عبس وذبيان اللتان تنتميان الى قبيلة واحدة هي غطفان وسبب الحرب ان قبيلة عبس سطت على قافلة حجاج للمناذرة كانت تحت حماية الذبيانيين وقد سبق واشرنا ان المناذرة انفسهم كانوا وكلاء الفرس ضد الروم وضد الغساسنة الذين كانوا وكلاء الروم ضد الفرس أي ان كلا القبيلتين المنتميتان ايضا لقبيلة واحدة اقتتلوا كوكلاء عن الغرباء وكذا حرب الفجار بين قبيلتي كنانة وقيس عيلان واستمرت 4 سنوات وكذا حروب الاوس والخزرج التي دامت 140 سنة وحرب البسوس بين تغلب وبني شيبان واستمرت 40 سنة ونشبت بسبب قتل كليب بن وائل لناقة البسوس وانتهت الحرب بقتل كليب نفسه ثأرا للناقة وكذا حرب بني قزوين وبني اصفهان والتي نشبت ثارا من زعيم بني قزوين لأخته وأخويه ضد بني اصفهان واستمرت هذه الحرب 77 سنة وطبعا الحديث عن الصراع والاقتتال بعد ظهور الاسلام فحديثه يطول وهو معروف وموثق بشكل جيد وهو صراع واقتتال لم يتوقف حتى عصرنا بدءا من معركة الجمل والصراع على الخلافة وانتهاء بمعارك القاعدة وداعش ومن لف لفهم وقد نفل العرب المسلمين صراعهم حتى الى اوروبا وتمثل ظاهرة ملوك الطوائف ال 22 في اسبانيا والاستعانة بالأجنبي على العربي ابشع مظاهر الاستقواء بالغريب وكذا مر تاريخ الاقتتال الاسلامي الاسلامي بأحداث مرعبة منها مقتل الحسين بن علي على يد الامويين في ما سمي بمعركة كربلاء او مكيدة كربلاء برأي من رأوها حربا غير متكافئة وكانت حرب عبد الملك ابن مروان على الزبير الذي قتله الحجاج في مكة بأمر من الخليفة بن مروان وتابع الحجاج مجازره بإخماد ثورة ابن الاشعث في البصرة ويذكر التاريخ مجازر ابو مسلم الخراساني الذي اسس لقيام الدولة العباسية والتي كان اول خلفائها أبو العباس السفاح ويكفي الاسم لندرك امام أي خليفة كنا في تلك المرحلة ونحن نقتتل على السلطة ونهدم دولة قائمة لنبني دولة أخرى بحيث يتم القطع الكلي والبدء من جديد فتنتقل العاصمة الاموية دمشق الى الكوفة ثم الى الأنبار ثم الى بغداد ثم الى سامراء ثم اعيدت الى بغداد.

حالة عدم الاستقرار والتي جاءت كنتيجة حتمية للصراع المتواصل على السلطة بين الاطراف العرب خارج بلادهم فلا هم جعلوا من الجزيرة مركزا دائما لبلادهم ولا حتى بقوا فيها بل انتقلوا كعادة البدو الرحل من بلد الى بلد ومن عاصمة الى عاصمة ومن حكم الى حكم حتى ضيعوا حكمهم وأطلقوا العنان لكل قوميات الارض لتأخذ منهم حقهم بالحكم كأصحاب دعوة وحملة رسالة فانشغلوا بالحكم بعيدا عن الحياة وصار الاحتفاظ بالحكم اهم من رسالتهم وغاب عنهم كليا هدف التقدم والبناء والحضارة وسيطر الخوف على كرسي الحكم بدل الاهتمام بالحكم نفسه ولذا كان الانتقال قسرا من حكم الدولة الراشدة الى حكم الدولة الاموية ليس بأدوات الحكم فقط بل وبمكان الحكم وبدل ان تواصل مكة والمدينة دورها في التطور كمصدر اشعاع ثقافي وفكري وحضاري على قاعدة انها صاحبة الرسالة السماوية تركت تلك المدينتان بل وجرى محاربتهما ومحاربة اهلهما لمنعهما من التفكير والسعي للحصول على احقية الخلافة " الحكم " ثم انتقلت الى الدولة العباسية التي فرطت في نهايتها بحكم العرب وجرى توزيع الارض والحكم بين دول وممالك لا علاقة لها بالعرب والعروبة وحكم غير العربي باسم العربي واختلط الحابل بالنابل ولم تدم دولة العرب زمنا يكفي لصناعة حضارة حقيقية وقد تكون الخلافة العثمانية هي اطول فترة حكم في التاريخ الاسلامي طالت الارض والشعوب العربية حتى وصلت حد محاولات التتريك من قبل الدولة العثمانية التي انتمت لقوميتها التركية قبل أي شيء مما جعل العرب يواصلون تخلفهم وتبعيتهم الى يومنا هذا فلا زال هناك من يعتقد بأحقية الدولة التركية بالعودة لحكم العالم العربي باسم الخلافة العثمانية.

بقلم/ عدنان الصباح