تحدثنا في الجزئين السابقين .. عن فساد وطغيان بني إسرائيل .. من لحظة تآمرهم على قتل أخيهم الصغير يوسف .. في عهد أبيهم يعقوب ( إسرائيل ) عليهما السلام .. وعنادهم وكفرهم .. في عهد موسى وعيسى بن مريم عليهما السلام .. وتآمرهم لقتل الأخير .. ثم نقضهم العهود والمواثيق .. في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .. وتآمرهم أيضا لقتله !!!
وفي هذا الجزء الثالث .. نسلط الأضواء على علوهم وبغيهم وطغيانهم .. في العصر الحديث ..
من المعروف تاريخيا .. وكما حدثنا عنهم رب العالمين .. أنه قد فرض عليهم الذلة والمسكنة والشقاء .. والتعاسة والشتات ..
( ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ ) آل عمران 112 ..
هذه الآية .. إضافة إلى آيات كثيرة مشابهة لها .. تُبدي لنا معالم مضيئة .. وواضحة عن الطبيعة النفسية والواقعية ليهود .. عبر التاريخ .. منذ نشأتهم وإلى يومنا هذا ..
وهي ..
أن الذل والهوان .. والصَغَار والتشريد .. والتشتيت .. كان يلاحقهم طوال حياتهم .. إلا في فترات قليلة .. حينما كان يظهر منهم جيل صالح .. تائب منيب إلى الله .. ويتوقفون عن الفساد والطغيان .. ويعملون الصالحات ..
وقد ورد في تفسير الطبري ما يلي :
( عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: < ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ > قَالَ: أَذَلَّهُمُ اللَّهُ فَلَا مَنْعَةَ لَهُمْ، وَجَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا “الْحَبْلُ “ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّهُ السَّبَبُ الَّذِي يَأْمَنُونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى أَمْوَالِهِمْ وَذَرَّارِيهِمْ، مِنْ عَهْدٍ وَأَمَانٍ تَقَدَّمُ لَهُمْ عَقْدُهُ قَبْلَ أَنْ يُثْقَفُوا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ. كَمَا:
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}، يَقُولُ: إِلَّا بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ وَعَهِدَ مِنَ النَّاسِ. )..
بناء على هذا التقرير الإلهي .. القاطع الثابت الحاسم .. نقول ما لم يقله المفسرون الأولون والآخرون :
إن علو يهود الأن .. وسيطرتهم على العالم بكل المجالات السياسية والإقتصادية والعلمية .. لم يحصل مصادفة ولا عشوائيا .. ولا لذكاء ومهارة ونبوغ عقلي عندهم .. متميز عن البشر !!!
لأنه لم يُعرف عنهم في تاريخهم الطويل .. إلا الغباء والحماقة .. وخفة العقل .. وسطحية االتفكير .. مع خبث الطوية .. والمكر السيئ بالآخرين .. والكيد لهم !!!
فالذين يعبدون العجل .. ويطلبون من موسى عليه السلام .. أن يجعل لهم آلهة من أوثان .. مماثلة للآلهة التي كان الأقوام الآخرون .. يعكفون على عبادتها !!!
( وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ ) .. الأعراف 138
ويجادلونه ببلاهة وبلادة .. في أوصاف البقرة التي أمرهم بذبحها .. ويتهمون الله سبحانه بالفقر .. ويطلبون رؤيته !!!
فهؤلاء قوم لا يعقلون ولا يفهمون .. ولا يتفكرون .. وجاهلون .. ولا يُنتظر منهم القيام بأي عمل ابداعي .. أو بناء مدنية أو حضارة !!!
ولم يُعرف .. ولم يظهر منهم .. طوال تاريخهم المديد .. حتى القرن التاسع عشر .. أي عالم أو مخترع !!!
إذن ما السر .. في أنهم فجأة في القرنين الأخيرين .. بدأ يظهر منهم علماء ومخترعون كثر .. وتصبح دويلتهم الصغيرة الناشئة .. الغاصبة المحتلة .. من أقوى دول العالم .. ماليا وعسكريا وصناعيا وعلميا .. وأخذوا يسيطرون على العالم .. في كل المجالات .. ويهيمنون على القرار الدولي ؟؟؟!!!
الجواب واضح وظاهر كالشمس في رابعة النهار .. في قول الله تعالى (إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ ).
إنه الله العزيز الحكيم .. هو الذي قرر وقضى .. في الوقت المعلوم المحدد الآن .. أن يدعم بني إسرائيل .. ويمدهم بالقوة العقلية والعلمية .. والإبداعية والمالية .. ويُسخر لهم البشر جميعا على وجه الأرض .. لخدمتهم ودعمهم ومناصرتهم !!!
ولكن لماذا يدعمهم الله وهم أعداؤه .. والكافرون به .. وقتلة أنبيائه .. وقد حل غضبه وسخطه عليهم .. منذ أمد بعيد ؟؟؟!!!
إنه نفس الدعم .. الذي دعم به إبليس .. الذي رفض الانصياع لأمر الله .. بالسجود لآدم ..
ومع ذلك .. سمح له بالتسلط على البشر .. بالوسوسة وتزيين الأعمال السيئة !!!
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ﴿٣٦﴾ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ﴿٣٧﴾ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ ﴿٣٨﴾ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ﴿٣٩﴾ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ ﴿٤٠﴾ الحجر.
إنه تدبير إلهي محكم مرتب ومقدر .. لا يعقله إلا العالمون ..
إنه يريد أن يكون يهود في هذا الوقت المعلوم .. مقدمة للمسيح الدجال .. الذي سيكون ظهوره هو العلامة الأولى الكبرى ليوم القيامة ..
إن علو يهود اليوم .. وطغيانهم وامتلاكهم لقوة خارقة استثنائية .. وسيطرتهم على مفاصل دول العالم أجمع .. وهيمنتهم على القرارات الدولية .. وجعل القوى الكبرى في العالم .. تخضع وتركع لهم ..
مشابه تماما .. لما سيمتلكه المسيح الدجال القادم .. من قوى خارقة أكثر .. وأكبر !!!
كقدرته على إحياء الموتى الذين يقتلهم .. وإنزال المطر وإنبات الزرع .. وجريان أنهار من العسل معه .. وكل هذا بأمر من الله وإذن منه .. لفتنة الناس .. واختبار إيمانهم ..
إنهم المسيح الدجال الأصغر ..
وقد ورد في مسند الإمام أحمد عن صفات المسيح الدجال :
( أُنْذِرُكُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ وَهُوَ رَجُلٌ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ أَظُنُّهُ قَالَ الْيُسْرَى يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا مَعَهُ جِبَالُ خُبْزٍ وَأَنْهَارُ مَاءٍ يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ كُلَّ مَنْهَلٍ لَا يَأْتِي أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ فَذَكَرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَالْمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَالطُّورَ وَالْمَدِينَةَ غَيْرَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ) .. صحيح الإسناد ..
إنه الاختبار والتمييز والتمحيص .. ليظهر الناس على حقيقتهم ..
إما مؤمنون صادقون .. يكفرون بهذا السلطان اليهودي الزائف .. ويصرون على محاربته .. وعلى رفض وجوده في الأرض المقدسة .. مهما كانت الضغوطات والمغريات ..
وإما منافقون كاذبون .. آبقون مستسلمون .. منهزمون خاضعون .. لبهرجة وانتفاش الباطل اليهودي !!!
ولكن السؤال الأهم والأخطر هو :
هل يمكن إسقاط الهيمنة اليهودية على العالم .. وتفتيتها وتمزيقها ؟
وما السبيل إلى كسر .. وتحطيم هذا الجبروت اليهودي .. المتسلط على العالم أجمع ؟
نعم .. نقول بكل صدق ويقين كامل .. وبدون زرع أوهام وتمنيات .. وأمنيات في نفوس الناس :
في ميزان الإيمان بالله وحده .. والولاء الخالص له وحده .. دون إشراك العبيد في الولاء معه .. والاعتماد عليه وحده .. والدينونة الكاملة له وحده ..
أمر إزالة هذه الدويلة اليهودية وتحطيمها .. سهل ويسير ..
إنه يحتاج إلى إنشاء جماعة مؤمنة .. خالصة التوحيد .. تتصف بالصفات الآنفة الذكر ..
تبث في الناس روح الإيمان .. وتربي جيلا مؤمنا صالحا .. كما تربى جيل الصحابة على الولاء الخالص الصادق لله وحده ..
وعدم الولاء .. ولا التعامل مع الطاغوت الإيراني الرافضي .. ولو أعطى كنوزه كلها !!!
فهو العدو اللدود للمؤمنين بعد اليهود .. وهو نتاج اليهود .. والصديق الودود لليهود ..
فمن يواليهم ويتعامل معهم .. إنما يوالي اليهود .. وهذا شرك في الولاء .. لا يقبله الله تعالى ..
ومن يفعله ليس من المؤمنين .. ولا يؤذي اليهود .. ولا يعمل على إزالتهم !!!
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ ).. المائدة 55
( وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ) النور 47
فكيف يقوم صديق .. بقتل صديقه .. ودعم من يقتل صديقه ؟!
وكل ما يظهر من معارك جانبية .. في الأرض المحتلة .. ليست إلا مسرحيات هزلية .. يصطنعها اليهود .. كما اصطنعوا معارك تمثيلية مع حزب الشيطان .. لخداع ذراري المسلمين .. وإبقائهم في غفتلتهم وجهالتهم .. وتحت السيطرة اليهودية الرافضية ..
كي يستمروا في الولاء لأعداء الله .. وتترسخ أقدامهم أكثر في الأرض .. ويتأخر زمن إخراجهم .. والانتصار عليهم ..
الثلاثاء 16 رمضان 1440
21 أيار 2019
بقلم/ موفق السباعي