لعبة إيران في جر الحبال النووية إلى أين؟

بقلم: عبد الكاظم العبودي

لسنا بحاجة إلى الإشارة إلى تكرار وضع الروابط الالكترونية العديدة إلى كل مقالاتنا السابقة وكتابنا الالكتروني http://anyflip.com/rnvg/efbt/basic   وقد نشرنا عن هذا الموضوع منذ أكثر من عقدين يمكن أن يجدها القراء الأفاضل على محركات البحث الالكترونية .

 وعودة إلى مشاهد لعبة جر الحبال النووية الممارسة ما بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة في واشنطن ونظيرها النظام الإيراني الحاكم في طهران ونحن نشهد المشهد الدرامي وربما الأخير منها. وطالما ان حقائق  الملف النووي الإيراني لم تنشر كاملة بعد، بسبب تكتم أطراف دولية عديدة عليها، وخاصة الولايات المتحدة وجمهورية روسيا الاتحادية، وما التحق بهما من دول أوربية والصين ووصولهما الى تسوية كانت مؤقتة فرضتها ظروف احتياجات إيران إلى استرجاع  المليارات من الدولارات  من جزء من أموالها الكثيرة التي كانت مجمدة في البنوك الدولية والأمريكية خاصة بفعل بقرارات دولية وتوقيعها في صفقة من الرئيس الأمريكي السابق اوباما و بما يسمى الاتفاق النووي الإيراني في عهد الرئيس الأمريكي السابق اوباما.

ولقد اشرنا في مقالتنا المفصلة السابقة المنشورة على عدة مواقع الكترونية بخمسة حلقات وجمعت في كتيب الكتروني تجدون رابطه أعلاه والمعنونة: [ البرنامج النووي الإيراني من مرحلة الاحتواء والتحجيم إلى حالة النزع بالقوة وفرض العقوبات الأمريكية إبعاده وأخطاره الإستراتيجية على الأمن القومي العربي /  وهي دراسة علمية كتبت في خمسة حلقات أعدها ا.د. عبد الكاظم العبودي]  وهذه بعض من روابطها:

https://www.dhiqar.net/Art.php¡id=53113

 

https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/469759.html

أشرنا فيها إلى أن مسار الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب باتخاذه قرارا  بعيدا عن سابقه اوباما وقراره منذ حملته الانتخابية قبل عامين على محاولة الاحتواء النووي الكلي لإيران ومنعها من تطوير ترسانتها النووية. ويذهب ترامب في خطته إلى ابعد من ذلك، نحو تصفية المشروع النووي العسكري الإيراني الطموح بسبب زيادة التوسع الإقليمي والعسكري للنفوذ الإيراني، بوصول نظام طهران إلى حالة  توسعية  أكبر ، من النفوذ والسيطرة على أربعة عواصم عربية تباعا، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهناك ساحات شرق أوسطية وآسيوية أخرى مرشحة للسقوط بسبب امتداد وتطاول الأذرع العسكرية والأمنية الإيرانية، وخاصة في بلدان الخليج العربي، مما سيهدد المصالح الإقليمية والدولية بظهور قوة إمبراطورية جديدة- قديمة  في الشرق الأوسط،  تتسلح بالنووي والصواريخ الباليستية، مختلفة الإبعاد والطاقات والحوم والأغراض عبر المسافات القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى؛ مما يهدد، حسب فهم الرئيس الأمريكي ترامب، كل المصالح الأمريكية والغربية في مناطق إنتاج ونقل وشرايين الطاقة النفطية والغازية في العالم.

في نظرنا إن قيادة الولايات المتحدة الحالية التي استشرفت غايات وأهداف التطلع الإيراني للسيطرة على المنطقة دفعها إلى العودة إلى متابعة ودراسة منطلق ومكمن القوة الإيرانية الصاعدة، ألا وهو امتلاك القوة النووية، وأسلحة نقلها في الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي زادت عددا وعدة وتوزيعا وقوة وانتقالا عبر أذرعها الإقليمية في كامل بلدان الشرق الأوسط وشرق إفريقيا وبعض من أقطار آسيا،  فكان لابد للأمريكيين أن يتحركوا وان يتعكزوا أولا بقرار ترامب القاضي إلغاء الاتفاق الأمريكي الإيراني وانسحاب الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي مع إيران، وإجبار إيران على التفاوض، بالعودة إلى نقطة الصفر، دون الاعتراف المسبق لدونالد ترامب [رغم علمه بان إيران تعتبر العضو الثامن أو التاسع في نادي الدول النووية] .

ونظرا لعدم التثبت الرسمي من دول الغرب بإقرار معلن بأي اعتراف إيراني بامتلاك إيران السلاح النووي، فقد استغل الغرب هذا الموضوع بذكاء رغم الدهاء الإيراني الذي كان يلتزم الإنكار التام عن ما يملك من قدرات نووية ، وخاصة الوقود النووي الجاهز والعالي التخصيب الذي تم تهريبه إلى إيران عبر طرق المافيا والأذرع المتعاونة مع إيران في بعض جمهوريات أسيا الوسطى السوفيتية السابقة، ولكن الغرب عبر عن قلقه خلال المفاوضات مع إيران عبر اتهام إيران بالسعي نحو تطوير أسلحتها النووية، وإنها تمادت في خرق الاتفاق  مرارا، وخلافا  لما اتفق عليه،  مما يجعل مصداقية الإيرانيين أمام تلك الدول الموقعة على ذلك الاتفاق في موقع الحرج مرارا، وغالبا  ما تم جر إيران تدريجيا للقبول في مراجعة تلك الشروط المنصوص عليها، وصولا إلى خطة نزع ما يتوفر بيديها من سلاح نووي مفترض، حتى من دون  الإعلان عن امتلاكه رسميا،  وهذا ما تسعى إليه حكومة الولايات المتحدة الحالية من فرض شروطها على إيران ( كدولة نووية غير معلنة رسميا) ، ومنعها ، استباقيا ، من التهديد بهذا السلاح ولفرض شروط لصالحها عبر العلاقات الدول المتشابكة في هذه المنطقة من العالم.

وفي تصريحاته 18/5/2019  حرص ظريف وزير الخارجية الإيراني كعادته، على التذكير بالتزامات ايران وحث اللجنة المشتركة في الاتفاق النووي على الوفاء بتعهداتها. وقال: ( إن المجتمع الدولي أعرب عن دعمه للاتفاق النووي، لكن أغلب الدعم كان على شاكلة بيانات وإعلان مواقف سياسية). وقال: (  إن بلاده تريد خطوات عملية اقتصادية لكي يستفيد الإيرانيون من الاتفاق النووي). وهو بذلك يفصح الوزير ظريف  ويعبر ويعترف ضمنيا،  عن أسباب ومبررات التوقيع على ذلك الاتفاق، لكي يطلق الغرب والولايات المتحدة الأموال والأرصدة الإيرانية المجمدة في بنوك الغرب، الأمريكية خاصة.

وقعت إيران على ، قاعدة فتاوى التورية الشيعية،وأفتت بعدم التسلح النووي شرعيا،   رغم أنها كانت قد حسمت أمرها للوصول إلى امتلاك التسلح النووي ، كما تشير بعض الدلائل والتسريبات الإعلامية من أنها جربته في تجارب محدودة على أراضي الغير أو على أراضيها في تجارب نووية باطنية  تمت تحت الأرض، مستفيدة من المسار النووي الإسرائيلي حيث لم تعلن دولة الكيان الصهيوني حتى اليوم رسميا بأنها دولة نووية وهي تمتلك مئات الرؤوس النووية .

وبتوسعها الإقليمي في دول الشرق الأوسط ونفوذها المعلن رسميا تورطت إيران بإضافة ثلاث ملفات سياسية ناجمة عن امتدادها الاستراتيجي في أربعة دول عربية إضافة إلى تورطها وانغماسها في رعاية امتدادات منظمات ومليشيات إرهابية مسلحة تنشط خارج حدودها بقيادة حرسها الثوري، وفيلق القدس، وكلها تعتبر منظمات موصوفة بالإرهاب، كمليشيات حزب الله بلبنان، وفيالق بدر وسرايا السلام والعصائب وحزب الله العراقي في العراق وما تواجد من مليشياتها  في سوريا وتمكين مليشيات أنصار الله من الحوثيين من الاستيلاء على اليمن.

وهكذا تأزمت الملفات الإيرانية لتجد حكومة طهران أنها ستتفاوض مع الولايات المتحدة حول خمسة ملفات، أربعة منها سياسية وخامسها ،وهو الأهم استراتيجيا، الملف النووي والصواريخ الإستراتيجية، رغم أنها تتفاوت في حجومها نسبة إلى أهميتها الثانوية ببعض الملفات فيها، ومنها القابلة للمساومات، وخاصة من جانب النظام الإيراني.

 سبق للمرشد الإيراني علي خامنئي إن طالب في العام الماضي ( بالعمل على رفع تخصيب اليورانيوم عبر تعزيز قدرات أجهزة الطرد المركزي ورفع سرعة التخصيب نحو 190 ألف "وحدة فصل".). وتطلق " وحدة الفصل" على حركة أجهزة الطرد المركزي. ويتعين على إيران الحصول على أجهزة طرد مركزي تفوق قوتها 30 ضعفاً أجهزة الطرد المركزي الـ  5060 من الجيل الأول، والتي ينص عليها الاتفاق النووي.  وفي 15/5/2019  الجاري أعلن خامنئي (عن نية إيران رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ما بعد 20 بالمائة) واستخف بقوله الأمريكيين وغيرهم :  ( إن رفع هذه النسبة لما هو أعلى ليس بالأمر الصعب) . وخلال نفس الفترة هددت إيران بخطوات أخرى في ما يتعلق بمدى التزاماتها في الاتفاق النووي ؛ إن لم تقدم الدول الأوربية تعويضات مالية لإيران، تعويضا عن خسائر إيران الناجمة عن المقاطعة الاقتصادية الأمريكية .

وفي تحد واضح للغرب بالأمس في20مايس 2019،، أعلنت إيران عبر بيان صادر عن المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، أمس رسمياً ( زيادة سرعة تخصيب اليورانيوم في " منشأة ناتانز"   نحو 4 أضعاف) ، ذلك ما يقربها من تخطي مخزون تخصيب اليورانيوم من سقف الاتفاق النووي في غضون أسابيع. ذلك ما أشار اليه المتحدث في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية " كمالوندي" ( إلى أن الوصول إلى 190 ألف وحدة فصل بات في متناول يد الإيرانيين)

لقد سبق أن وافقت إيران في الاتفاق النووي على ألا يتخطى مخزون اليورانيوم 300 كيلوغرام، لكن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أصدر قراراً في 8 مايس / أيار2019  الحالي [  بوقف العمل بتعهدين في الاتفاق النووي يتعلقان بمخزون اليورانيوم ومخزون المياه الثقيلة التي تنتج في منشأة " آراك " ] وهكذا وخلال اقل من أسبوع صاخب بالأحداث الأمنية والتفجيرات في موانئ الخليج العربي والعراق تعلن إيران عن قرارات نووية لتشغل العالم حيث ( توقف طهران رسمياً عن بعض الالتزامات لها بموجب الاتفاق النووي، والذي يسمح لإيران بإنتاج 300 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب ، ونقل الكميات الزائدة إلى خارج البلاد للتخزين أو البيع) .

 وفي الأسبوع الماضي لوحت إيران بإمكانية رفع الالتزام بتوقيف انتاج الماء الثقيل الواعد وبا نتاج 130 طن من الماء الثقيل، وما يعرف عن امكانيات مفاعلاتها ومعاملها في "منشأة ناتانز" في عزل واستخلاص البلوتونيوم، بكميات كافية، إن اقتضى الأمر عند الخضوع لقضية تخفيض نسب اليورانيوم المخصب وحتى كمياته.

الموقف الإيراني المتخبط نوويا وسياسيا وامنيا مغلف بنفس لغة المكابرة الزائفة في الخطاب الدبلوماسي الذي بات معروفا للجميع، المتسم وبتشنج الردود اللفظية على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محاولا كل ما يوحي بالثقة بالنفس؛ خصوصا أن مثل هذه الكوابيس الثقيلة التي تعيشها القيادة الإيرانية تدفعها إلى بعض المغامرات الصبيانية، عن طريق اذرعها المليشياوية، التي تهدد هنا وهناك بضرب المصالح الأمريكية المتواجدة بمحيطها.

 وتزداد خشية إيران من تطور موقف بقية دول الناتو الذي بدأ يعبر عن نفسه بإمكانية إعادة ملف إيران النووي، والاتفاق حوله من جديد ضمن كواليس هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي؛ خصوصا أن الكونغرس الأمريكي بدأ مداولاته اليوم حول الملف الإيراني والعلاقة والموقف من إيران . وبإعلان إيران بالأمس عن تعليق التزاماتها عن عدد من النقاط التي كانت قد تعهدت بها ضمن الاتفاق،  وتجاوزت الحد المقرر المنصوص عليه في الاتفاق النووي 2015 حينها وافقت إيران في الاتفاق النووي على ألا يتخطى مخزون اليورانيوم لديها  300 كيلوغرام، لكن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أصدر قراراً في 8 مايو / ايار  2019 الجاري بوقف العمل بتعهدين في الاتفاق النووي يتعلقان بمخزون اليورانيوم ومخزون المياه الثقيلة التي تنتج في منشأة " آراك" .  سيكون ذلك مبررا لاصطفاف دول الاتحاد الأوربي،  بما فيها بريطانيا، الخارجة عن الاتحاد الأوربي حاليا،  بجانب الولايات المتحدة دبلوماسيا وسياسيا وحتى عسكريا،  وهو موقف يتبلور يوما بعد يوم، تراقبه وستلتحق به دول أخرى، مثل الصين وروسيا، بحجة ستكون مبررة لديها، يتجسد في نقض إيران للاتفاق النووي المحدد لها ؛ وهو ما تعمل عليه آليات الضغط الأمريكي بمكوناته الاقتصادية والدبلوماسية، وباستعراض القوة الغاشمة أمام وبجوار المياه والأقاليم الجغرافية المحيطة بإيران من كل جانب؟

 إن ما جرى من ألاعيب إيرانية كشفت عن عدم مصداقية النظام الإيراني وميكافيليته الفجة في عدم الالتزام بما تعهد به في الاتفاق النووي مع الدول من مجموعة  5 +1 [  بالإنجليزية P5+1 : هي مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا، والتي تتولى المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي. بدأت المجموعة عملها في عام 2006  ولا تزال مستمرة حتى اليوم.   ] .

وفي سابقة للحد من محاولات انتاج البلوتونيوم التي قضت بغلق الأنابيب الخاصة في مفاعل "اراك " الإيراني بالاسمنت المسلح ، هذا المفاعل الحراري يعمل بطاقة 40 ميغاواط، ويستعمل الماء الثقيل وهو مهيأ لإنتاج البلوتونيوم عالي الانشطار، ويتوقع له انتاج ما يقدر بـ  50 كيلوغرام بلوتونيوم،  وهو ما يكفي لتفجير 6 قنابل نووية،  بسعة طاقة انفجار قنبلة هيروشيما. لكن النظام الإيراني في مخاتلته لفرق المراقبة والتفتيش لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية تلاعب مع الوقت، وقام برفع الأنابيب الأصلية وخزنها بعيدا عن المفتشين ، ووضع بدائلها أنابيب من البلاستيك العادية ، عبئها بالاسمنت للتمويه والخداع.

إن الوساطات الروسية تعتبر، كشاهد زور نووي، لا يمكنها سد الذرائع لحماية النظام الإيراني بإدراكها وعن يقين كامل: إن هذا النظام سبق أن سرق واستورد  عبر شبكاته في السوق السوداء وقود الصواريخ النووية السوفيتية المفككة وهربها إلى مخازن طهران، وهذا النظام جرب أكثر من تفجير نووي احدهم كان في أراضي كوريا الشمالية، عبر صفقات مالية، تمت بكراء موقع التفجيرات النووية الكورية السطحية، وعاد وجرب بأكثر من تفجير نووي باطني، محدود الطاقات، تم التستر عليه بإعلانات كاذبة تحكي عن زلازل أرضية اجتاحت غرب إيران، ووصلت إلى الامتداد الجغرافي العراقي في شرق العراق وصولا إلى وسطه وجنوبه وحتى غربه، مما أحرج أطرافا دولية عديدة،  ترى في عدم إفصاح النظام الإيراني عن مغامراته التفجيرية النووية، واكتفاءه بالتبجح بالنجاحات الصاروخية الباليستية، فان تلك الأطراف الدولية سوف تشارك الرئيس دونالد ترامب مخططه القاضي باحتواء وإنهاء المشروع النووي التسلحي لحكومة طهران، و بضرورة الضغط على حكومة طهران بإعادة التفتيش والمراقبة، وصولا إلى تحقيق هدف أساسي من الضغط على حكومة طهران، هو احتواء وتصفية المشروع النووي الإيراني ووضعه ضمن ضوابط سلمية مقابل إعطاء النظام الإيراني فرصة تفادي ضربة جوية وصاروخية  قاصمة ستؤدي لا محالة  إلى تدمير أهم هياكل المشاريع النووية الإيرانية ومفاعلاتها وتشل القدرات العسكرية والاقتصادية لإيران ، من مصانع ومحطات الطاقة والموانئ، أو الخضوع السلمي للشروط الأمريكية المحددة في 12 بند ، معلنة وواضحة.

إن دولا غربية وأسيوية عديدة تتفاوت مصالحها في الحرب على إيران، فهي ما بين ضرورة إجراء ضربة عسكرية أمريكية سريعة ومباغتة لإيران، وهي طامعة  بتشغيل  شركاتها مستقبلا  في صفقات إعادة الأعمار لإيران، كما  حدث في العراق، أو أنها جادة في تصفية القدرات النووية العسكرية الإيرانية وفق شروط الامم المتحدة وحفظا للسلم العالمي وحماية استقرار دول الشرق الأوسط،  وكشف ما تعهدت به إيران كذبا وبهتانا،  من أنها دولة ذات مشروع نووي سلمي واضح وشفاف، وهو خلاف كل الحقائق النووية وما تجهزه إيران الشر على الأرض الإيرانية وتحتها.  

  ومثل هذا الإعلان النووي الجديد لحكومة طهران والتهديد بإلغاء اتفاق 2015 يتم بشكل متزامن مع مشاغبات اذرع إيران الإرهابية في أحداث تفجيرات السفن في ميناء الفجيرة ومحطات ضخ البترول لشركة ارامكو في المملكة العربية السعودية وإطلاق صواريخ من اليمن تستهدف المدن السعودية ومنها مكة المكرمة نفسها وقصف السفارة الأمريكية  في بغداد،  كلها أفعال مريبة، تترافق أخبارها القادمة من  إيران وترديد أبواق حلفائها المحليين، مهمتها رفع المعنويات المنهارة، وهي للاستهلاك الإعلامي لا غير ، لا تزعج الولايات المتحدة ولا إسرائيل، لأنهما تعرفان، وكذلك روسيا ، الساكتة اليوم عن ما يجري، كلهم يعرفون،  كم هو المخزون الحقيقي من اليورانيوم وحتى البلوتونيوم الذي اشترته المافيات الإيرانية ووكلائها في القوقاز في سنوات التسعينيات بعد تفكك الاتحاد السوفيتي  وأوصلته المخابرات الإيرانية وأذرعها عبر شبكات التجارة السرية والتهريب إلى مفاعلات إيران ومراكزها النووية ، وما لعبة التلويح برفع نسب تركيز التخصيب لليورانيوم، فهي معروفة لدى خبراء الأمم المتحدة ومفتشي اللجنة الدولية للطاقة الذرية والدول المعنية التي تنظر بقلق تسارع طموحات إيران النووية.

إن من يعرف مسار الرئيس الإيراني حسن روحاني منذ توليه قيادة الأمن القومي الإيراني، وهو الذي سبق له ان تابع الملف النووي الإيراني عن كثب، ولكونه لا يختلف عن خامنئي وبقية وقيادات الحرس الثوري الإيراني المتشددة ، والتي تتحكم كليا بالأجهزة الأمنية المخابراتية والمراكز النووية داخل إيران وعلاقاتها خارجها ، فلا حديث منطقي هناك عن وجود صقور وحمائم في إيران ولاية الفقيه.

ذلك ما يدركه تماما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومساعدوه بومبيو وبولتون ووزير الدفاع والإدارة الجمهورية الحالية ، فالحرس الثوري هو الحاكم الفعلي للدولة العميقة وبيده ترسانة السلاح النووي والصواريخ الباليستية واستغلال الأذرع الإيرانية في دول المنطقة لاستغلالها عند الضرورة ولأجل الابتزاز وحتى المساومة،  حينما يتطلب التراجع الإيراني عن بعض طموحاته التي تواجه رفضا عربيا وعالميا.

عبر الملف النووي تحاول إيران تمديد فرص ممارسة لعبة جر الحبال النووية؛ كي يمتد زمن المساومات إلى فترة  أطول تقترب قدر الإمكان من فترة الانشغالات والحملات الأمريكية لترشيحات الانتخابات القادمة؛  لكن هذه اللعبة بخطورتها تحاول تجاهل مأساة الشعب الإيراني بعد أن أثرت عليه إجراءات العقوبات الأمريكية الاقتصادية  وأفقرت إلى حد الإملاق  شرائح اجتماعية كثيرة وواسعة يحاول الرئيس ترامب استعمالها كورقة ضغط قوية بيده،  ومنها التلويح بزعزعة النظام الإيراني اجتماعيا، وتغيير بنية الحكم، ضمن مخطط " صفقة القرن" ،  في ذات الوقت فالرئيس ترامب وإدارته لا يستعجل مشاغلة الأذرع الإيرانية ومليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن،  وستسعى الولايات المتحدة استخدام سياسة  الترهيب والترغيب معها أو إلى استغلال قوى محلية أخرى بمشاغلتها، يمكنها التصدي لما يسمى المد الشيعي والمذهبي الإيراني الذي تستغله حكومة إيران من خلال تسليح اذرعها، وهو ما يضيف على الميزانية الإيرانية أثقالا مالية باتت مكلفة جدا. فإيران مفككة داخليا ومعرضة للانقسام، وشعبها يحتاج الخبز والدواء همها البقاء على قيد الحياة وليس الحروب التي كثيرا ما غامر بهذا هذا النظام.

العيش بسلم وحياة كريمة يتقدم كمطلب لدى اغلب الشرائح الشعبية  المعدمة الإيرانية، والتي لا يهمها  امتلاك نظام طهران تلك الأسلحة النووية أو تصدير الصواريخ والثورة الزائفة والأموال إلى حلفاء وأنصار ولاية الفقيه وان 80 من الشعب الإيراني مستاء  حد القرف من نظامه السياسي، وينتظر منقذا آخر  له ، ولو على شكل عودة قادم  إيراني من باريس أو غيرها  من بلدان العالم ليغير ذلك النظام  الذي جاء به خميني يوما  بقدومه عبر لعبة دولية كي يتغير نظام الشاه بهلوي ويحل معه هذا النظام الكهنوتي الرجعي ألظلامي.

أما الحديث عن الوساطات السويسرية والعمانية، وما تلمح به روسيا أيضا من دور لها ، علها تسعى لدى الأوربيين لتمديد فترة لعبة جر الحبال النووية فهي فرص تتقلص نجاحاتها يوما بعد يوم، لان  حكومة إيران تحاول استغلال الوقت كي تكسب فترة 60 يوما أخرى، مستغلة إطلاق التصريحات النووية والتهديدات الفارغة، تارة بالعودة إلى لعبة رفع التخصيب بمفاعل آراك، حيث منحت الحكومة الإيرانية الدول الأوروبية 60 يوماً مهلة للحيلولة دون خطوات أخرى، ولوحت كما أسلفنا برفع نسبة التخصيب، ووقف إعادة هيكلة منشأة «آراك» ما لم تتجاوب أطراف الاتفاق النووي مع مطالبها الخاصة بالنفط والبنوك. 

وبتناقضات التصريحات النووية الإيرانية  يتجلى الارتباك بكامل أطقم النظام النووية والدبلوماسية والسياسية ، هاهو  المتحدث باسم الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، بهروز كمالوندي، يقول، نقلاً عن مدير منشأة «ناتانز» لتخصيب اليورانيوم في أصفهان، بأن الخطوة الإيرانية ( لا تعني زيادة نسبة نقاء التخصيب من 3.67 أو زيادة أجهزة الطرد المركزي أو تغيير فاعلية الأجهزة)،  مضيفا إن مخزون إيران سيتخطى 300 كغ في غضون أسابيع. ويخاطب أطراف الاتفاق النووي قائلاً: (لن يمر زمن طويل حتى نتجاوز سقف 300 كغ، لذلك من الأفضل اتخاذ الخطوات اللازمة في أقرب وقت ممكن)..



 

ورغم أن مثل تلك التصريحات النووية الإيرانية تبدو مستفزة للبعض من دول أطراف الاتفاق النووي مع إيران؛ إلا أنها في واقع الحال، وفي الحقيقة، سوف لن تغير من واقع القرار الدولي القاضي بضرورة احتواء هذا المشروع برمته وتدارك أخطاره القريبة والبعيدة . وان بدا لإيران إن مثل هذا التمرد على الاتفاق النووي سيبتز مصالح دول الاتحاد الأوربي كألمانيا وفرنسا وحتى روسيا والصين ، لما لهذه الدول من استثمارات مع إيران وخشيتها من اندلاع الحرب بسبب تطورات إلغاء الملف النووي الذي يشغلها جدا لما سيضيف عليها التزامات اقتصادية صعبة في فترة حرجة يمر به الاقتصاد العلمي.

إن أوهام النظام الإيراني من الخلاص  مما ورط به نفسه ،سوف توقعه بمزيد من الانزلاق والمغامرة، بما فيها تلك اللحظة التي قد يعلن فيه نظام طهران عن امتلاكه للسلاح النووي، وقد يهدد به أطرافا معينة، وخاصة العرب والمسلمين من جيرانه، أما الولايات المتحدة والغرب فقد ضبطوا مواعيدهم ودقة إصابات أسلحتهم البعيدة المدى ورصدهم القريب والبعيد .

ليتذكر هذا النظام الأحمق في طهران ومرتزقته واذرعه إن هذا النظام  سيكون عاجزا كل العجز عن استخدام أي سلاح نووي أو كيمياوي أو جرثومي كما فعل في حلبجة وضواحي دمشق وحلب والعديد من مدن سوريا المستباحة،  و سيكون عاجزا عن حمل تلك الأسلحة بعيدا، برؤوس تحملها صواريخه أو تفجيرها بعيدا عن حدوده الإقليمية. وقد كشفت المعلومات النووية بآلاف الصور والوثائق التي قدمها نتانياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني إلى الأمم المتحدة، وعبر عنها بندوات خاصة في ملفات مثيرة ودقيقة نشرت عبر وسائط الإعلام عبر العالم، كشفت عن مدى اختراق إسرائيل والغرب لكل تفاصيل ومواقع وقدرات هذا المشروع النووي الإيراني، الذي قاد ويقود المنطقة كلها إلى الكارثة والدمار الشامل.

إن محاولات أوربية وروسية تسعى إلى التخفيف من حدة الصدام بين إدارة ترامب وإيران؛ لكنها تصطدم أيضا بتباين الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، وخاصة بتلويح حكومة إيران نيتها الانسحاب كليا من الاتفاق تارة، واللعب على وتر انتاج الماء الثقيل وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم تارة أخرى، كما أن وساطات حكومة موسكو الخفية عبر محادثات بومبيو -  لافروف في موسكو الأخيرة أكدت أنها لا تضمن إيقاف التدهور ، كما أن موسكو تعرف جيدا الموقف الأمريكي الذي يسعى إلى محاصرة طهران واحتوائها ودفعها إلى الخروج من  ذلك الاتفاق النووي كليا ؛ مما سيدفع الروس إلى الحياد التام في الخلاف،  حينها ستكون لموسكو فرصة مضافة للتفاوض وأخذ  حصتها وقسمتها من غنائم الحرب أو السلم مع إيران، وخاصة  ضمان وجودها الاستراتيجي وحيدة في سوريا وموانئها على البحر المتوسط،  حيث تشير الأحداث أن الروس متضايقون جدا من وجود شركاء لهم في سوريا مثل إيران وإسرائيل، وقد رتبت روسيا وضعها الاستراتيجي بالاتفاق مع نتانياهو وإسرائيل، وباتت روسيا متفرجة على عمليات القصف الصاروخي والجوي للمواقع العسكرية في سوريا خاصة ، وإنها تتقاسم المعلومات مع إسرائيل وأمريكا إذا ما كانت هناك عمليات قصف جوي أو صاروخي فكانت على علم مسبق بتلك العمليات خاصة تلك التي استهدفت مواقع إيرانية وضرب مليشيات حزب الله ومخازن الأسلحة والصواريخ الباليستية الإيرانية في سوريا ولبنان.


 

ا.د. عبد الكاظم العبودي

باحث فيزيائي متابع للملف النووي الإيراني