لم تستطع أن تطفق على سوءتها فقد كان التعري أكبر من أن تحجبه كلُّ أوراق الجنة ، لأنها باعت عريها على مائدة قمار حمراء ، فقد نزفت دماً أسوداً وهي تتلوى على سرير شهوتها القاتلة، تبغي الشهرة في غير موضعها زماناً ومكاناً ، فأطلقت ثدييها تغدق به نفوساً ظمأى لحرية دفعت حياتها فداءً لنيلها، فما لاقت من تلك النفوس سوى إيثار الظمأ والعطش والجوع على سلبها حريتها وكرامتها ووجودها الوطني .
هو سوق جديد تصرع أبوابه لتجار الحرية والكرامة ، تباع فيه الشعوب والأمم بالدرهم والدينار ، ظناً منهم أنهم شهرزاد التي يجب أن تحكي كلاماً مباحاً أو تمنح شهوتها على سرير السيد الذي أطلق لنفسه العنان في امتطاء الخيول التي تخلت عن أصالتها من أجل قبلة ذليلة في ليلة تخلى فيها الجميع عن كل ثيابهم ، فبانت سوءاتهم المخصية في حضرة سيدة البيت الأسود ، فما اهتزت شفتيها بابتسامة سخرية ، وما ارتسمت على وجهها الدهشة فيما ترى، فقد جمعتهم على بلاط شهوتهم وهي تعلم ما سيفعلون ، ليس الولاء والطاعة لها فحسب ، بل تعريهم من كرامتهم المزيفة ، فجسدها أطهر من أن يكون لعشق إفتقد الحس الإنساني ، فهي الطهارة كلها ، وهم كل العار الذي أرادوه لأنفسهم.
ما تعلموا من ذات ليلة حمراء كانوا أبطالها وضحاياها ، لأنهم ظنوا أن السلعة التي يبيعونها قد تهيأت للتخلي عن ذاتها ، متناسين أن مصير الشعوب لا تتحكم به لقمة العيش أو الشهوة العابرة لحرية زائفة في سوق نخاستهم ، فالكرامة أسمى من أن تهدر على موائد اللئام لأن الحرة تجوع وتموت ولا تأكل بثديها، والشعوب لا تتخلى عن كرامتها ، ولا تبيع أوطانها بما تغدق عليهم العاهرات من ثديها .
بقلم: صلاح صبحية