بعد صعود ترامب والتماهي الكامل ما بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، وقبل ان يمضي عام على تولي ترامب الرئاسة إلا أنه بدأ فعلياً بترجمة هذة العلاقة الاستراتيجية وعبر عنها بقرارته المتتالية والتي تعتبر تطبيقا عملياً لصفقة القرن ، وبالتفاصيل كلنا نعلم وندرك ما هو جوهر هذه الصفقة بالرغم من عدم الاعلان عنها حتى هذة اللحظة ، حيث بدأت معالمها تتضح منذ نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتقليص دعم الأنروا، وضم الجولان، وهناك وعداً بالاعلان عن ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الفلسطينية الى السيادة الاسرائيلية ، وبهذة الخطوة الخطيرة لن يتبقى فرصة او مجال لاقامة دولة فلسطينية ، إذًا صفقة القرن تمضي دون أن يتم الإعلان عنها رسميًا، وعن تفاصيلها ، وهاي هي الآن الإدارة الأمريكية بدأت بالتمهيد الحقيقي للإعلان رسميًا عن تفاصيل هذه الصفقة، وبدأنا نرى العلاقات المفتوحة والتطبيع بدون خجل ولا وجل، من قبل بعض الدول العربية مع الاحتلال، وبدأ أيضًا الضغط الشديد على الجمهورية الإيرانية وسوريا والعراق وعلى فصائل المقاومة وترسيخ مفهوم ان العدو الحقيقي للامة العربية هو الجمهورية الايرانية وليس اسرائيل ، ناهيك عن الضغوط الاقتصادية والسياسية على السلطة الفلسطينية والرئيس أبو مازن الذي قال و بشكلٍ قاطع "لن نقبل بأي شكل من الأشكال بهذه الصفقة والتي يراد منها تصفية القضية الفلسطينية" والذي جعل الادارة الامريكية وحكومة الاحتلال تكثف الضغط على السلطة لمحاولة تركيعها للقبول بتلك الصفقة ، واعطاء اشارة لبعض الدول بعدم الوفاء بالالتزامات المالية اتجاه السلطة.
وبالمقابل يشتد الحصار أيضًا على قطاع غزة ويتواصل الضغط على فصائل المقاومة، من خلال دخول بعض الاطراف والحديث عن تجريد المقاومة من سلاحها، وهذا ليس فقط يستهدف غزة ، بل أيضًا يشمل كل ما يسمى بمحور المقاومة، وكما اوضحنا سابقا ان ذلك يتزامن مع ضغط غير مسبوق على إيران, والتلويح لحرب على كل هذا المحور الذي يرفض السياسة الأمريكية في المنطقة.
وغدًا سنرى مؤتمرًا اقتصاديًا في البحرين "المنامة" فما اشبه اليوم بالبارحة وبعد حرب الخليج حينما ارادات الولايات المتحدة الامريكية الحديث عن اطلاق اعمال مؤتمر مدريد وعدم توجيه دعوة لمنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فحاولت التواصل مع شخصيات اقتصادية وسياسية فلسطينية من الداخل لحضور المؤتمر ولكن بوحدة شعبنا وفصائله افشلت هذة السياسة وخضعت الولايات المتحدة الامريكية ان يكون وفدا فلسطينيا اردنيا مشتركا يمثل منظمة التحرير ، فالسؤال هو ما الهدف من مؤتمر المنامة غير انه جاء ليفرغ القضية الفلسطينية من جوهرها كقضية سياسية الى قضية اقتصادية انسانية ،من خلال جمع الأموال والتمهيد للإعلان عن صفقة القرن، والذي يشارك فيه لأول مرة وزير المال الإسرائيلي "موشي كحلون" وبعض وزراء المال العرب.
أمام كل ما سبق، الكل الفلسطيني بالشعار والحديث يرفض صفقة القرن ولكن هل هذا الرفض يكفي ، اذاً ما المطلوب فلسطينيًا؟
أولًا- تعالوا نتفق أن نكون موحدين سياسيًا وإعلاميًا ووطنيًا لمواجهة صفقة القرن، بغض النظر عن إنهاء الانقسام الذي هو أحد الأسباب الهامة التي سمحت لبعض الأنظمة العربية بالجرأة للتطبيع مع دولة الاحتلال وخاصة اننا غير قادرين الأن لتجاوز الصفحة السوداء في تاريخ شعبنا المتمثلة بالانقسام.
وفي ظل المؤتمر المزمع عقده في البحرين ينبغي على القيادة الفلسطينية الدعوة لعقد المجلس المركزي الفلسطيني، فالمطلوب توجيه دعوة لكل الفصائل الفلسطينية بما في ذلك حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لحضور هذا المجلس والخروج من هذه الدورة برؤية سياسية عنوانها "متفقين وموحدين في إسقاط صفقة القرن". فلتكن هذه الدورة حلقة للصراع الفكري والسياسي نظراً لخطورة المرحلة ولنبني على كافة القرارات السابقة للمجلسين المركزي والوطني والعمل على تنفيذها بما يخدم وينسجم مع الرؤى والمواقف الفلسطينية لخدمة الهدف الموحد مما سيجعل القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير متسلحة بموقف قادر على المجابهة والصمود امام هذه الصفقة المتوحشة، والخروج باستراتيجية وطنية تشمل تعزيز الانسان الفلسطيني وصموده لكي يكون قادراً على الدفاع عن حقوقه السياسية والوطنية.
ثانيًا- يجب العمل تبني موقفاً عربياً واضحاً في القمة المزمع عقدها في 30 مايو في الرياض وفي هذا الظرف التاريخي والدقيق لرفض هذه الصفقة والدعم الكامل للقيادة الفلسطينية الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية وتوفير شبكة أمان مالية لتعزيز صمود شعبنا الفلسطيني ،وخاصة ان المؤتمر الذي سيعقد ليعلن من خلاله بنود هذة الصفقة سيكون بعاصمة عربية وبحضور ممثلي عن دول عربية مع دولة الاحتلال وبغياب ومقاطعة منظمة التحرير ، فالمخاطر جسيمة والقضية في عين العاصفة، فإذا لم نخرج عن حزبيتنا وعن مصالحنا الضيقة، حتمًا سنكون خاصرة رخوة لتمرير صفقة القرن، مع أنها قطعت شوطًا كبيرًا ولم يتبقى منها إلا الإعلان عنها.
ثالثًا- بعد جولة المواجهة الأخيرة بين المقاومة والاحتلال في قطاع غزة ، ونتيجة جرائم القتل المتواصل التي تمارسها إسرائيل بحق المشاركين في مسيرات العودة وكسر الحصار، ما دفع الفصائل إلى الرد على الجرائم، وبعد تدخل الوسطاء تم الاتفاق على وقف إطلاق نار دون ابرام اتفاق فعلي يضمن منع اسرائيل من ارتكاب جرائم اخرى بحق الشعب الفلسطيني ، مما يستدعي الرجوع الى صيغة الاتفاق الذي جرى بعد العدوان عام 2014، الذي كان يمثله الوفد الفلسطيني من كل الفصائل الوطنية والإسلامية، وهذا يجعلنا موحدين امام شعبنا ولا يسمح باي شكل من الاشكال افلات الاحتلال من تلك التهدئة ولا يستطيع الاستفراد بنا في كل مرة تحت حجج واهية ، اذاً علينا التمسك بالوفد الذي أبرم هذا الاتفاق، واستيعاب كل الملاحظات من 2014 حتى الآن.
أعتقد انه إذا سلكنا هذا المسلك واتفقنا أننا غير قادرين على إنهاء الانقسام في الوقت الراهن وترتيب اولوياتنا الوطنية نظرا للخطر الداهم الذي يراد منه تصفية الوجود الفلسطيني ، واتفقنا على مجابهة صفقة القرن موحدين، فحتمًا ستتحطم هذه الصفقة أمام صمود شعبنا.
هذه رسالة الأسرى والشهداء و الجرحى وصرخات المسجد الأقصى وكل المنفيين واللاجئين، في كل بقاع الأرض، والتي تطالب كل الفصائل الوطنية والإسلامية بأن تتحمل مسؤولياتها وأن تأخذ بعين الاعتبار صرخات من ذكرناهم، لكي نكون قادرين على إحباط المخططات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
انتهى
الاسير المحرر مصطفى مسلماني
قيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
22/5/2019