منذ اعلان الادارة الامريكية القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني، وما تبعها من خطوات عدائية إستهدفت وكالة الاونروا وما تمثله من شاهد دولي على لجوء الشعب الفلسطيني وإقفال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وتشريع الاستيطان الصهيوني فوق الاراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، والذي ترافق مع خطوات ميدانية اسرائيلية بتوسيع نشاط السرطان الاستيطاني الاسرائيلي من جهة واقرار قانون يهودية الدولة من قبل الكنيست والاعلان الصريح عن مخطط ضم الضفة الغربية وغيرها من الخطوات الاستفزازية، بدأ الهاجس الاكبر يلوح على الساحة الفلسطينية والاقليمية والدولية بما بات يعرف بصفقة القرن التي عمل على إعدادها فريق الصهيونية الامريكية برئاسة جاريد كوشنر مستشار الرئيس الامريكي دونالد ترامب.
وبعد سلسلة من عمليات التطبيع العربي القذرة والزيارات العلنية والمكشوفة لرئيس وزراء الاحتلال نتنياهو لبعض العواصم الرجعية التي فتحت قصورها تأهيلا بتجاوز صريح ومستفز لمبادرة السلام العربية ، تأتي اليوم قمة المنامة التي تحتضن الشق الاقتصادي من صفقة القرن في محاولة لتمرير السم في الدسم العربي والتي تحاول الانظمة الرجعية تقديمها على مائدة حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وعلى حساب المعدة الخاوية للشعب الفلسطيني.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل صفقة القرن هي الاخطر على الشعب الفلسطيني من النكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948؟! يبدو ان الذاكرة الاسرائيلية والعربية الرجعية قد أصيبت بعطب وتلف حاد لدرجة أنهم نسوا محطات التآمر الكثيرة التي حيكت ضد الشعب الفلسطيني وضد حركته الوطنية، كما نسوا او تناسوا كيف قاوم الشعب الفلسطيني وصمد على الرغم من جميع تلك المؤامرات!!
إن الصفقة التاريخية بصفقة قرن وجميع القرون بالنسبة للشعب الفلسطيني هي تلك التي حدثت إبان النكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948، والتي بموجبها خسر الشعب الفلسطيني المساحة الاكبر من أرضه وهجر العدد الاكبر من أفراده وعائلاته بفعل صفقة الاجرام بين القوى الامبريالية والصهيونية من جهة والرجعية العربية من جهة اخرى، والتي أريد من ورائها توجيه ضربة قاضية للشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية، تكون نقطة النهاية للعهد الفلسطيني ونقطة البداية للكيان الغاصب.
وراهن الجميع في صفقتهم الكبرى على عدم قدرة الشعب الفلسطيني الذي تحول في ليلة ظلماء الى شعب لاجئ مكسر المجاذيف، يئن في خيم الامم المتحدة ويقتات من مساعدات دول البكائيات على الانسانية المهدورة، على موت بطيئ لهذا الجسد الفلسطيني وفنائه وتحلله في أرض غريبة وتمازجه مع ذرات تراب خشن لا يعرف عضويته.
إلا ان هذا الجسد الذي حافظ على خفقات قلب خجولة ونبض حياة بسيطة، لم يستسلم لما أريد بأن يكون قدرا مسلطا على حياته، معلنا الرفض لهذه الصفقة الخبيثة، فكانت الثورة الفلسطينية المعاصرة التي فجرت على أيدي اللاجئين الفقراء والمعدومين والتي انطلقت من رحم جموع تلك المعانات لتعيد الامل لهذا الشعب وهذه القضية معلنة للقاصي والداني إرادة الشعب التي لا تموت.
جاءت الثورة الفلسطينية لتقض مضاجع المتخاذلين والاعداء، ولتضع اسم الشعب الفلسطيني على اعلى المنابر الدولية وتنتزع اعتراف العالم اجمع، محبا ام مرغما بوجود الشعب الفلسطيني وبحقوقه الوطنية المشروعة لتخرس تلك الالسن الصهيونية التي أنكرت على الدوام وجود الشعب الفلسطيني، كما جاءت الانتفاضات المتتالية للشعب الفلسطيني لتفتح مدارس النضال الشعبي وتدرس اساليب تحويل المواد الجامدة لأيقونات ثورية تستطيع ان تفرض معادلة الانتصار والثبات امام هذا العدو المجرم وامام اعتى الجيوش المسلحة..
لم يكن الشعب الفلسطيني يوما غافلا عن جميع المكائد التي يحيكها اعدائه من جهة وجميع المستسلمين والمتآمرين من جهة اخرى، فالدماء الفلسطينية التي لا تجف ولو ليوم واحد على الارض الفلسطينية والتي تروي تراب غزة الصامدة، تراب القدس العاصمة الابدية، تراب الضفة المقاومة ليست الا خير دليل على الوعي الشعبي والجماهيري بحجم التحديات وحجم والمآمرات، إلا ان هذا الشعب لا يعرف صفقة قرن الا تلك التي إستفاق من بعدها ليجد نفسه على أرض خارج أرضه، هي تلك التي جفت بعدها مياه ذاك الكهل الفلسطيني عن ري حقول البرتقال في يافا وعكا وحيفا والجليل.
صفقة القرن التي يهول لها ليست الا فصلا تآمريا جديدا لا يقدم ولا يؤخر في حتمية النصر الفلسطيني، فصل سيطويه الشعب الفلسطيني رغما عن كاتبيه ومعديه والمخططين له، والصفقة الوحيدة التي يعرفها الشعب الفلسطيني والتي يكتبها بدماء أبنائه هي تلك التي تأتي بدولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وتحقق للاجئين عودتهم، وكل ما عدا ذلك باطلا لا يمر ولن يمر..
جهاد سليمان / إعلامي في الجبهة
الديمقراطية لتحرير فلسطين - لبنان