ضم الضفة .... الأداء لا يتناسب مع الخطر..!!

بقلم: أكرم عطا الله

الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية يقترب أكثر يوماً بعد يوم، والتحديات التي تواجه الفلسطينيين كبيرة جداً لكن الأداء الفلسطيني لا يتناسب مع تلك التحديات، وبات من الواضح أن استمرار الخلافات الفلسطينية بات يصب مباشرة في مشروع التصفية والذي أصبح مكشوفاً بدرجة كبيرة وهو ضم الضفة وإقامة كيانية أو شيء في غزة، ولننظر إلى حالنا لنكتشف أن الأمور سواء بفعل إسرائيلي أو بجهل فلسطيني تسير إلى حيث يتم التخطيط له.

لم يعد الأمر سرا في إسرائيل والبيت الأبيض أو أن السياسة المرسومة والمنوي تطبيقها لم تعد في الدوائر المغلقة بل أصبحت تتراءى أمام الجميع، وفي ظل المناخات السياسية الجديدة لم يعد نتنياهو يجتهد لإجراء مناوراته الكلامية وإخفاء نواياه كما السابق بالحديث عن حل الدولتين بشروط ورغبته بالسلام بل نحن أمام تطابق إسرائيلي بين القول والفعل.

الأكثر وضوحاً هو السجال الذي دار مع نهاية الأسبوع بين نتنياهو والجنرالات الذين وقعوا على عريضة وعددهم 200 موجهة إلى نتنياهو تطالبه فيها بعدم ضم الضفة الغربية، وهؤلاء من أهم رجالات الجيش والأمن والموساد والشرطة والشاباك طالبوه فيها بإجراء استفتاء شعبي قبل أن يتخذ قراراً بفرض القانون الإسرائيلي على مناطق في الضفة، وأكدوا كما جاء في العريضة أن «ضم مناطق في الضفة لإسرائيل سيؤدي إلى وقف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع إسرائيل وسينشأ فراغ أمني تدخل إليه حركة حماس وفصائل فلسطينية مسلحة أخرى».

وأضافت العريضة «إن فرض القانون الإسرائيلي على يهودا والسامرة كلها أو جزء منها وليس في إطار اتفاق سياسي سيقود إلى ردود فعل متسلسلة ستمس كثيراً بأمن إسرائيل واقتصادها ومكانتها الإقليمية والدولية، وأن ضماً من دون اتفاق سيشكل خطراً على أمن إسرائيل وحياة سكانها، وأن خطوة كهذه ستضطر الجيش والشاباك إلى السيطرة من جديد على الضفة الغربية مع كل ما يعنيه ذلك من تحمل أعباء إدارة حياة ملايين السكان الفلسطينيين وتمويلها».

هذه عريضة منطقية جرت العادة في إسرائيل أن يفعلها عدد من الجنرالات المتقاعدين الذين يتحسسون أمن الدولة ومصالحها لكن غير المنطقي هو رد نتنياهو على تلك العريضة حيث كتب على صفحته على تويتر قائلاً: «يهودا والسامرة ليست مجرد ضمان لأمننا بل إرث أسلافنا» مشيراً إلى أن التحذيرات جاءت من قبل نفس الخبراء الذين سبق أن أعربوا عن دعمهم للاتفاق النووي مع إيران».

ليست هناك صراحة تعادل ما كتبه نتنياهو فالضفة هي «ميراث الأسلاف «الذي يجب أن يتم السيطرة عليه، إذا الحكومة الإسرائيلية الجديدة أمام المشروع الأخطر بالنسبة للفلسطينيين ونتنياهو مستمر في مشروعه بعيداً عن أي اعتبارات وبات من الواضح أن مفاوضات تشكيل الحكومة التي انتهت بحكومة مصغرة قومية دينية كان هذا أحد أهم مكوناتها السياسية باعتبار تركيبة الحكومة تنسجم مع مصطلح «إرث الأسلاف».

هل الفعل الفلسطيني يتناسب مع هذا الخطر؟ كل ما فعلناه حتى اللحظة هو مجرد لغة ورفض إنشائي بينما الأمور على الأرض في الضفة وفي الإقليم متمثلة بمؤتمر المنامة، كل ذلك يشي بأن الأمور تسير على الأرض بتسارع شديد أسرع كثيراً من معارضتنا النظرية دون أن نفعل شيئا حقيقيا يتناسب مع التطورات وأبرزها ما يعرف بالمصالحة أو إعادة الاعتبار للموقف الفلسطيني الموحد والمؤسسة الموحدة القادرة على منع تمرير مشروع الضم والفصل، ضم الضفة وفصل غزة.

لم نكن بحاجة إلى رد نتنياهو على الجنرالات لنعرف أن مشروع إسرائيل بالضم والفصل وماذا تفكر إسرائيل، فقد كُتِب الكثير عن ذلك ومن يتابع المشاريع الإسرائيلية ومخرجات مراكز الدراسات كان يعرف مسبقاً أن هذا ما هو موجود.

ولكن يبدو أننا كالعادة نحتاج إلى اعترافات إسرائيلية فهي أكثر ثقة من كل كتاباتنا والآن قالها نتنياهو فماذا تبقى؟ لقد كُتب سابقا بكثرة إلى حد لم يبق ما يجب التحذير منه عن مشروع العناق مع الضفة والطلاق مع غزة وليس هناك مسؤول فلسطيني في الفصائل إلا ووضع أمامه ذلك المشروع لكن الانقسام استمر في أفضل عملية تمهيد لهذا المشروع فكيف نفهم ذلك؟

والآن على المستوى الداخلي وأمام تحذير الجيش الإسرائيلي بعد تحذير الجنرالات حيث يحذر الجيش من انهيار السلطة خلال ثلاثة أشهر، وإذا كان الجنرالات قد شكلوا حزباً سياسياً معارضاً لنتنياهو فان الجيش هو الأداة العاملة على الأرض والتي تتحمل تبعات السياسة وهي أقرب لتقديرات الواقع.

وبات من الواضح أن الأمور تسير باتجاه إما إنهاء وجود السلطة في الضفة نهائياً أو إبقاء سلطة هشة في المناطق التي تتبقى لتقوم بدور يشبه روابط قرى خدماتي أو ما شابه تحت الاحتلال.

أمام ذلك كيف يمكن التفكير فلسطينياً؟ وهل يمكن أن يتم تدارك الأمر بالمصالحة أو إعادة وحدة الموقف مثلاً؟ الأمر ليس سهلاً فنحن أمام طرفين السلطة وحماس، كل منهما يحكم منطقة مطلوبا أن يتم بناء نظام سياسي منهما، لكن الأمور باتت واضحة لم تعد تسير في صالح السلطة لا بالمعنى الوطني ولا الحزبي المصلحي حتى، لكن بالنسبة لحركة حماس فالأمر مختلف حيث انهيار السلطة في صالحها وكذلك تبلور كيان ما في غزة أيضاً في صالحها.

لذا المصالحة المطلوبة جداً لدرء الخطر أصبحت من الماضي ولكن على فرض أن استشعر الفلسطينيون الخطر وبدأت جولة مصالحة من غير المتوقع أن تقدم حركة حماس تنازلات حيث تسير الأمور في صالحها وفي غير صالح الخصم السياسي ممثلاً بالسلطة الوطنية، والأهم أن السلطة التي تسير نحو الرغبة الإسرائيلية بإنهاء وجودها هي من يضع شروط المصالحة وهنا تكمن أزمة جديدة تنذر باستمرار الانقسام وتمرير المشروع الإسرائيلي بلا صعوبات.

لذا فإن الحديث عن عدم تناسب الفعل الفلسطيني مع الخطر الذي يدهم الجميع هو حديث الواقع الذي يدعو للغضب مما فعلناه بأنفسنا وبمشروعنا الوطني فقد ذبحناه بأيدينا ...!

بقلم/ أكرم عطا الله