لم يعد الأمر بحاجة إلى كثير من التفكير والتحليل لنستنتج أن حركة الإقليم بما يخص الملف الفلسطيني لا تخرج عن المسار الإسرائيلي، مؤسف أن نرى ذلك ومؤسف أكثر أن دولا عربية تعتبر العمق الاستراتيجي للفلسطينيين باتت تتحرك باتجاه معاكس أي لم تعد محايدة كما كانت شكوتنا الدائمة والآن نتمنى عودة هذا الحياد العربي ليتركنا وشأننا.
الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها الحالية التي جاءت قبل عامين ونصف العام جندت نفسها لخدمة الفكرة الإسرائيلية بالتفاصيل بدءا من الاستيطان والقدس واللاجئين، ولا يحتاج الأمر كثيرا من الجهد للمتابعين في الشأن الإسرائيلي لندرك أن كل ما جاءت به الإدارة الأميركية هو منتج عدة أوراق في مركز الدراسات ومعاهد الأبحاث الإسرائيلية بالتفصيل.
هنا ورشة المنامة ولسوء حظ المنامة لأن الورشة هي دعم لفكرة بات الجميع يعرف أن ما يتم التحضير له هو تصفية للقضية الفلسطينية أو تغيب المسار السياسي والحقوق السياسية للفلسطينيين واستبدالها بامتيازات اقتصادية، فقد أعلن نتنياهو العام 2008 منذ الوصول الثاني لرئاسة الحكومة أن كل ما لديه هو سلام اقتصادي وتحدث عنه كثيراً محاولاً إقناع إدارة الرئيس أوباما ووزيري خارجيته هيلاري كلينتون وجون كيري دون جدوى لكنه ظل مصمما على ذلك.
الأهم أن ورشة المنامة لا يتوقف انسجامها مع توجه بنيامين نتنياهو وسلامه الاقتصادي الذي نادى به بل تناولتها دراسة صدرت في العام 2017 عن مركز أبحاث الأمن القومي على شكل خطة كاملة بعنوان «مشكلة اللاجئين الفلسطينيين والمصلحة الإسرائيلية «وفي الصفحة الأولى للدراسة اقتبست حديث نتنياهو «مرتكزات السلام الاقتصادي وليس الحديث عن مبادرات ودعم أموال للبيروقراطية الفلسطينية التي تضخمت منذ أوسلو ويجب علينا خلق جزر من الازدهار الاقتصادي وقواعد من الأمل».
وفقا للدراسة ونتنياهو كما نقل الدكتور عامر الهزيل «في غياب أفق الحل السياسي فإن مصلحة إسرائيل السياسية والاقتصادية تطوير الاقتصاد الفلسطيني والبنى التحتية وخصوصا في الضفة الغربية وخلق ظروف رفاهية في حياة الفلسطينيين ما تستطيع إسرائيل ومن يدعمها تنفيذه على الأرض دون الحاجة لموافقة السلطة أو حتى التنسيق معها».
الخطة تقتضي عدم مشاركة السلطة أو عدم التنسيق معها حتى، لذا يمكن تفسير عدم تعرض السلطة لعروض أو لضغوط لحضور الورشة وربما لم توجه لها دعوة رسمية، لكن من الواضح أن لا أحد يريدها أن تكون حاضرة وفقا للدراسة الإسرائيلية وما فعله العرب أنهم برروا مشاركتهم وبعضهم لم يكلف نفسه التبرير لكن لا أحد طلب حضور الفلسطينيين ومن هنا يبدو الحديث عن عدم ذهاب الفلسطينيين للمنامة باعتباره الموقف المطلوب هو موقف وطني بلا شك من الجميع لكنه بريء حد السذاجة.
تلك البراءة في التعاطي مع التطورات والدول العربية تطرح تساؤلات حول إدارة السياسة لدينا. فالسلطة تبالغ في الموقف من عدم الحضور والفصائل كحماس والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية أيضا تبالغ أيضا دون اتخاذ موقف حقيقي كان يجب اتخاذه من الذين تجرؤوا على الذهاب إلى هذا الحد من التملق للإدارة الأميركية للدرجة التي باتت تثير الغضب من سياستها التي أصبحت تتطابق مع ما تنتجه مراكز الدراسات الإسرائيلية.
الحديث الذي تناوله مساعدو الرئيس ترامب عن إنهاء دون خدمات وكالة الغوث وتسليم ملفاتها للسلطات الحاكمة سواء في الأردن أو فلسطين أو لبنان وكذلك بناء مدن للاجئين تحتوي سكان المخيمات أو اللاجئين الذين سيعود القليل منهم هو المحتوى الحقيقي لما جاء في دراسة 2017 للأمن القومي الإسرائيلي الذي يعتبر أن القضية الأهم هي قضية اللاجئين وبالتالي لا يمكن تفسير ما يحدث خارج سياق الفهم الإسرائيلي للصراع مع الفلسطينيين وشكل التخلص من « العبء الفلسطيني».
وإذا كان الأمر كذلك وإذا كان مطلوبا ألا تشارك السلطة أو أي طرف فلسطيني كما ورد في الدراسة لان مشاركة الفلسطيني قد تحدث نوعا من التغيير على الخطة وقد يتعارض مع الفهم الإسرائيلي، لماذا يتوقف الفلسطينيون عند الحديث عن رفض المشاركة باعتباره الإنجاز المطلوب؟
المطلوب اتخاذ موقف من الدول العربية المشاركة التي تقوم بالاستضافة أو الحضور.
جميعنا يدرك أزمة انهيار المعايير في الوطن العربي والناتجة عن غياب دول المركز ونقل القرار العربي لصالح دول الهامش، لكن لا أحد يتوقع أن يكون على حساب القضية الفلسطينية بهذا الشكل.
ما الذي يمكن فعله ؟ علينا تجاوز الممانعة اللفظية أو الاعتقاد بأن عدم الحضور يكفي لحماية مشروعنا الوطني بالرغم أن إسرائيل لم تصمم حضورنا لذا آن الأوان لاتخاذ موقف جدي بصرف النظر عن الثمن فعندما يكون المشروع الوطني على المحك ويتعرض لهذا الخطر يجب استنفار كل مصداتنا الدفاعية وإلا سيمررون أي شيء إذ بقينا معارضة تخلو من خطوات عملية ..!
بقلم/ أكرم عطا الله