أم طارق تركها زوجها حاملة هموم أربعة أطفال أكبرهم 17 عاماً، وأصغرهم أربعة أعوام. سافر إلى أمريكا تاركاً وعوداً لهم، بحياة تنتشلهم من العوز، وأن حفنة من الدولارات ستكون بين أيديهم كل أول شهر. مضت خمسة أعوام، ولم تر أم طارق تحقيق أي وعد. وانقطع الاتصال معه من بلاد العام سام. تكمل قصتها والدموع تنهمر من عينيها، ومتاعب الحياة تظهر في وجهها، بينما كأس الشاي الذي قدمه فريد يرتجف بين يديها: كل ما أريده مساعدة لإغاثة كوم اللحم الذي ينتظرني في البيت.
تناول العطاونة ما في جيبه من المال ووضعه في يديها، قائلا "إن شاء الله بتفرج". أخذت المبلغ على استحياء، وخرجت من المكتب بسيل من الدعاء الله يرزقك، الله يعطيك أكثر.
حياة فقر ولا معيل وقلوب منكسرة، وجمعيات تشحذ باسم هؤلاء، ومساعدات لا تصل لمستحقيها.
بدأ النقاش حول هذه الظاهرة، والتساؤلات حول هي صادقة، من أين هي؟ هل الجمعيات تبحث عن هذه الحالات؟ هل وزارة لتنمية الاجتماعية تقدم المطلوب؟ بين من قال أنها حالة من العمل في المجتمع الفلسطيني، ومن دافع عنها وأن ذلك واقع معاش، بدأت الفكرة تختمر، والشغف لعمل شيء ما.
(RA-22887-S)، الرقم الذي أعطته وزارة الداخلية الفلسطينية لجمعية حياة للعمل التنموي والتطوعي، المشروع انطلق من دموع أم طارق، لتكون البداية لمجموعة من الشباب، لتأسيس الجمعية التي تعنى بتقديم المساعدات لذوي الاحتياج، متنقلة بين مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها، تبحث عن تقديم ما تستطيع لسد رمق المحتاجين.
رزمة من الأوراق، أرقام الهويات، النظام الداخلي، مسح أمني لثلاث جهات: الأمن الوقائي، المخابرات العامة، الشرطة، فتح حساب بنكي، ومراسلات بيني وبين هذه الجهات، وبين تعديل وإضافة، ترى جمعية حياة النور، لإدراجها في حاسوب وزارة الداخلية " كهيئة أهلية غير ربحية، بالاستناد لقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية الفلسطيني رقم (1) للعام 2000، وقرار وزير الداخلية رقم (79) بتاريخ 12/8/2015م، تم ترخيص وتسجيل الجمعية واعتماد أهدافها في دائرة الجمعيات – وزارة الداخلية- تحت رقم (RA-22887-S) كهيئة أهلية غير هادفة للربح، مقرها الرئيسي في محافظة رام الله والبيرة، ونطاق عملها فلسطين كافة، وميدانها الخدمة الاجتماعية.
الفرحة كبيرة حينما تشعر بوجع الآخرين، وتكون بين المحتاجين، أنا القروي الذي مررت بطعم الاحتياج وبفرحة كرتونة المساعدة الغذائية في شهر رمضان، وبتأمين جزء من قسط جامعتي. أعرف كمية السعادة هذه، وأعمل بجهد لإسعاد من يحتاج، فرحة طفل في العوجا بملابس العيد، ودمعة ربة منزل في مخيم بلاطة بتوفير قسط ابنها في جامعة النجاح، وعيون أطفال الخان الأحمر ابتهاجاً بقرطاسية الفصل الدراسي، هنا الحياة التي نُحِبُّ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ، َنَسْرِقُ مِنْ دُودَةِ القَزِّ خَيْطاً لِنَبْنِي سَمَاءً لَنَا، وَنَفْتَحُ بَابَ الحَدِيقَةِ كَيْ يَخْرُجَ اليَاسَمِينُ إِلَى الطُّرُقَاتِ نَهَاراً جَمِيلاَ.
وسط امبراطوريات مؤسسات المجتمع المدني، استطاعت جمعية (حياة) أن تشق طريقها نحو تغطية بسيطة لمن يحتاجون العون، بعيداً عن أضواء الكاميرات، والتمويل المشروط، وضجة المدن التي تسير بها السيارات الفارهة، والأبنية القائمة على قتل أية بقعة خضراء، هناك في الأغوار، والقرى التي قتلها الجدار، وبمخيمات الانتظار، وجدت (حياة) للعمل التنموي والتطوعي خط سيرها، بدءا بحملة الأمل والخير ومروراً بصحتك حياة، وما بينهما من زرع روح التطوع.
يقول ابن عمي خريج الصحافة من جامعة بيرزيت: "بدي جهة تعطيني ساعات عمل تطوعي مطلوبة من قبل الجامعة"، علما أن الجامعات تطلب من الطلبة الخريجين ساعات عمل تطوعي، من هنا أتت فكرة "للعمل التطوعي، الذي كان يجسده مجتمعنا بالعونة في قطف الزيتون وتنظيف الساحات العامة، ففتحت (حياة) أبوابها لطلبة الجامعات للعمل التطوعي، واستقبلت العشرات منهم متطوعين في أعمالها وحملاتها.
وها أنا اليوم بجمعية حياة أقاتل اليأس بزراعة الأمل، وأسقيه بمطر العمل التطوعي، وأباشر في خيالي كل ليلة ملاحم من يحتاج العون، كي تنتصر الفكرة ولا تدفن كما دفن عبد الملك بن مروان وضاح اليمن.
بقلم/ حسني شيلو