هل يحمل الخلاف الديني بصمات خلاف سياسي ...؟؟

بقلم: راسم عبيدات

قبل الإجابة على هذا السؤال،لا بد من القول بان يوم عيدنا،عيد الفطر السعيد،يتزامن مع ذكرى ما يسمى بيوم نكستنا كامة عربية،وهو يوم هزيمتنا الكبرى بإمتياز في حرب عام 1967،حيث تمكن الإحتلال الصهيوني من إكمال إحتلاله لفلسطين واحتل الجولان السوري وسيناء المصرية واجزاء من الأراضي الأردنية...مما يعني اننا في هذا العيد لم نقترب من تحقيق أهدافنا لا كشعب فلسطيني ولا كامة عربية بالتحرر والإنعتاق من نير الإحتلال والإستعمار،فهناك دول كفلسطين ومحميات الخليج العربية تخضع للإحتلالات العسكرية المباشرة،والأخرى محتلة بمصادرة قرارها السياسي وإرادتها وبإحتلال اقتصادها ...والعديد من الدول العربية وبالذات السنية منها تختلف حول من هي المرجعية الدينية المقررة للعرب والمسلمين الأزهر الشريف...مكة المكرمة " أل سعود" .....القدس " الهاشميين" ،وبالنسبة للسعودية استطاعت ان تفرض إرادتها وكونها المرجعية الدينية لباقي الشعوب والأمتين العربية والإسلامية لوجود الكعبة المشرفة من ضمن أراضيها،والتي لا يكتمل الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج لأي مسلم دون أداء فريضة الحج ما دام قادراً عليها والطوفان حول الكعبة ...ولذلك بشكل اتوماتيكي عندما كانت السعودية تعلن عبر دار إفتائها رؤية هلال شهر رمضان،الأردن وفلسطين على وجه التحديد تاريخياً تلتزمان بقرار دار الإفتاء السعودي برؤية الهلال وثبات يوم العيد ....ولكن ما حدث بالأمس واعلان السعودية رؤيتها لهلال شهر شوال وتمرد فلسطين والأردن ومصر على وجه التحديد على قرارها ومرجعيتها الدينية،دعك من سوريا، فسوريا لها خلافها السياسي مع السعودية،لأنها في مقدمة الدول التي قادت مشروع تدمير سوريا،وبالتالي سوريا موقفها معروف ما دامت مسألة تحديد العيد سياسية وليست دينية ...فحتى الطفل الصغير لا يصدق بان الخلاف بين الدول العربية والإسلامية،متمحور حول رؤية الهلال من عدم رؤيته ...ونحن علينا ان نعترف كعرب ومسلمين بأننا لا نحمل مشروعاً واحداً لا كعرب ولا كمسلمين ...ومن هنا فإن خلافتنا في الأرض والتي هي كثيرة وكبيرة إنتقلت الى قضية السماء،وهي قضية يجب ان نكون موحدين فيها ولا مجال للإختلاف او الإجتهاد فيها ...ولكن بما أن خلافاتنا سياسية متفاقمة،وهناك دول وقوى سياسية توظف الدين لخدمة قضاياها وحكامها،فمن المتوقع أن تصل خلافاتنا الى قضية السماء..
السعودية في قمة الرياض أيار /2017،القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية،حاولت ان تحشد الدول العربية والإسلامية خلف قيادتها،وبيع القرار السياسي العربي لأمريكا وما تروجه من مشروع سياسي لتصفية القضية الفلسطينية،صفقة القرن،حيث في هذا المؤتمر جرى استبدال أولويات الصراع من صراع عربي- إسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع مذهبي إسلامي- إسلامي (سني – شيعي)،واعتبار ايران هي العدو المركزي للأمة العربية،وهي دولة " الإرهاب" الأولى في المنطقة،والتي تهدد امنها واستقرارها وتتدخل في الشؤون الداخلية العربية،عبر حلفائها حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله " الحوثيين" في اليمن،وسعت السعودية أن تلتف كل الدول العربية والإسلامية خلف " إمامة" ترامب لها،هذا الترامب الذي" إستحلبها" مالياً،هي وبقية المحميات الخليجية،بمئات مليارات الدولارات،ولا يتعامل معها سوى بلغة " الإستحلاب" والدفع المالي،في حين الدول التي جُلبت لكي تصطف خلف القيادة السعودية،كما يقول المأثور الشعبي " لم ينالها من الحب جانب" مصر والأردن،وهي تعيش ظروف وأوضاع وأزمات اقتصادية عميقة.

الخلافات السياسية تصاعدت بشكل كبير،والأردن وفلسطين باتتا تستشعران خطراً جدياً من المشروع الأمريكي،صفقة القرن،فملامح الخطة العامة المسربة،تقول بشكل واضح تصفية وشطب كاملين للقضية الفلسطينية،ارض وهوية ورواية وقدس ولاجئين ونهاية حل الدولتين، والأردن وطن بديل وتوطين اللاجئين الفلسطينيين ونزع الوصاية الأردنية عن المقدسات الإسلامية والمسيحية.

ومما فاقم من تلك الخلافات السياسية،شعور الفلسطينيين والأردنيين،بان قضية بحجم القدس لم تستدع عقد قمة عربية واحدة،في حين عقدت ثلاثة قمم في الرياض،الهدف واضح منها إستعداء العرب والمسلمين لإيران،وجعلها العدو المركزي للأمة العربية،والقضية الفلسطينية،جرى المرور عليها في تلك القمم مرور الكرام،والأكثر من ذلك، مشيخات الخليج توافق على عقد وحضور الورشة المالية الأمريكية في البحرين في الخامس والعشرين والسادس والعشرين من الشهر الحالي التي دعى اليها كوشنر،بهدف تصفية قضية الشعب الفلسطيني،واعتبارها ليس قضية أرض ووطن،بل قضية مال ومشاريع اقتصادية.
واضح بان موقف فلسطين والأردن ومصر،تعبير عن رفضهم للموقف السعودي من صفقة القرن الأمريكية،ومن الورشة المالية المعروفة بالشق الإقتصادي من صفقة القرن،فالرئيس عباس في حضوره للقمتين العربية والإسلامية في الرياض ليومين متتالين،ربما شعر بالإهانة من الموقف السعودي،حيث جرى وضعه في الصف الثاني في الصورة الجماعية للزعماء والرؤوساء العرب والمسلمين مرتين،ويبدو بأن الخروج الأردني- الفلسطيني – المصري عن الإرادة السعودية،يتعدى الجانب الديني الى الخلاف السياسي،والمشهد العام عكس جانبا من صراع المرجعيات الدينية السنية الذي بات يبرز بين مرجعية الازهر الشريف في مصر ومكة المكرمة في السعودية والمرجعية المقدسية الهاشمية.
اذاً ما حصل هو توظيف الديني في خدمة السياسي،فهذه الدول تريد ان تقول للسعودية بأن موقفها لا يتفق مع الموقف السعودي من صفقة القرن ولا من الورشة المالية الأمريكية في البحرين،وهي لن تروج وتسوق المشروع السعودي،التي تغدق الأموال على امريكا بالمليارات،وتمنع الفتات عن دول تعيش أوضاع وظروف وأزمات اقتصادية عميقة.
نعم الخلافات السياسية العربية تتعمق وتتفاقم،وتتعدى الخلاف الديني على رؤية هلال شهر رمضان او عدم رؤيته،هي رسائل تقول بشكل واضح للسعودية،لن نقبل بوصايتكم علينا من بعد اليوم،ولكن لا يعني بان تلك الدول قد تذهب بعيداً في استعداء السعودية.
نحن ندرك تماماً بأن السعودية والتي كانت تتحدث مرجعيتها قبل أسبوع على أن عيد الفطر السعيد يوم الأربعاء،اتخذت مثل هذا الموقف بإعتبار يوم الثلاثاء،يوم عيد الفطر السعيد،يأتي في إطار مناكفة مرجعية قم الدينية في طهران والتي اعتبرت من ناحية فقهية شرعية بأن عيد الفطر السعيد،سيكون يوم الأربعاء لتعذر رؤية هلال شوال.


بقلم :- راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة

4/6/2019
[email protected]