نميمة البلد: كيف يمكن معالجة فضيحة الوزراء؟

بقلم: جهاد حرب

كشفت فضيحة رفع رواتب الوزراء بإجراءات سرية عمق ازمة الحكم من ناحيتين الأولى في طريقة التعامل مع المال العام من قبل المسؤولين مستخدمين "واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" في غير محلها أي دون اعتبار للقانون، والثانية طريقة معالجة مثل هكذا فضيحة.

فالمسألة الأولى كشفت عن عورة حكومة تشدقت بالتقشف وجرمت العمل النقابي وحدت زيادة الرواتب للموظفين العاديين. ووفقا لتصريحات وزير المالية فإن 40% من موظفي السلطة الفلسطينية يقل راتبهم عن الفي شيكل فيما رواتب الوزراء وفقا للقانون تزيد عن ستة أضعاف رواتب الموظفين، دون احتساب للبدلات والمهمات والامتيازات التي يحصل عليها الوزراء، بكل تأكيد لا يحصل الموظف العادي على أي من هذه الامتيازات. أما مع الزيادة السرية للرواتب تصبح رواتبهم أزيد من عشرة أضعاف الموظفين الذين حرموا من غلاء المعيشة طيلة الحكومة السابعة عشر. الامر الذي يضاعف من فجوة الرواتب بين فئات الموظفين في السلطة الفلسطينية. 

كما فضحت طريقة الحصول على الزيادة السرية تفكير النخبة السياسية في البلاد التي ترى أن سيادة الرئيس أعلى من سيادة القانون أي الدفع للقبول بتعليمات أو موافقة مخالفة للقانون ما يثير أسئلة إضافية  تتعلق بالأمانة التي يتحملها الوزراء والقائمين على بيت مال الفلسطينيين "الخزينة العامة" من جهة، وضعف مفهوم المؤسسة الدولة الفلسطينية التي تغنها بها السياسيون الفلسطينيون تحت شعار "دولة المؤسسات وسيادة القانون".

أما المسألة الثانية فقد انتظر الشعب الفلسطيني على مدار أسبوع كامل لرؤية معالجة لهذه الفضيحة أي بمعنى آخر عدم الاقتصار أو القبول بالإجراءات الترقيعية التي اتخذت بوقف الاستمرار بالصرف فقط، أو اللامبالاة بالاعتماد على ان ذاكرة الشعب قصيرة وان الضجيج مجرد زوبعة في فنجان.

شخصيا لا اعلم عدد المستشارين الموجودين حول الرئيس أو وجود مستشار لإدارة الحكم يقدم النصيحة أو المشورة للرئيس للتعامل مع مثل هكذا أزمة أو غيرها من اعمال الإدارة العامة. وبما اننا لم نرَ وثائق تتعلق بكيفية تصرف الرئيس مع طلب بعض الوزراء، فيما عدا ما نشره رئيس الحكومة الفارطة على صفحته عبر الفاسبوك، أكانت الموافقة بناء على شرح هؤلاء الوزراء أم انه حصل على استشارة من بعض أو أحد مساعديه.

في ظني، لو كنت مستشارا للرئيس سأطلب أو أقدم له نصيحة بأن يتبنى عدة خطوات، لتقديم علاج شافٍ تنهي هذه الفضيحة التي باتت على كل لسان حتى المغضوب عليهما جسيون غرينبلات ونيكولاي ملادينوف ولكي لا تصبح أداة ضغط على السلطة الفلسطينية؛ تتمثل أولا: بمخاطبة الشعب الفلسطيني مباشرة والاعتذار عن سوء التقدير أو الخطأ سواء كان هذا التقدير مبني على ما قدمه الوزراء من شروحات في كتابهم أو بناء على تقديرات أحد مساعديه. وثانيا: إحالة ملف القضية الى النيابة العامة أو هيئة مكافحة الفساد رسميا لاتخاذ المقتضى القانوني في هذه القضية التي اثارت الرأي العام الفلسطيني وتحمل كل شخص مسوؤليته.

وثالثا: العمل على مراجعة جميع الامتيازات المالية والمادية التي يحصل عليها كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية خاصة بعد التسريبات المتعلقة بالحصول على بدل ايجار للوزراء، لتحديد الإجراءات والمتطلبات للحصول على أي من هذه الامتيازات وتقنينها بما يراعي الامكانيات المالية وحالة السلطة الفلسطينية.

ورابعا: مراجعة قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي والوزراء والمحافظين رقم 11 لسنة 2004 لناحية الغاء الامتيازات التقاعدية التي أَنتجتْ نخبة مُتكسبة على حساب الخزينة العامة، ووقف المحاولات المتكررة لبعض المتنفذين للسطو على هذا القانون، بإحالة النص الى قانون التقاعد العام تحقيقا للعدالة بين أصناف العاملين في القطاع العام.

وخامسا: انشاء لجنة وطنية لنزاهة الحكم للنظر في الترقيات والتعيينات في المناصب العليا. وسادسا: الطلب من مجلس الوزراء تبني مدونة سلوك أخلاقية للوزراء وفتح سجل للإفصاح عن الامتيازات والهدايا التي يحصل عليها الوزراء باعتباره أحد التطبيقات الأساسية لمدونات السلوك الأخلاقية، وكشف تصرف الوزراء بالمال العام.

ملاحظة: عدم تحرك منظمات المجتمع المدني في التصدي لفضيحة الوزراء حتى اليوم؛ يشير الى ضيق آفق النخبة المهيمنة في المجتمع المدني اذ ما بقيت تفكر أن هذه الفضيحة هي جزء من تصفية حسابات بين حركة فتح أو كوادرها ورئيس الحكومة الفارطة، غير آبه في تأثريها على نظام الحكم كما فعلت مع الانقسام وما تبعه من إجراءات للهيمنة على الفضاء العام من قبل السلطة التنفيذية وتصفية خصومها السياسيين والنقابيين. وهي بذلك تتخلى عن مهمتها الأساسية المتعلقة بجودة الحكم والدفاع عن حقوق المواطنين.

بقلم/ جهاد حرب