لم يهذ في الماضي كهذيانه ذات مساء حارّ، حينما كان ينتظر في محطّة القطارات قطاراً ليقلّه إلى بلدة بعيدة لزيارة صديقة من أيام الطفولة كانت تحل له مسائل رياضية صعبة.. جلس على مقعدٍ خشبي بجانب امرأة عجوز كانت تقرأ روايةً عن الحُبّ في زمن الجوعٍ لم تكترث له المرأة ظلت بنهم غارقة بين سطور الرواية.. شعر بألم في رأسه من حرارة الجو، وبات يرى كل شيء مختلف، رأى المرأة العجوز الجالسة بجانبه بتنورة قصيرة لونها أحمر، مع أنها كانت ترتدي بنطالَ جينزٍ، رأى من بعيد تمثالا لامرأة عاريةٍ، رغم أن التمثالَ يعود لامرأة بملابسها المحتشمة، رأى لون القطارِ أحمر، رغم أنّ لونَ كل القطارات، التي كانت متوقّفةً أزرق.. همسَ للمرأة التي بدأتْ تنعس وبيديها الرواية ألا تستحي امرأة مثلكِ أنْ ترتديَ تنورة قصيرة! نظرتْ المرأةُ صوبه واعتقدتْ بأنه مجنون، فتركته وراحتْ تجلس على مقعدٍ آخر، وبعد دقائق وصل القطارُ، فصعد إلى العربة، ونام في مقصورته، وجاءتْ المرأةُ ونبّهته وفالت له: هذا مكاني فلو سمحتَ، فنظر إليها وسألها متى تمكنت من استبدال تنورتكِ القصيرة ببنطال أزرق اللون، فنظرتْ المرأة صوبه، وقالت له أصلا أنا لم أكن أرتدي تنورةً قصيرة حمراء اللون، فيبدو أنكَ تهذي يا بُني، فصمتَ، وأجلسَها في مكانِها، ونامَ حتى الصّباح، وحين نهضَ قال لها: متى تمكنت من قصّ شعرك الشايب، فنظرت صوبه المرأة، وقالت له يبدو بأنك رأيت امرأةً أخرى، فأنا شعري أسود طويل ولم أقصصْه منذ سنوات، فقال يا للهذيانِ الذي أراه بكل الألوان، هلْ كل ما رأيته من حرارة الجوّ أم من طلباتِ زوجتي التي تهلكني كل يومٍ...
بقلم/ عطا الله شاهين