لماذا في البحرين؟؟

بقلم: اماني القرم

منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات وتلميذ خائب في السياسة والاقتصاد والتاريخ يحاولان يثبت لاستاذه أنه الوحيد القادر على ابتكار حللأكثر المشاكل عصيانا في العالم. ولأنه خائب لا يملك الا الكلام أخرج من الأدراج مجموعة حلولمسبقة فاشلة لتطبيقها. ولأنه خائب أيضاً إعتقد ان المشكلة لا تكمن في جوهرها بل في سياقها أي في الظروف التي تحيط بها،والحلول التي كانت فاشلة في الماضي ستنفع اليوم لأن السياقات تغيرت. بهذه الرؤيةخرج علينا "جاريد كوشنير"بفكرة عقد ورشة البحرين الاقتصادية على أساس أن التنمية  الاقتصادية للفلسطينييين من شأنها قيادة التوجه نحو تغيير سياسي. وهذا أمر ليس بجديد فقد كان "شمعون بيريس"الداهية قد أرسى هذا التصور في العام 1993 في كتابه "الشرق الاوسط الجديد". ولو كان بيريس حيًّا يرزق اليوم  لنصح كوشنير بأن السياق قد تغير فعلاً ولكن بصورة ضد الفكرة وليست معها .لأن تلك الايام التي حلم فيها بيريس بتنمية اقتصادية وشرق أوسط جديد كانت تحمل عملية سياسية فعالة برضى جميع أطراف المشكلة والحل الاقتصادي جاء تدعيماًوتعزيزاً للحل السياسي وليس العكس . فكيف يمكن ضخ استثمارات مالية في بيئة سياسية متحركة غير آمنة؟؟ أي عقل هذا الذي يقلب العلاقات المنطقية فيأتي بالنتائج قبل المسببّات . وبالمناسبة نتنياهو نفسه يعتنق رؤية الحل الاقتصادي ولكن مع الفارق أن نتنياهو لايبحث عن حل بل يريد إدارة للصراع تمنحه الوقت لخلق واقع جديد، وتهيئ الأجواء لحالة دائمة من اللاسلم واللاحرب وهي الاجواء التي يعيش عليها ويستمر حكمه.

لكن مايتبادر للذهن في خضم هذه الجعجعات (التي ستفشل حتما) لماذا اختاروا البحرين وليس غيرها؟هل لأن الدول الكبرى حينما تطرح رؤى لقضايا مستعصية تتجنب الظهور وتختفي وراء الوكلاء الصغار، فالفشل له ثمن باهظ كما للنجاح؟ ربما هذا هو أحد الأسباب. ولاشك أن هناك أسباباًجيوسياسية وجيهة لهذا الاختيار .

البحرينرغم أنها  اصغر دول الخليج والعرب مساحة وسكاناً،إلا أن موقعها الجغرافي كجزيرة في الخليج العربي وتركيبتها الديموغرافية لهما دلالات سياسية بالغة الاهمية، فهي تبعد عن إيران ثماني دقائق بالطائرة، و70% من سكانها هم من الشيعة وتقطن بها الجالية اليهودية الوحيدة في الخليج . وتمثل للسعودية عمقاً استراتيجياً ومجالاًحيوياً يضعها ضمن الدائرة الامنية الاولى . ولولا السعودية لما صمد حكم ال خليفة في العام 2011 . أما بالنسبة لواشنطن فهي تقع في قلب المصالح الامريكية في المنطقة لأن بها مقر قاعدة الاسطول الامريكي الخامس منذ العام 1948 ويتمركز فيها حوالي 8000 جندي امريكي. وتصنف بأنها حليف للولايات المتحدة من غير الناتو حيث أن الدول التي تحمل هذا التصنيف تتمتعبمميزات خاصة في عملية شراء الاسلحة الامريكية. وتدعم البحرين جميع السياسات الامريكية في المنطقة،وخطها السياسي يتبع السعودية جملة وتفصيلا.

ومنذ العام 2009  تظهر البحرين ميلاً انفتاحياًواضحاًعلى اسرائيل وتدعو على لسان حكامها ومسئوليها الى حوارات مباشرة والى انهاء المقاطعة العربية مع اسرائيل،  وزادت سرعة وتيرة هذا التطبيع خلال العامين الاخيرين تزامنا مع اعلانات ترامب  المتلاحقة حول القدس والقرن وصفقته!

وعليه، مابين ايران والسعودية فإن إختيار البحرين كدولة خليجية ثرية لها هذا التوجه النشط وهذاالخط السياسي من شأنه ان يمثل مركز جذب وإقناع للحاضرين لورشة الأمريكان الاقتصادية، وفي نفس الوقت رسالة للدولة الايرانية!

على العموم،دائماً ما يخدع الصمت، فحين تنقلب الطاولة فجأة لا يبقى من الخائبين سوى ذكراهم التعيسة  في سجلات التاريخ، وأية حلول لمعادلة أحد طرفيها غائب هي مهمة الحمقى.

بقلم/ د. اماني القرم