السودان... بين تصعيد الاحتجاجات والحلول التفاوضية؟

بقلم: فيصل علوش

يبدو أنّ الضغوط الدولية والإقليمية الساعية إلى إعادة طرفي الأزمة السودانية، إلى التفاوض والحلول التسووية قد أثمرت عبر تقديم كلٍّ منهما لبعض التنازلات التي يمكن أن تساهم في التهدئة وإعادتهما إلى مائدة الحوار، وسط مخاوف من أن يقود تأزيم الخلاف بينهما إلى «انزلاق السودان إلى الفوضى» وفتح الباب أمام القوى المتطرفة لاستثمار الوضع الأمني الهش، ودفع البلاد نحو مواجهات مسلحة تصعب السيطرة عليها، على غرار ما جرى ويجري في غير بلد عربي.

ولاحظ مراقبون أنّ المعركة السياسية الساخنة في السودان تدور بين طرفين ظاهرين هما؛ المجلس العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير، في حين أنّ هناك أطرافاً عدة خفية، بينها حركات وجماعات إسلامية متعدّدة الأطياف، قد يكون من مصلحتها الشدّ باتجاه الثورة المضادة وإثبات فشل عملية عزل الرئيس عمر حسن البشير، للتمكن من العودة إلى السلطة مجدّداً.

ضغوط للعودة إلى التفاوض

وبعد وساطة إثيوبية ممثلة للاتحاد الإفريقي ومدعومة من عواصم دولية وإقليمية عدة، قالت قوى «إعلان الحرية والتغيير» إنها ستعلق حملة العصيان المدني والإضراب العام بدءا من 12/6، وحتى إشعار آخر، وذلك بعد أن بادر المجلس العسكري إلى الإعلان بدوره عن أنه «فتح تحقيقاً بشأن سقوط قتلى في عملية فضّ اعتصام الخرطوم»، بعد أن عثر على «أدلة أولية ضد عدد من عناصر القوات النظامية الذين تم وضعهم في الحجز العسكري..». وهذا يعني اعتراف المجلس ضمنياً بمسؤوليته عن فضّ الاعتصام وإجراء تحقيق بشأن ذلك، وكان هذا شرطاً رئيسياً من ضمن شروط المعارضة للعودة إلى طاولة الحوار.

كما أعلنت مصادر عسكرية أن هناك اتجاهاً للإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين المنتمين لكيانات من قوى الحرية والتغيير. وكان هذا أيضاً أحد شروط قوى المعارضة للعودة إلى المفاوضات، إضافة إلى عودة الإنترنت وإتاحة الحريات العامة. ومن الواضح أنّ الغرض من هذه الخطوات هو تخفيف التوتر وتجاوز مخلّفات العنف الدموي الذي حصل، وكذلك التصريحات المتشدّدة الصادرة عن قيادات المجلس العسكري التي صبّت مزيداً من الزيت على النار، كتلك التي أعلن فيها وقف التفاوض مع قوى «الحرية والتغيير»، وإلغاء الاتفاقيات السابقة معها والتحضير لانتخابات خلال تسعة أشهر.

لعبة «عض الأصابع»!

وفي الواقع، فإن اللجوء إلى فضّ الاعتصام على النحو الذي تمّ، وما خلّفه ذلك من سقوط مئات القتلى والجرحى، قد أضعف قبضة «المجلس العسكري»، وأدّى إلى تراجع الدعم الإقليمي والدولي الذي كان حظي به، وأفضى إلى خسارته القدرة على التحكّم بزمام الأمور وتوجيه دفّة الحوار كما كان الأمر سابقاً.

وفي المقابل، حققت «قوى الحرية والتغيير»، جملة من المكاسب السياسية، ربما تكون قد أجبرت المجلس العسكري على التجاوب مع أغلب شروطها المعلنة، بعد أن ضاق أمامه هامش المناورة والمراوغات، وتفتّحت أنظار العالم جيداً على ما يجري في السودان.

فبعد المجزرة الدموية التي خلّفها فضّ اعتصام المحتجين عشية عيد الفطر (3/6)، بادر الاتحاد الأفريقي إلى اتخاذ قرار بمفعول فوري قضى بـ«تعليق عضوية السودان في المنظمة إلى حين إقامة سلطة انتقالية مدنية». وأدان العنف ضد المعتصمين، ودعا إلى «إجراء تحقيق فوري وشفاف» ومساءلة المسؤولين عن ذلك، فضلاً عن تسليم السلطة إلى المدنيين.

ولقي قرار «الاتحاد» ترحيب واشنطن والعواصم الأوروبية والأمم المتحدة التي كانت ندّدت بما جرى وبحملة القمع التي أعقبته، وهدّدت بفرض عقوبات على المسؤولين عن قتل المحتجين السلميين.

الدخول الأميركي

وبعدها دخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة مباشرة، عبر الإعلان عن زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون أفريقيا، تيبور ناجي، إلى الخرطوم ثم إلى أديس أبابا، في خطوة عكست في نظر المراقبين «إسناداً أميركياً للوساطة التي يقوم بها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد». وأعلنت الخارجية الأميركية (11/6)، أنها «تسعى مع الشركاء الدوليين لتحقيق السلام في السودان، وأن الشعب السوداني يستحق حكومة مدنية تعمل لصالحه». وأشارت إلى أنّ ناجي، «سيطالب بوقف الاعتداءات على المدنيين، وحثّ الأطراف على العمل لخلق جوّ يسمح بالعودة للحوار».

ويبدو أنّ واشنطن تعلّق أهمية كبيرة على مبادرة آبي أحمد لوقف التصعيد في السودان وحضّ الطرفين على العودة إلى مائدة التفاوض وإنهاء الاحتقان والتوصل إلى صيغة توافقية لحل الأزمة. وفي الوقت نفسه فإن زيارة المبعوث الأميركي المنتظرة «أعطت دفعاً وزخماً إيجابياً للوساطة الإفريقية».

بقلم/ فيصل علوش