للوهلة الاولى، قد يظن المرء ان من يملك القوة، يملك مفاتيح كل شيئ، واجبار عدوه على الرضوخ لطلباته مهما كانت، فالقوي تاريخيا يفرض رؤيته وبرنامجه على الضعيف، لكن هذا القوي مهما بلغت قوته لا بد من نقاط ضعف في جسده، تنهكه لاحقا.
ما قالته الكاتبة" إلاسرائيلية" "أوريت ليفيا-نشيئيل"، في مقالها بصحيفة" معاريف" العبريةعن المقاومة في غزة، يندرج في معرفة نقاط الضعف لمن ملك القوة والعمل من خلالها، وهذا ما اتقنته المقاومة في غزة، وتجيد السباحة فيه ليكون رزقها تحت ظلال انفاقها وطائرتها وصواريخها.
تقول الكاتبة إن "استمرار المواجهة مع غزة تعطي "الإسرائيليين" قناعة بأنها لن تغرق في البحر، وإنما كل" الإسرائيليين" هم من سيغرقون في بحر غزة؛ لأن وجود حالة من التهدئة في المواجهة مع غزة مسألة زمنية فقط، وعلى خلفية القمة الاقتصادية في البحرين وعشية إعلان صفقة القرن على "إسرائيل" أن تكون العربة التي تسحب القاطرة كلها، ولا يتم استدراجها إليها"، اذن وبرغم تضحيات غزة الا انها توجع الاحتلال باعتراف كتابها ومحلليها العسكرين ومفكريها، وهو ما كان ليحدث لو بقيت غزة صامته وراضية بالاحتلال.
صحيح ان الحصول على الكعكة كلها قد يغري البعض، ولكن ماذا لو كانت طعمها مر كالعلقم ويفتك بآكلها، وهو ما قالته الكاتبة الاسرائيلية التي تضيف:" بات ال"إسرائيليون "يخاطبون بعضهم بعبارة "اذهب إلى غزة" كناية عن عبارة "اذهب إلى جهنم".
لمن يستخف بتحليل الكاتبة فهي أي الكاتبة، مقدمة برامج سياسية في التلفزيون "الإسرائيلي"، وهي تمثل عينة وشريحة واسعة، وهي وطريقة تفكيرها نتاج لما هو واقع على الارض من خلال استمزاج الرأي العام في دولة الاحتلال.
وبنظر الكاتبة فان غزة هي مدرسة لتخريج المسلحين، وتتزامن مع تصريحات كوخافي رئيس جيش الاحتلال، ان لا حل مع غزة الا بالحرب البرية، هي استهلاك محلي وعلاقات عامة، لان ثلاث حروب عدوانية على غزة كانت نتيجتها فشل اهداف الاحتلال واهمها القضاء على المقاومة، وهو ما يعني نصر للمقاومة، واصلا اعادة احتلال غزة بات من الماضي، لان ثمن اعادة الاحتلال قد يطيح بدولة الاحتلال التي لا تقدر على تحمل الخسائر المتوقعة في صفوف جنود الجيش، وهو ما فهمته وادركته المقاومة.
وفي نهاية مقلها التحليلي، تحذر الكاتبة بانه إن لم نوجد حلولا لمعاناة أطفال غزة، فإن غزة ستبقى تلاحقنا، وبالتالي فهي لن تغرق في البحر كما يتمنى ال"إسرائيليون"، بل إن هؤلاء أنفسهم هم من سيغرقون في بحر غزة"!
ما سبق قد يظنه القارئ مبالغة وتهويل، لكن الحقائق على الارض تشير لذلك بشكل واضح، فمن كان يصدق يوما ان الفلسطيني الذي لم يجد يوما غير الحجر ليقاوم به، بات يملك صواريخ وانفاق وطائرات مسيرة تضرب عمق وقلب الاحتلال، ولا يخشى الفلسطيني ثمن ذلك، كون من أراد الحرية لا تأتيه على طبق من ذهب.
في كل الاحوال، ما عاد الزمن يعمل لصالح الاحتلال، وان بدا عكس ذلك، والا كيف نفسر هروبه من جنوب لبنان وغزة، وكيف نفسر عدم تفكيره الجدي بالتوسع واحتلال المزيد من الارض العربية، وهذه هي سنن الله في الكون، التي قضت بزوال الطارئ الدخيل وبقاء الاصيل المتجذر.
بقلم/ د. خالد معالي