بعد أربع سنوات ونيّف من عمر الحرب الإرهابية المدمّرة التي شنّها التحالف السعودي الأميركي على اليمن، فشل هذا التحالف في إخضاع وإعادة اليمن إلى بيت الطاعة ومنعه من أن يكون بلداً مستقلاً غير تابع له، ينتهج سياساته الاقتصادية والسياسية التي تحقق تطلعات شعبه في التنمية والعدالة الاجتماعية والانتماء لعروبته الأصيلة المجسّدة بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته ضدّ الاحتلال ورفض مشاريع الاستعمار لتصفية القضية لمصلحة كيان العدو الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، والتي تشكل صفقة القرن آخر نسخها.. هذا الفشل الأميركي السعودي كان بفضل الصمود الأسطوري للشعب العربي اليمني وإرادته المقاومة التي نجحت في إحباط الأهداف العسكرية والسياسية لقوى العدوان.. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل أنّ اليمنيين بقيادة أنصار الله واللجان الشعبية والجيش اليمني نجحوا في أوائل السنة الخامسة للحرب، في الانتقال من الدفاع إلى الهجوم وقلب المعادلات في الميدان، وبالتالي زيادة مأزق قوى العدوان التي باتت تغرق أكثر فأكثر في رمال اليمن التي تحّولت إلى مستنقع من الاستنزاف لهم… وتجلى الانتقال إلى الهجوم في نقل الحرب إلى العمق السعودي وتوجيه ضربات موجعة للمواقع السعودية، العسكرية والاقتصادية الحيوية، مما أدّى ويؤدّي إلى زيادة كلفة الحرب المادية والبشرية الباهظة التي تتحمّل أعباءها الرياض، التي تعتبر أكبر مشتر للسلاح في العالم..
التحوّل في ميدان المواجهة والانتقال من الدفاع إلى الهجوم جاء في أعقاب الصمود الأسطوري للجان الشعبية والجيش اليمني في محافظة الحديدة التي تعرّضت لسلسلة من الهجمات الشرسة من دول العدوان، التي حشدت فيها قدرات كبيرة في البر والبحر والجو إلى جانب قوات المرتزقة، غير أنها فشلت في تحقيق أيّ نصر في الميدان يمكنها من السيطرة أقله على الموانئ البحرية والمطار في الحديدة، بهدف حرمان أنصار الله والقوى الوطنية المقاومة من المنفذ الوحيد الذي تدخل منه المساعدات والمواد الغذائية والدواء، وغيرها من الاحتياجات الإنسانية، وبالتالي محاولة زيادة شدة الحصار الجائر والتحكم بدخول هذه الاحتياجات الإنسانية، واستخدامها وسيلة لفرض الشروط السعودية الأميركية على اليمنيين مقابل وقف الحرب ورفع الحصار الاقتصادي عنهم.. بعد هذا النجاح في إحباط هذه الأهداف لقوى العدوان في الحديدة ودخولها في حالة من التخبط والارتباك، واضطرارها إلى المناورة بالعودة إلى طاولة التفاوض في ستوكهولم.. وتوقيع اتفاق مع أنصار الله يقضي بانسحابات متبادلة متزامنة ومتساوية من خطوط المواجهة، وإشراف الأمم المتحدة على الموانئ والمطار، لمراقبة دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والتأكد من أنه ليس هناك أسلحة تهرّب إلى أنصار الله، وثم انقلاب أطراف العدوان على الاتفاق، انتقل أنصار الله والجيش اليمني واللجان الشعبية من الدفاع إلى الهجوم، مستفيدين من حالة اليأس والإحباط التي باتت تسود صفوف قوى العدوان، وظهور التناقضات بين أطرافها وحالات التمرّد والتذمّر وانضمام الكثير من ضباط جيش هادي الى انصار الله والجيش اليمني على اثر انشقاقهم.. وترافق ذلك مع تزايد النقمة الشعبية في الجنوب احتجاجاً على الممارسات التعسّفية السعودية الإماراتية.. كلّ ذلك حصل بعد وصول قوى العدوان إلى طريق مسدود في ميدان القتال.. وفي ذات الوقت نجاح أنصار الله والجيش اليمني في تطوير صناعة أسلحتهم الصاروخية والطائرات المسيّرة بقدراتهم الذاتية.. والإعلان بأنّ العام الخامس للحرب سيكون عام الانتصارات..
وتجسّد هذا الانتقال من الدفاع إلى الهجوم بالتالي…
ـ تنفيذ هجمات واسعة في محافظة الضالع الجنوبية وفي المناطق السعودية القريبة من الحدود اليمنية وتحقيق تقدّم كبير فيها تجسّد في السيطرة على العديد من المناطق الهامة فيها في الضالع وداخل الأراضي السعودية…
ـ قصف احتفال عسكري لجماعة عبد ربه منصور هادي بوساطة طائرة مسيّرة ما أدّى إلى مقتل وجرح عدد كبير من الضباط والجنود الذين كانوا متواجدين على منصة الاحتفال، بينهم قائد عسكري كبير من أركان جيش هادي.
ـ نقل الحرب إلى العمق السعودي بقصف مراكز حيوية بالطائرات المسيّرة، بدأت قصف مضخات أنابيب النفط قرب الرياض، وبعد ذلك قصف المطارات العسكرية في أبها وجيزان وغيرها، بوساطة الطائرات المسيّرة والصواريخ، والتي تستخدم منطلقاً لشنّ الغارات على اليمن، ونجاح الطائرات المسيّرة في إخراج مطاري أبها وجيزان من الخدمة ووقف ضخّ النفط في أحد أهمّ الأنابيب لمدة لأيام…
ـ إعلان أنصار الله واللجان الشعبية أنّ عمليات القصف في العمق السعودي للمطارات والمراكز الحيوية تشمل 300 هدفاً تمّ تحديدها في سياق العمل على فرض معادلات ردع لفرض فكّ الحصار الإجرامي على اليمن ووقف قصف البنى والمطارات والموانئ والمراكز المدنية الحيوية، وهذه المعادلات الردعية تقوم على قاعدة.. المطارات بالمطارات والمناطق الحيوية مقابل المناطق الحيوية، حتى يرضخ حكام السعودية ويتوقفوا عن مواصلة حربهم الإجرامية المدمّرة على اليمن واليمنيين..
على أنّ هذا التطوّر في انتقال اليمنيّين من الدفاع إلى الهجوم، ونجاحهم في نقل الحرب إلى العمق السعودي وضرب مواقع عسكرية ومنشآت حيوية داخل المملكة وإلحاق أضرار فادحة فيها، أدّى وسيؤدّي الاستمرار فيه إلى تحقيق جملة من النتائج الهامة التي تفاقم مأزق النظام السعودي وحلفائه من قوى العدوان على اليمن..
أولى النتائج.. في مقابل رفع معنويات اليمنيين وزيادة إيمانهم بقدرتهم على إلحاق الهزيمة بأطراف العدوان، وتحقيق النصر عليها، سيكون هناك المزيد من التراجع والانهيار في معنويات جيوش العدوان والمرتزقة وتزايد اليأس والإحباط والقناعة لديهم بعدم إمكانية تحقيق أيّ هدف من استمرار هذه الحرب.. أما النتيجة الثانية فإنها ستكون زيادة خسائر السعودية، المادية والبشرية، بشكل مضاعف عما كانت عليه في السابق، نتيجة تنامي القدرات العسكرية والقتالية لليمنيين.. والنتيجة الثالثة ستكون تعزيز الموقف السياسي والتفاوضي لأنصار الله في مقابل إضعاف موقف قوى العدوان، وكلما زاد منسوب التكلفة السعودية للحرب والنجاحات التي يحققها أنصار الله في الداخل السعودي براً وجواً، كلما أضعف ذلك أكثر موقف الرياض على طاولة المفاوضات.. ولهذا فإنه لن يكون أمام أطراف العدوان سوى التسليم بالفشل والمسارعة إلى وقف حربهم التي انقلبت عليهم وبات استمرارها يقودهم إلى مزيد من الغرق في مستنقع الاستنزاف اليمني، والذي ستكون عواقبه وتداعياته الاقتصادية والسياسية وخيمة على أطراف العدوان..
هكذا بات اليمنيون يصنعون بصمودهم وإرادتهم المقاومة التي ترفض الاستسلام والخضوع، النصر تلو النصر، ويقلبون المعادلات، ويحدثون التحوّلات الهامة في الحرب، التي ستكون لنتائجها انعكاسات هامة تعزز خط المقاومة والتحرّر في الوطن العربي وعموم المنطقة.. وتجعل من اليمن قلعة تحررية تشعّ على الخليج، تزعزع وتخلخل بنيان أنظمة التبعية لقوى الاستعمار الأميركي الغربي…
بقلم/ حسن حردان