يتجنّب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذهاب للردّ على إسقاط الطائرة الأميركية من قبل ايران.. ويعتبر الأمر نتيجة خطأ بشري.. أو أنّ الردّ سيكون غير متناسب.. وهذا عزز القناعة بأنّ ترامب لا يريد الانزلاق إلى حرب مع إيران لأنه يدرك عواقبها.. من النواحي العسكرية والسياسية وقبل ذلك تكاليفها المادية الكبيرة.. فهو إلى جانب خوفه وقلقه من أن تؤدّي الحرب إلى تعريض المصالح والقواعد والبوارج وحاملات الطائرات الأميركية الى أضرار كبيرة، وتعريض «إسرائيل» للخطر والدول النفطية التابعة لواشنطن.. فإنّ الحرب ستكبّد أميركا خسائر مادية كبيرة عدا عن خسائرها البشرية.. وهو ما لا يريده ترامب بل إنه يحرص على أن يحصل على المزيد من الأموال نتيجة التوتر مع إيران عبر تحميل الدول الخليجية أعباء نشر القوات الأميركية في الخليج وبحر عُمان بداعي حماية وضمان استمرار تدفق إمدادات النفط، التي ستكون معرّضة للتوقف إذا ما اندلعت حرب مع إيران التي تملك من القدرات والامكانيات ما يجعلها قادرة ليس فقط على توجيه ضربات موجعة للسفن وحاملات الطائرات الأميركية في الخليج ومضيق هرمز.. بل وأيضا وقف مرور ناقلات النفط، لا سيما أنّ اسقاط الطائرة الأميركية المتطورة يؤشر إلى قدرة إيران العسكرية.
فالطائرة مجرد اختراقها السيادة الإيرانية تمّ إسقاطها في مؤشر قوي على قدرات إيران وجاهزيتها واستعدادها للتصدي لأيّ اعتداء او خرق لسيادتها وأمنها، وأنها لا تهاب او تخاف القوة الأميركية والدخول في حرب معها إذا ما فرضت عليها…
صحيح أنّ أميركا أقوى دولة في العالم وهي تستطيع أن تبدأ الحرب لكنها لا تضمن تحقيق النصر فيها وتجنّب مخاطرها الكبيرة وأكلافها الباهظة، خصوصاً انّ تجارب أميركا في كلّ حروبها من فيتنام إلى العراق وأفغانستان وغيرها كلها تؤكد الفشل وهزيمة القوة الأميركية أمام مقاومة الشعوب.. فكيف والحال مع إيران الثورة.. ولهذا فإنّ حديث «نيويورك تايمز» عن انّ السفن والطائرات الأميركية كانت جاهزة لتوجيه ضربات لإيران، لكن لم يترجم ذلك إلى عمل عسكري في الاعتداء على إيران.. نتيجة تحذير البنتاغون من الأضرار التي ستلحق بالقوات الأميركية، مما دفع ترامب إلى إلغاء قرار اتخذه بمهاجمة أهداف إيرانية رداً على إسقاط الطائرة الأميركية.. ولهذا يمكن القول إنّ إيران بإسقاط الطائرة الأميركية رسمت خطوطاً حمراء لأيّ تعدّ أميركي على سيادة واستقلال إيران…
هذه الرسالة الإيرانية بالنار تضاف إلى سلسلة الرسائل الأخرى غير المباشرة التي وجهتها إيران لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنما تؤكد بأنّ إيران ليست دولة ضعيفة يمكن لواشنطن استسهال ضربها وفرض المشيئة الأميركية عليها، وأنّ من يلعب بالنار معها سيحترق بنارها.. وإذا كانت محاولة الطائرة الأميركية اختبار الجاهزية الإيرانية ومدى جرأة إيران فإنّ واشنطن تأكدت من أنّ ايّ اعتداء على إيران لن يكون نزهة ومن دون ثمن.. فكيف إذا ما اندلعت الحرب معها فإنّ المنطقة كلها ستشتعل ولن يكون أحد بمنأى عنها…
ومن دون شك فإنّ حادث إسقاط الطائرة أسهم في ردع إدارة ترامب من التمادي والذهاب إلى توجيه ضربات لإيران بعدما سمع نصائح وتحذيرات من مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية وقادة الكونغرس الأميركي بضرورة تجنّب مخاطر الانزلاق إلى مستنقع الحرب مع دولة تملك قدرات كبيرة قادرة على توجيه ضربات قوية ومؤلمة للقوات والقواعد الأميركية في الخليج، إنْ كان في البحر أو في البر، إلى جانب أنّ أيّ حرب ضدّ إيران سوف تشمل المنطقة كلها، بما فيها كيان العدو الصهيوني، لأنّ أطراف محور المقاومة لن تقف تتفرّج وتبقى مكتوفة الأيدي من دون أن تردّ وبقوة بضرب كيان الاحتلال الصهيوني والقواعد الأميركية في سورية والعراق.. وهو ما أكد عليه قائد المقاومة السيد حسن نصرالله في يوم القدس العالمي..
كلّ هذه الأسباب، ومعها خطر توقف تدفق النفط من المنطقة وما يعنيه من ارتفاع أسعار النفط وخسائر كبيرة ستصيب الاقتصاد العالمي وخصوصاً اقتصاد الولايات المتحدة والدول الغربية، هو الذي كان حاضراً في نقاشات البيت الأبيض، خلال اجتماع الرئيس ترامب مع مستشاريه العسكريين والأمنيين وقادة الكونغرس والذي عكس انقساماً وتخبّطاً إزاء القيام بتوجيه ضربات محدّدة لبعض المواقع في إيران، وانعكاسات ذلك على أمن القوات الأميركية في مضيق هرمز والخليج عموماً.. ولهذا اضطر ترامب إلى إلغاء قراره بالردّ على إسقاط الطائرة الأميركية وأوجد لنفسه التبرير والمخرج للتراجع بزعم، انّ الردّ لن يكون متناسباً مع إسقاط طائرة غير مأهولة وأنه لم يعط أمراً بتوجيه ضربات في إيران.. لكن حقيقة الأمر انّ خوف ترامب ليس على وقوع ضحايا إيرانيين في حال قام بالردّ، وإنما خوفه من الردّ الإيراني على عدوانه، إنْ حصل، من أن يؤدّي إلى مقتل أعداد كبيرة من الجنود الأميركيين وبدء تشييع جنازاتهم في واشنطن، وبالتالي التأثير سلباً على شعبيته وتراجع احتمالات فوزه بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.. لهذا كله يمكن القول بأنّ إيران رسمت خطوطاً حمراء للولايات المتحدة.. ممنوع انتهاك السيادة الإيرانية، وايّ انتهاك أو اعتداء على الأراضي الايرانية سيواجه مباشرة بالتصدي والردّ القوي من دون تردّد، وأيضاً لن نقبل بالتفاوض مع واشنطن لإنه ليس هناك مصداقية لديها بعد أن انسحبت من الاتفاق النووي الذي وقعت عليه، فيما هي تشنّ حرباً اقتصادية على إيران.. وإذا كانت واشنطن تريد التفاوض الندّي، فعلى إدارة ترامب اولاً ان تعود إلى الاتفاق النووي وتنفيذ التزاماتها فيه، وبالتالي وقف حربها الاقتصادية، بعدها يمكن أن تدرس طهران قبول أو عدم قبول التفاوض مع واشنطن..
في الخلاصة نجحت إيران في تلقين الولايات المتحدة درساً وإفهامها بضرورة التزام حدودها، واحترام سيادة إيران واستقلالها…
بقلم/ حسن حردان