من كارثة إلى مصيبة إلى مأزق ، العرب يتخبطون في هذا المشرق ، المآسي من الداني إلى القاصي لهم تلاحق ، حتى ضاقت ما احتوته عن مشاكلهم مجلدات لتضاف ألاف الملاحق ، تحكي بالكلمات كاشفات الواضحات فوضي التدبير ومعيشة يشعر معها الضنك بالضيق ، الظلم لزحف أي انفراج يسبق ، والحقد سائح أينما اتجه الاتجاه واجد ما لسمومه جرعة مضافة لغاياته تليق ، نوم مفرط أصاب كل مصاب فيروسه لوظائف العقل سارق ، فلا حركة سوى انحناء الحبين لمن يوزع في المناسبات الدينية على النكساء صنفا من الدقيق ، ملوث بالمذلة مُطعَّم بمسحوق مرق ، مستخلص من خشية أي حاكم جائر أرسل مََنْ لباب أي دار طارق ، قبل ركلها بلا استئذان (عفوا) بلا حياء ليتم الإعلان بكل فخر أن زمن الكرامة وعهد الشرف ووقت العدالة كل ذلك مضغوط بعضه لبعض قد احترق ، شعوب مسلَّط عليها من يتقن تصريف عوامل الاختناق، مكبلة بآفتك الآليات إن لم تخضع لما يحاك ضدها بالمُطلق، ضاعت القوانين فلم يعد يُسمع للمبادئ والقيم حتى الأنين لتعطيل مفعول الحق ، هكذا هو الشرق ، إن اللسان بالصدق نطق ، الغني فيه مُباع والضعيف وسطه يردد مع الخرفان "بَاع" وكل أخذ بالحسنى مهدد بالانقطاع ليشمل القلب والعقل وباء الافتراق ، فلا حب ولا عطف ولا وئام ولا وفاق ، سوى الكتمان بالصمت المطبق ، والانصراف قبل الحضور لمن ينوي عل تغيير المنكر او القيام بما هو أعمق ، حتى لا يصبح في دائرة إعلام حكام ملقبا بالأحمق ،
... من يبكي في المنفى أو الخفاء على مُرسي للسِّيسي في الداخل علانية كلَّت يداه بالتصفيق ، ظاهرة لا تزكي أي منافق، لكنها جرس يرن أن الآتي حامل بمفصل قاطع بين مرحلتين إحداها شبيهة بوقائع الأمويين والعباسيين وأخراها البداية من الصفر ومصر معروف عنها ذلك منذ القدم إلى ما شاء الخالق .
... القاهرة ما عرفت ازدحاماً على كسب الرغيف مثل الحاضر المُعاش لتدني القدرة الشرائية المكتوي بها عامة الشعب المصري العظيم المحترم عن جدارة واستحقاق ، الأقدر على التحمل والتجلد والصبر والقبول بأقل رزق ، لا يغرنَّك ما تشاهد في المسلسلات الرمضانية وغيرها الناقلة مناظر حارات شعبية معينة إذ الأمر أسوأ عشرات المرات من حيث الإهمال وعدم تكافؤ الفرص وكل سلبيات التهميش والإقصاء وعدم احترام جيل كامل من براعم مصر "أم الدنيا" وأكبر دولة عرب المشرق ، ومتزعمة الحلم العربي إن وَجَدَت لمعايشته على أرض الواقع طريق . فبدل تبديد الأموال الطائلة على التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للسودان وليبيا تبقى تلك الحارات أولى بها وبما تكدس داخلها من بشر هم جزء لا يُستهان به من كرامة مصر وشرفها وأولوية من أولويات انشغال حكومتها إن أرادت أن تكون لكل المصريين أينما قضت الأقدار وفرضت ظروف لم يختاروها أن يناموا داخل أكواخ غير صالحة للسكن الآدمي أصلا أو على حيد طريق .
... رحم الله الدكتور مرسي وحفظ الباري جل علاه الحي القيوم ذي الجلال والإكرام كل القابعين في سجون النظام من المعارضين أصحاب رأي يصب في الوفاء لمصر مهما كانت عقائدهم الدينية أو اتجاهاتهم الفكرية أو مواقفهم المبدئية من قضايا تهم مصالح بلدهم حسب اجتهادهم البعيد كل البعد عن الإضرار بوطنهم المعبرين بفخر عن انتمائهم إليه من أعماق الأعماق .
... إجمالا السجناء آدميون حتى هؤلاء الذين تعرضوا لعوامل متباينة الخطورة مقترفة من طرفهم أو ساهموا بكيفية أو أخرى في انجازها على أرض الواقع بالحجج الدامغة والأدلة غير القابلة لتسرب أدنى شك لمضامينها ممّن حرمتهم متعة الحرية وأبقتهم داخل زنازين معدة لمثل العقاب لغاية خروجهم من نفس المحنة بصحة جيدة ذهنياً وجسدياً للانسجام من جديد في بيئتهم المجتمعية بصورة طبيعية، والدولة مسؤولة عما يتصل مباشرة بحياتهم اليومية أكان غذاءً أو شُرباً أو متابعة ًطبية أو توفيراً للدواء المخصص لشفاء المرضى منهم او السماح للعوائل بزياراتهم المنتظمة ، دون ذلك تتعرض نفس الدولة للمساءلة القانونية ما دام هناك تشريعات واتفاقيات دولية صارمة تحصِّن حقوق الإنسان السجين بتطبيق عدة إجراءات تذكر الجميع أن للإنسان (مهما كان وتحت أي ظرف تعرض له من تلقاء نفسه أو مُرغما لاعتبارات قد نفصلها حسب أهميتها لاحقا) كرامة وعزة نفس من المفروض مساعدته للحفاظ عليهما حتى وإن صدر في حقه حكم الإعدام بعد محاكمة عادلة متوفرة على كل الشروط المؤدية لتقبُّلِ الحكم بموضوعية وراحة بال المهتمين المتخصصين في الميدان المحليين الوطنيين منهم أو العالميين، من لحظة إعلان القاضي عن تلك العقوبة القاسية (التي لا زالت مصر الرسمية تتعامل بها) إلى آخر خطوة يخطوها صوب المكان المُعد لشنقه أو رميه بالرصاص .
في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المعتمد والمعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966 تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة49، حيث جاء في ديباجته ما يلي :
"إن الدول الأطراف في هذا العهد، إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل، وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم،وإذ تقر بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، وإذ تدرك أن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى المتمثل، وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في أن يكون البشر أحرارا، ومتمتعين بالحرية المدنية والسياسية ومتحررين من الخوف والفاقة، هو سبيل تهيئة الظروف لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية، وكذلك بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،وإذ تضع في اعتبارها ما على الدول، بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، من الالتزام بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته،وإذ تدرك أن على الفرد، الذي تترتب عليه واجبات إزاء الأفراد الآخرين وإزاء الجماعة التي ينتمي إليها، مسئولية السعي إلى تعزيز ومراعاة الحقوق المعترف بها في هذا العهد" .
... لنستقرئ مواد هذا العهد ونقارن بما يحدث في دول مشرقية ومنها مصر لنعلم الفرق ، بين مستوى الواقع واللاواقع والكم الثقيل بين التخطيط للمستقبل والانزواء العقيم لنفس الحال الحالي الجد مقلق . (للمقال صلة)
بقلم/ مصطفى منيغ