تراجع ترمب عن ضرب إيران يدخل المنطقة في اختبار صراع الإرادات!

بقلم: علي ابوحبله

تصريحات الرئيس الأميركي حول إلغائه الضربات التي كانت مقرّرة لثلاثة مواقع في إيران قبل عشر دقائق من تنفيذها، تحمل رسائل ، مُوجّهة إلى قاعدته الانتخابية، هدفها التأكيد أن الرئيس يفعل ما باستطاعته لتجنّب التورّط في حرب جديدة في الشرق الأوسط بعد حروب أفغانستان والعراق.

رونالد ترامب، يسعى جهده بتأمين أفضل الشروط لإعادة انتخابه لولاية ثانية، ويدرك التداعيات الكارثية لمغامرة عسكرية كبرى مجهولة النتائج على فرضية القيام بذلك. والرسالة الثانية هي المزيد من الضغط المعنوي والسياسي على إيران لدفعها إلى التراجع عن مواقفها من عملية التفاوض مع إيران ، وإبداء الاستعداد للتجاوب مع عروضه للتفاوض.

الرئيس الأميركي في ورطة لا يعرف كيفية الخروج منها بعد. هو لا يريد صراعاً عسكرياً مباشراً على الرغم من شروعه في حرب اقتصادية وسياسية وإعلامية ضدّ طهران من أجل إخضاعها لشروطه، التي تعني في الواقع استسلاماً كاملاً من قِبَلها.

الموقف الإيراني مبني على إستراتجية التحدي ومواجهة الضغوط الامريكيه والمبادرة إلى الصدام المباشر مع القوات الأميركية عبر إسقاط إحدى طائراتها، وهذه وضعت إدارة ترمب في موقف بالغ الصعوبة. ومما يزيد من صعوبة موقفه الانقسام داخل المؤسسة السياسية الأميركية بين مؤيدين لرد فوري على إيران، يتمنى بعضهم أن يفضي إلى مواجهة عسكرية، ومعارضين له بسبب احتمال التدحرج نحو مثل هذه المواجهة.

مقابل ما يراه الإيرانيون «انتصاراً نسبياً» أتت به التطورات، يتسع المأزق في واشنطن، ولا تتوقف تداعياته على معادلات الردع وعلى الحلفاء في الإقليم، بل تمتدّ إلى الجانب الاقتصادي حيث سجّلت أسعار النفط الأميركي ارتفاعاً بمقدار 10% خلال أسبوع فقط. من هنا، فان أهمية اتصال ترامب مع ولي العهد السعودي ، محمد بن سلمان، والذي بحثا خلاله «الدور الحيوي للسعودية في ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط وفي سوق النفط العالمية، والتهديد الذي يشكله السلوك التصعيدي الذي ينتهجه النظام الإيراني»، وفق إفادة البيت الأبيض أمس.

تقول صحيفة واشنطن بوست الامريكيه ان قرار ترامب التراجع جاء تتويجاً لـ 24 ساعة محمومة ومليئة بالاضطرابات والتناقضات والحيرة لدى الكونغرس والقلق الواضح في أوساط خبراء الأمن القومي من أن الإدارة قد تنزلق عن غير قصد إلى صراع دامٍ في الشرق الأوسط لطالما وقف ترامب ضده.

10 دقائق فقط كانت تفصل إيران عن هجوم أميركي ليل الخميس ــــ الجمعة، قبل أن يُغيّر حاكم البيت الأبيض رأيه، حتى لا يتسبّب بمقتل 150 شخصاً، وهو ما لا يصلح أن يكون «ردّاً متناسباً» على إسقاط إيران لطائرة غير مأهولة، وفق دونالد ترامب. تطوّر يشكّل علامة فارقة ستسهم في تحديد معالم المرحلة المقبلة، إن كانت حرباً أو مفاوضات

ما جرى في الساعات الماضية يضعه الكاتب الإيراني، حسن هاني زاده، في إطار «مرحلة التقييم الأميركي للقدرات العسكرية الإيرانية»، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار اللبنانيه » أن «أميركا أنهت هذه التجربة بتسيير طائرة غلوبل هوك المتطورة جداً، معتقدةً أن الرادار الإيراني لن يلتقطها»، لكن «الخطأ في الحسابات»، والذي تمثل في إسقاط تلك الطائرة بمنظومة دفاع جوي «متأخرة نسبياً»، دفع إدارة ترامب إلى «عدم الإسراع في الرد على طهران»، مُعللاً ذلك بـ«اقتراب ترامب من معركة الرئاسة الأميركية العام المقبل، فضلاً عن دنوّ موعد مؤتمر البحرين الذي سيعقد لتمرير صفقة القرن». على هذه الخلفية، يرى المحلل السياسي الإيراني، حسين رويوران، أن «ما حدث في اليومين الماضيين ذهب بالحل العسكري بعيداً»، مستشهداً في حديثه إلى «الأخبار» على ذلك بـ«حالة اختبار القوة والتفاوت في الإرادات الذي أثبتت إيران نفسها فيه عندما جعلت أميركا تعيش في هذا التخبط».

وفي السياق ذاته، زعمت صحيفة "هآرتس" نقلا عن مصادر في الاستخبارات الإسرائيلية والغربية، أن إيران تسعى لتصعيد صراعها مع الولايات المتحدة، ومن الممكن أن تختار المناطق الحدودية مع إسرائيل كمسرح جديد لزيادة التصعيد. ولفتت الصحيفة إلى أن "التقييم الاستخباراتي يشير إلى خيبة أمل إيرانية؛ بسبب الفشل في إجبار الولايات المتحدة على إعادة النظر في العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، التي أدت إلى خنق الاقتصاد الإيراني والتسبب في أزمة داخلية خطيرة".

وتعتقد الاستخبارات الإسرائيلية والغربية أن إيران تتجه للتصعيد، بهدف إفشال ترامب في حملته الانتخابية تحضيرا للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني 2020.

هذه المعطيات تعني أن أوساطاً وازنة في محيط الرئيس وبين حلفائه الإسرائيليين والسعوديين والإماراتيين، ستسعى باستمرار إلى دفعه للصدام مع إيران. تستند هذه الأوساط إلى حقيقة أن التجرّؤ الإيراني على إسقاط طائرة أميركية من دون ردّ سيشكّل ضربة كبيرة لهيبة الولايات المتحدة وموقعها على الصعيد العالمي. ستشجّع هذه السابقة روسيا والصين، وحتى كوريا الشمالية وفنزويلا، على المزيد من تحدّي السياسة الأميركية من دون الكثير من الاكتراث بتحذيرات واشنطن وتهديداتها. وهي ستُفسَّر من قِبَل الحلفاء على أنها دليل ضعف وخوف من الصدام مع إيران، التهديد الوجودي في نظرهم، مما قد يحدو ببعضهم ــــ كإسرائيل ــــ على الإقدام على خطوات استفزازية تعجّل بمواجهة شاملة، أو محاولة التفاوض سرّاً مع إيران، كما يمكن للدول الخليجية أن تفعل إذا اقتنعت بأن الولايات المتحدة ليست في صدد اللجوء إلى القوة ضدها. مشكلة جميع أطراف «حزب الحرب» داخل الولايات المتحدة وخارجها مع الرئيس الأميركي أنهم لا يملكون تصوّراً مقنعاً لمواجهة سريعة وحاسمة مع إيران.

مع تصاعد التوتر وتعاظم احتمالات الحرب ، باشرت عدة جهات دولية، بينها اليابان وفرنسا، السعي إلى التوسّط لوقف «التصعيد». لم يتضح حتى اللحظة نجاح أيّ من هذه المساعي. في مثل هذا السياق، ما هي الخيارات المتاحة أمام ترامب، والتي لا تقود إلى حرب كبرى ولا تؤدي إلى تراجعه وفقدان صدقيته؟ يعتقد البعض أن قيام الولايات المتحدة، أو إسرائيل نيابة عنها، باستهداف مواقع إيرانية في سوريا والعراق، وليس في إيران، قد يتيح حفظ ماء وجه الرئيس الأميركي، من دون أن يستدرج رداً إيرانياً. ليس هناك ما يؤكد دقة مثل هذه التوقعات. ولكن، حتى لو صدقت، فإن استمرار سياسة خنق إيران اقتصادياً والحشد العسكري الأميركي في جوارها، يبقيان الوضع في المنطقة على حافة الهاوية.

بقلم/ علي ابوحبله