ورشة المنامة خطوة نحو تصفية القضية الفلسطينية

بقلم: ماجد الزبدة

يستشعر الفلسطينيون خطراً كبيراً من انعقاد ورشة المنامة التي تُمهّد لتنفيذ صفقة القرن الأمريكية في شقها الاقتصادي تحت عنوان " الازدهار من أجل السلام"، وتنبع المخاوف الفلسطينية من تجاوز المشاركين للحقوق والثوابت الفلسطينية وفي مقدمتها قضايا القدس واللاجئين والحدود وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وهي حقوق توارثتها الأجيال الفلسطينية وأجمعت عليها كافة ألوان الطيف السياسي الفلسطيني.

وبينما تُقاطع السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة على حد سواء الورشة وتراها سيفا مُسلطاً على الحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، فهي تُجمِع على هدف معلن وواضح، ألا وهو إسقاط المشروع الأمريكي الذي يُقدّم المال مقابل تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي الصهيوني وإقامة علاقات سياسية واقتصادية مع دولة الاحتلال، وتشييد تحالف عسكري وأمني معها على حساب الحقوق الفلسطينية التي أقرتها القرارات والمواثيق الدولية، وإلغاء حق العودة الفلسطيني وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم داخل مخيمات اللجوء والشتات.

وفيما رأى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن الأنظمة العربية ستقدم في الورشة غطاءً سياسياً لنسف قرارات الأمم المتحدة ومصادرة الحقوق الفلسطينية والعربية وتبديد حق الفلسطينيين في العودة من خلال توطينهم في الدول المضيفة بما ينسف مبرر وجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، مؤكداً أن ورشة المنامة تحمل جملة من المؤشرات الخطرة، فهي تشكل الهدف الجوهري والمقصود "تحقيق السلام الاقتصادي" وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية في مقابل مصادرة الحقوق الوطنية الفلسطينية التي أقرتها الأمم المتحدة، مؤكداً أن الورشة تُعد مِفصلاً أساسياً وجوهرياً من مخطط تصفية القضية الذي يحمل زوراً صفة "الصفقة"، وأن الحضور العربي يشير إلى فقدان الأنظمة الرسمية العربية لإرادتها، وفقدانها البوصلة التي تتصل بأولوياتها، وتعكس عجزها عن مواجهة السياسة الأمريكية الإسرائيلية، فهي تُقاد إلى الورشة وهي مَن عليها أن تدفع الثمن وتحثّ الخُطَى بأسرع ما يمكن لتطبيع العلاقات وتوسيع التعاون مع دولة الاحتلال، وفي ذات الوقت ممارسة الضغط على الفلسطينيين لتبديد الهوية الفلسطينية والتنازل عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ونسف المرجعيات القانونية الدولية الضامنة للحق الفلسطيني.

أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة فقد أشار أن حالة التراجع والانهيار العربي ودخول المنطقة العربية في مواجهات طائفية أشغلت الشعوب والدول العربية عن القضية الفلسطينية وعدالتها، مُنوّهاً إلى أن استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني وفّر توقيتاً مثالياً للإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال لتمرير صفقة القرن، ومؤكداً أن فشل المصالحة الفلسطينية شجّع العديد من الأنظمة العربية كي تصبح جزءاً من المشاريع المشبوهة التي لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية.

من ناحيته فقد رأى الخبير في الأمن القومي إبراهيم حبيب أن تقديم الولايات المتحدة ودولة الاحتلال مشروع تعزيز المناخ الاستثماري في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يستهدف الفلسطينيين بقدر ما يستهدف إسالة لُعَاب مصر والأردن على عشرات المليارات التي ستُضَخ في موازنتَيْهما في وقت تُعاني فيه الدولتان من مشاكل اقتصادية جوهرية.  

وحذّر حبيب من مخاطر نجاح ورشة المنامة خصوصاً في ظل مشاركة مصرية أردنية إلى جانب السعودية والإمارات الداعمتين لصفقة القرن الأمريكية، محذِّرا من أن تعاطي مصر والأردن مع مُخرجات الورشة يشكل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية سيما وأنهما الدولتين الفاعلتين جغرافياً في مستجدات الواقع السياسي الفلسطيني المحتمل ضمن الصفقة التي تُحاول تجاوز الحالة الفلسطينية عبر التعامل العربي المباشر مع دولة الاحتلال، وهذا ما بدت ملامحه ظاهرة من خلال موجة التطبيع الخليجية غير المسبوقة والتي رافقتها حملة شيطنة للفلسطيني في محاولة لتثبيت اغتصاب دولة الاحتلال للأرض والحقوق الفلسطينية.

وفيما يتمسك الفلسطينيون بحقوقهم التي أقرتها القرارات والمواثيق الدولية، فإنهم يشككون في نوايا الإدارة الأمريكية التي أعلنت سابقاً اعترافها بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وقطعت مساعداتها عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وأبدى مسؤولوها دعمهم المعلن لفرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية المحتلة، كما أن بنود صفقة القرن التي تمثّل ورشة المنامة الشق الاقتصادي منها لا تبتعد كثيراً عن رؤية اليمين الإسرائيلي للصراع، وهي الرؤية التي تقوم على تجاوز الحق الفلسطيني وإقامة علاقات عربية إسرائيلية ورفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة داخل حدود أراضي 1967م.   

وحول فرص نجاح ورشة المنامة في تحقيق أهدافها رغم المقاطعة الفلسطينية اعتبر الخبير في الأمن القومي إبراهيم حبيب أن نجاح الورشة مرتبط بالأساس بمدى تعاطي مصر والأردن مع متطلبات الصفقة الأمريكية وبدونهما قد تكون بوادر الفشل كبيرة لذلك تحرك مستشار البيت الأبيض "جاريد كوشنر" شخصياً لدى قيادة الدولتين بهدف إقناعهما بالمشاركة في الورشة بعد أن كان موقفهم المبدئي هو الرفض، كما دعا حبيب الفلسطينيين إلى ضرورة العمل على منع انزلاق الاْردن ومصر نحو تقديم موافقة سياسية تتعارض مع المصالح والحقوق الفلسطينية وذلك باستخدام كافة الأساليب الممكنة شعبياً ورسمياً.

ورغم أن الرفض الفلسطيني لانعقاد الورشة جاء واضحاً من خلال بيانات أصدرتها القوى السياسية والنخب المجتمعية الفلسطينية، إلا أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة اعتبر أن هذا الرفض والإعلان عن إضراب عام يوم انعقاد الورشة وإجراء مسيرات وفعاليات شعبية رافضة لا يكفي لمواجهة تلك الورشة، داعياً إلى سرعة إنهاء الانقسام الفلسطيني والتوحّد خلف برنامج سياسي وطني واستراتيجية فلسطينية موحدة لاحتواء الضرر الذي حدث ويحدث الآن.  

أخيراً فإن الكثير من الفلسطينيين يرون أن مواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني واستعادة الوحدة السياسية الفلسطينية تتطلب خطوات عملية تبدأ أولاها بالدعوة لانعقاد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذهاب إلى عقد انتخابات شاملة تفرز قيادة فلسطينية تتمتع بثِقَل جماهيري فلسطيني تستطيع من خلاله مواجهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية وتوظف الدبلوماسية الفلسطينية بما يدعم التشبّث بالحقوق الفلسطينية أمام المحافل العربية والدولية.  

 

اعداد: ماجد الزبدة

المصدر: اعداد: ماجد الزبدة -