تيسير محيسن: شعبنا بالمرصاد لكل المتآمرين

حذر تيسير محيسن عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني من مغبة التعاطي مع أي صيغٍ أو مقترحات تهدف للمساس بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتروج وهمِ السلام الاقتصادي المزعوم بديلًا عن الحقوق السياسية المكفولة بالقانون الدولي والشرعية الدولية.

وقال محيسن "نرفض التطبيع العربي قبل الحل العادل، نرفض الإملاء والابتزاز واستغلال ما نمر فيه من ضيق وعوز، كما نرفض المغالاة في الرفض العدمي واطلاق التصريحات النارية الجوفاء."

وأضاف " أؤكد أن إمكانية التخلي عن القضية الفلسطينية ودفعها إلى الخلف أمام حسابات المصالح والمكاسب الموهومة رهان في غير محله حتى وإن نجح المطبعون فيما هم بصدده إلى حين. فالوضع الحالي سوف يتغير بالضرورة وشعبنا بالمرصاد لكل المتآمرين وسوف تتحطم على صخرة صموده ووحدته ووعيه الوطني كل المؤامرات".

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها محيسن خلال المؤتمر الوطني الذي عقد في غزة ، مساء الثلاثاء، رفضا لورشة البحرين وصفقة القرن.

نص الكلمة:  
يا جماهير شعبنا العظيم،،،
أيها القابضون على جمر الحرية في كل مكان،،
في الوطن وفي الشتات،،
في القرى وفي البلدات،
في المدن وفي المخيمات،،

الأخوة والرفاق قادة العمل الوطني والإسلامي،،
الحضور الكريم،،

أسعد الله أوقاتكم بكل الخير،،،

مثلما فعلنا دوما،، ومثلما أثبتنا للقاصي والداني، للأشقاء قبل الأعداء،، أن قناتنا لا تلين، وأننا قادرون على اسقاط المخططات وإحباط المؤامرات ووأد الصفقات وإن كان بنا ضعف، وإن كانت لنا عند الآخرين حاجة..لكن حين يتعلق الأمر بفلسطين، بحقوقنا،، بوجودنا،، تنقلب الأجندات رأسا على عقب ونفاجأ حتى أنفسنا.. نعم! بوحدتنا، بصمودنا، بتماسكنا، بثباتنا نصمد في وجه الريح العاتية وقبل كل ذلك بوعينا الثوري وفهمنا الواقعي وإرادتنا الحرة نقرر مالذي نقبله وما الذي نرفضه، لن نقبل وصاية من أحد، ولن نسمح لأحد أن يبتزنا أو يستغل ضعفنا أو حاجتنا...وهذا ما سوف نفعله تجاه "صفقة القرن" وورشة المنامة أيضا.

ولعلي أسارع بالقول أن معيار نجاح هذا المؤتمر واستعادة ثقة الجمهور الفلسطيني وضمان مشاركته الفاعلة في اسقاط المؤامرة، أن نعلن مرة وإلى الأبد أن الانقسام البغيض واللعين بات خلفنا ودون ذلك، في الواقع، ستبقى أي اقتراحات وأي خطوات مجرد لغو لا طائل منه. بالوحدة الوطنية وبالتماسك الاجتماعي وبالعقلانية السياسية الثورية وبسحب الذرائع وبتوسيع رقعة الصدام مع الاحتلال بما يكشف عن عنصريته ويفضحها،،، بكل ذلك نحافظ على شرط بقاءنا فوق هذه الأرض ونقطع الطريق على المؤامرات ومنها وأخطرها صفقة القرن.

الإخوة والرفاق//
دعوني في هذه العجالة أن أتوقف قليلا عند بعض الأفكار والاقتراحات الخاصة بالصفقة وفي الجوهر الإجابة على سؤال: هل يمكن مواجهة الصفقة؟ وكيف؟ فإن لم نسقطها ونفشلها تماما فعلى الأقل فلنحد من مخاطرها وتداعياتها الكارثية:   

الصفقة، بغض النظر عن تفاصيلها غير المعلنة رسميا، من حيث الجوهر هي انتقال من التسوية إلى التصفية للمسألة الفلسطينية، في إطار استراتيجية أمريكية شاملة للمنطقة وضعت فور انتهاء الحرب الباردة، وأدخل عليها تعديلات بتأثير أحداث سبتمبر 2001، اندلاع الاحتجاجات العربية 2011، صعود الصين وأزمة 2008، عودة روسيا، اكتشاف الغاز، وبالطبع هيمنة اليمين الإسرائيلي بشقيه الديني والقومي وتزايد نفوذه في أروقة صنع القرار الأمريكي. وبالتالي لا يمكن اسقاط "الصفقة" إلا ببناء تحالفات إقليمية ودولية تشترط مثلما أعلن لافروف: لا نستطيع أن نساعدكم طالما بقيتم منقسمين!

أريد للصفقة أن تكون فيلما أمريكيا طويلا، يحمل مدلولا تسويقيا وتشويقيا يتناسب مع عقلية تاجر عقارات. ولذاعلينا أن ننتبه للخديعة! فالخطر ليس فيما يأتي أو يتوقع فحسب،، وإنما فيما يجري فعلا على الأرض منذ سنوات، الخطر في شراكة بعضنا فيما يجري دون أن يدري، الخطر أن المنطقة بأطيافها ومحاورها ودينامياتها هيئت للأسف (كرها أو طوعا) لهذه الصفقة، والعالم حتى وإن بدا معارضا لترامب، فسوف يكتفي بالفرجة. نعم، جزء كبير من الصفقة قد تحقق في الواقع، على الأقل، منذ وعد بوش الإبن عام 2004. وما تبقى من استكمال الصفقة وإخراجها النهائي قد يتم إما عبر مؤتمر إقليمي وإما بالتمرير باستخدام القوة الناعمة أو الخشنة أو كليهما.

في الواقع، ما كنا لنصل إلى هنا لولا العبث الذي مارسناه وارتكبناه بحق أنفسنا وبحق قضيتنا، قبلنا بالسقوف الواطئة، والرهانات الخاطئة والتقديرات الانفعالية وبالمساومات الصغيرة، واستغرقتنا التفاصيل المملة حتى حرفتنا عن الطريق، حولنا خلافاتنا واجتهاداتنا إلى وقود لعداء يستحكم، وقطيعة تتفاقم، ومناكفة تتزايد، حتى بدت قصعتنا مفتوحة تؤتى من كل جانب،،، ما كنا لنصل إلى هنا لولا وهم التسوية وفساد الأداء وسخافة الطرح وسذاجة الموقف، والاندراج ضمن محاور إقليمية كلها تخدم الاستراتيجية الأمريكية المتجددة. التي تكاد تنجح اليوم في تركنا في الخلف، وإنزال قضيتنا من مكانتها التي احتلتها طويلا في القلوب والأجندات، ما كان قادة الاحتلال بيريز وشارون ونتنياهو أن ينجحوا في الفصل والإجهاز والتغلغل الاقليمي وفي الضم والحصار وخلق الوقائع على الأرض وممارسة سياسة الردع لولا هذا الذي ارتكبناه: فقدان البصر والبصيرة، ضياع روحنا الباحثة عن الحرية والكرامة الوطنية، اليوم لا سبيل أمامنا إلا النهوض مجددا توقا للحرية واستعدادا للتضحية مثلما فعلنا دائما

في هذا الصدد، وبعيدا عن ضجيج الشعارات ولغو التحليلات، التي لن تسقط صفقة ولن تحول دون وقوع كارثة، أود أن أشير سريعا إلى بعض مما يجب علينا أن نفعله دون تأجيل:
التخلي عن وهم السلطة وقد انقسمنا حول مغانهما. وهذا لا يعني التخلي عن السلطة ككيان وإنما إعادة تعريفها ضمن مشروعنا الوطني المتجدد، وأيضا التخلي عن الأوهام التي رافقت مسيرتها والسلوكيات التي شابتها والشعارات التي وسمتها

طرح شعار الجمع بين الصمود والمواجهة الشاملة، وابداع الهياكل المؤسساتية (الإبقاء على ما هو موجود منها؛ تطويره والحفاظ عليه وعلى وجه الخصوص منظمة التحرير) التي تتلائم مع ذلك.
 
عدم تحويل المواقف المتضاربة تجاه ورشة المنامة أو حتى تجاه الصفقة ذاتها إلى مادة جديدة للعداء والتحريض والتشكيك في أوساطنا وفي علاقتنا مع الأشقاء العرب. فلنبتعد عن لغة التخوين وبناء الاصطفافات على أساس جبهات مفردة وحادة نحن/هم!

 تطوير استراتيجية مواجهة سياسية في القلب منها بناء تحالف إقليمي من كل الأطراف المتضررة من الصفقة ومن السياسة الأمريكية في المنطقة عموما. مع الانتباه والحذر ألا نبرر للأمريكان مزيدا من العداوة تجاهنا، وللعرب التخلي عنا، وللإسرائيليين استغلال الظرف لفرض رؤيتهم للحل النهائي بالقوة، وللمجتمع الدولي صمته وتواطؤه

هذه لحظة تاريخية شديدة الحساسية؛ ليس مقدرا لنا أن ننجز كل أهدافنا، إسرائيل في أوج قوتها، والعالم فعليا يتخلى عنا، لذا لعله من الصواب والحكمة أن نحدد ما الذي علينا فعله، بحيث نتجنب الشطب والغضب، ونضمن في الحد الأدنى المحافظة على الشرط التاريخي لهزيمة المشروع الصهيوني الإستعماري ألا وهو بقاء أكبر عدد منا على أرض فلسطين، تعزيز صمودنا، تفعيل أواصر تفاعلنا واندماجنا السياسي، تطوير هويتنا الوطنية بشقيها الثقافي والسياسي. يجب رؤية المشكلة الراهنة من منظار أوسع؛ المشكلة لم تعد حصار غزة، ولا التهام الأغوار، ولا نقل السفارة، ولا إنهاء خدمات الوكالة،،،،على أهمية كل ذلك، المشكلة باتت تتعلق باستمرار وجودنا المادي والاجتماعي والسياسي المتواصل على هذه الأرض، في انتظار شرط تاريخي مختلف نتمكن فيه من تحقيق كل آمالنا وأهدافنا الوطنية.

إننا في المجتمع المدني الفلسطيني، وفي شبكة المنظمات الأهلية على وجه الخصوص نؤكد أننا شركاء في هذا الوطن، وفي تحمل مسؤولياتنا الوطنية والاجتماعية والديموقراطية والإنسانية والخدمية، نؤكد أن  وضع استراتيجية وطنية ومجتمعية وشعبية متكاملة يتطلب ابتداء استنهاض مقومات العمل المشترك لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام فورا والتوقف عن الإجراءات العقابية وتوسيع مساحة الحريات، ونحذر من مغبة التعاطي مع أي صيغٍ أو مقترحات تهدف للمساس بالحقوق الوطنية وتروج وهمِ السلام الاقتصادي المزعوم بديلًا عن الحقوق السياسية المكفولة بالقانون الدولي والشرعية الدولية. كما نرفض التطبيع العربي قبل الحل العادل، نرفض الإملاء والابتزاز واستغلال ما نمر فيه من ضيق وعوز، كما نرفض المغالاة في الرفض العدمي واطلاق التصريحات النارية الجوفاء.

في الختام لا يسعني إلا أن أؤكد أن إمكانية التخلي عن القضية الفلسطينية ودفعها إلى الخلف أمام حسابات المصالح والمكاسب الموهومة رهان في غير محله حتى وإن نجح المطبعون فيما هم بصدده إلى حين. فالوضع الحالي سوف يتغير بالضرورة وشعبنا بالمرصاد لكل المتآمرين وسوف تتحطم على صخرة صموده ووحدته ووعيه الوطني كل المؤامرات!
عاش نضالنا العادل
المجد للشهداء

المصدر: غزة - وكالة قدس نت للأنباء -