عندما نتكلم عن القطاع العام، لا نتكلم عنه على أنه ملك للشعب المغربي، أو حتى للدولة المغربية، مهما كانت، وكيفما كانت، بقدر ما نتكلم عنه، على أنه مجال للنهب الممنهج، من قبل المسئولين، عديمي الضمير، سواء كانوا محليين، أو إقليميين، أو جهويين: جماعاتيين، أو إداريين، أو قضائيين، أو على المستوى الوطني: برلمانيين، وحكوميين، على حد سواء، من الذين بلغوا منتهى القربى من النظام المخزني، ليس إلا.
وعندما نتكلم عن القطاع الخاص، نتكلم عن المجال الذي يتم إبرازه، على أنه هو البديل المنتظر، القائم على أساس تسليع كل ما يخدم السير العادي للحياة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لتتحول الدولة إلى مجرد دركي، يحرس ممتلكات الخواص، الذين يمتلكون المؤسسات الاقتصادية، والزراعية، والصناعية، والاستخراجية: الريعية، والاجتماعية، والثقافية، ولم لا السياسية، وعلى رأسها الدولة، والحكومة.
وهذا الفرق، يصير واضحا، حتى في ممارسة الحكومة نفسها، بين القطاع العام، الذي يتعرض للنهب، في كل وقت، وحين. والناهبون معروفون، والحكومة تعرفهم، ولا تحرك ساكنا، حتى لا تخالف اختياراتها القائمة على أساس تعريض القطاع العام للنهب، والسرقة، والتفويت بغير حق، وكأن القطاع العام، الذي هو ملك للشعب، صار جرثومة، يجب التخلص منها، بأي وسيلة من الوسائل، التي يمكن أن تجعل القطاع العام، في خبر كان، ليصير القطاع الخاص، يحرسه ملاكه، وتحرسه المؤسسات العمومية، وتحرسه الحكومة كمؤسسة عمومية، وتحرسه الدولة، حتى لا يضيع منه ولو مليم واحد، وحتى يستطيع تعميق الهوة، السحيقة أصلا، بين مالكي المؤسسات الزراعية، والصناعية، والخدماتية، والتجارية من جهة، وبين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين من جهة أخرى.
ولذلك فموضوع:
((القطاع العام، والقطاع الخاص، أية علاقة؟)).
هو موضوع شائك، ويحتاج منا إلى الصراحة الكاملة، وليس إلى شيء منها، فقط.
وحتى نوفي الموضوع حقه، يجب أن نبدأ أولا بطرح الأسئلة، التي نسترشد بها في معالجة هذا الموضوع:
فماذا نقصد بالقطاع العام؟
وما ذا نقصد بالقطاع الخاص؟
وما هي العلاقة بينهما؟
هل هي علاقة جدلية ؟
هل هي علاقة عضوية؟
هل هي علاقة إيجابية؟
هل هي علاقة سلبية؟
هل تتجه العلاقة بينهما إلى تحقيق التوازن الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؟
هل تتجه إلى تغليب ما هو عام، على ما هو خاص، لحسابات معينة؟
هل تتجه إلى تغليب ما هو خاص، على ما هو عام، لحسابات أخرى؟
ماذا تقتضي مصلحة الشعب؟
هل تقتضي تغليب الخاص على العام؟
هل تقتضي تغليب العام على الخاص، في جميع القطاعات؟
وماذا تقتضي مصلحة الطبقة الحاكمة؟
هل تقتضي تغليب الخاص على العام؟
هل تقتضي تغليب العام على الخاص، في جميع القطاعات؟
وما رأي حقوق الإنسان، في العلاقة بين القطاع العام، والقطاع الخاص؟
هل تسييد القطاع العام، ينتج لنا احترام الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؟
وها تسييد القطاع الخاص، ينتج لنا نفس الاحترام؟
وهل تقبل النقابات تسييد القطاع العام، بدون الاستجابة للمطالب النقابية؟
هل تسييد القطاع الخاص، ينتج لنا الاستجابة للمطالب الشغلية: المادية، والمعنوية؟
وهل تمت ملاءمة قوانيننا المعمول بها، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى نتحدث عن تسييد القطاع العام، أو القطاع الخاص؟
وهل تم تفعيل مطلب السلم المتحرك، حتى نطمئن على مستقبل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، سواء كان ذلك في ظل القطاع العام، أو القطاع الخاص؟
أليس الأمر متعلقا باحترام القوانين المعمول بها وطنيا، ودوليا؟
أليس متعلقا بقيام الدولة بفرض احترام حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما هي متعارف عليها دوليا؟
أليس متعلقا بقيام الدولة المغربية، بفرض احترام السلامة الجسدية، والروحية، لكافة المواطنات، والمواطنين، على حد سواء، لا فرق بين فلان، وعلان؟
ألا يجب على الدولة، وعلى جميع أجهزتها، بما فيها جهاز القضاء، أن لا تتحرك إلا في إطار القوانين، وأن لا تنحاز إلى أي جهة كانت، وكيفما كانت؟
ألا يعتبر المواطنون، والمواطنات أنفسهم، وأنفسهن، سواء أمام القوانين المتلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، المعمول بها، وأمام الدولة؟
أليس من واجب كل مواطنة، وكل مواطن الحرص على حماية حقوق الإنسان، من الانتهاكات المختلفة؟
أليس من حقهم أن يعرفوا حقوقهم الإنسانية في المدرسة، كما يعرفون كل ما تريد الدولة معرفته؟
لماذا لا تتحمل الدولة مسؤوليتها في جعل كل مواطنة، وكل مواطن، مستعدا لحماية حقوقه، ولمواجهة كل من ينتهك تلك الحقوق؟
أليس الانتماء إلى الوطن انتماء للدولة، والانتماء للدولة انتماء للوطن؟
أليس من واجب الدولة التي تحكم الوطن، ومن يعيش على أرضه، أن تضمن له الحقوق الإنسانية، وحقوق الشغل، لكل أفراد الشعب، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، أو لغتهم؟
ألا يعتبر قيام الدولة بواجبها، تجاه المواطنات، والمواطنين، من عوامل تقدم الشعب، وتطوره؟
أليس الشعب المغربي معنيا بما تكون عليه دولته؟
أليس احترام القوانين المعمول بها، تكريس للاحترام المتبادل بين الدولة، والشعب؟
إننا عندما نطرح الأسئلة، وفق ما يقتضيه سياق الموضوع، لا نسعى إلا إلى تقريب المفهومين إلى الأذهان، حتى لا نمارس التضليل، الذي يتناقض مع الوضوح المطلوب.
بقلم/ محمد الحنفي