"مال العرب للغرب" مقولة سمعتها قبل عشرات السنوات من أكثر من رجل ذي خبر سياسية وثقافية واجتماعية يتولى منصبا رفيعا في المؤسسات القائمة وقتئذ. وتساءلت وقتها عن معنى هذه المقولة، فتم التوضيح لي بأن الدول العربية الغنية في منطقة الخليج تودع أموالها الاتية من تصدير النفط في المصارف الغربية، وخاصة في مصارف الولايات المتحدة. وان هذه الدول تصغي وتلبي لأي مطلب اميركي لدعم من هو موال لاميركا قبل أن يكون موالياً لهذه الدول أو العروبة.
بعد مرور هذه الفترة الزمنية الطويلة شعرت بأن هذه المقولة ناقصة، فيجب أن يتم تعديلها لتصبح المقولة "مال العرب لضرب العرب". وهذه الاموال تستغل ايضاً للحصول على رضى اميركي حفاظاً وحماية لهذه الأنظمة. وقد يقول قائل ان هذه المقولة هي تجني كبير على دول الخليج، ولكن هذه هي الحقيقة وخير اثبات على ذلك عدة امور ومن أهمها أن هذه الدول أنفقت مئات مليارات من الدولارات لتدمير ليبيا، واليمن، وسورية، وان هذه الانظمة موّلت ودعمت الارهابيين، وقدمت لاميركا هدايا عديدة، ومنها مئات المليارات من الدولارات تحت شعار دعم الاستثمار في اميركا. وهذه الاموال أدت الى تعرض قادة هذه الدول الى الاهانة بدلاً من أن يقدم الشكر لهم على ولائهم وتبعياتهم للادارات الاميركية عبر السنوات الماضية.
واثبات آخر على ان هذه الاموال هي لضرب وتدمير العرب ان ورشة عمل اقتصادية تعقدها وترعاها الادارة الاميركية في احدى العواصم المفروض ان تكون عربية. وتقدم هذه الادارة خطة اقتصادية تعتمد على 50 مليار دولار للسنوات العشر القادمة من اموال وخزائن الدول العربية بحجة تحقيق ازدهار واستقرار في المنطقة، وهي في الواقع تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها الى قضية انسانية واقتصادية وليست قضية سياسية. والغريب أن هذه الورشة تلقى دعماً عربياً في حين أن دولا غربية رفضت المشاركة في هكذا ورشة.
وها هي الولايات المتحدة تعمل بكل جدية من أجل تشكيل ناتو اسلامي سني بأموال عربية من أجل مواجهة ايران، بدلاً من العمل على ازالة الاحتلال الاسرائيلي عن اراضٍ عربية، وبدلاً من دعم اقامة دولة فلسطينية مستقلة!
لقد كان هناك قادة عرب في منطقة الخليج حذرين من التورط في قضايا عربية، وكانت سياستهم النأي بالنفس عن معظمها لتفادي الانتقاد من الشعوب العربية، لكن قادة ومسؤولين في هذه الدول لا يستحون بقراراتهم، وهم يعتبرون "اسرائيل" حقيقة واقعة، وصديقة لهم، وحريصة عليهم. ولا يخجلون من دعمهم لاجراءات التطبيع مع اسرائيل، ومن دعمهم لسياسة ادارة الرئيس ترامب التي تهدف الى شطب الوجود العربي الفلسطيني حتى على الخريطة السياسية الدولية.
لقد فشلت ورشة المنامة الاقتصادية في حشد حضور دولي قوي. وكل الامل في ان تفشل ادارة ترامب في فرض حلول يرفضها شعبنا الفلسطيني. فمهما كانت نوعية الضغوطات الممارسة على شعبنا، فان خطة صفقة القرن الاميركية ستلحق بالعديد من المخططات السابقة التي افشلها واسقطها شعبنا الفلسطيني عبر تصديه لكل مؤامرة من مؤامرات التصفية للقضية. ورغم الانقسام في ساحتنا الا أننا موحدون في التصدي لكل الايادي التي تحاول المس بعدالة وشرعية قضيتنا.. وان اموال العرب لن تستطيع النيل من ارادة وصمود هذا الشعب الجبار!
بقلم: جاك يوسف خزمو
رئيس تحرير مجلة البيادر
القدس 27/6/2019