في السنوات الأخيرة ألاحظ أن المرأة تأخذ حيزا يتزايد باستمرار في المشهد الأدبي العربي داخل اسرائيل.
للأسف هناك عوائق كثيرة تشكل الكثير من العوامل السلبية على تطور ثقافتنا بمجملها، سأذكرها بدون توسع:
1. مشكلة النشر والتوزيع
2. غياب الصحافة الثقافية، هناك محاولات آمل ان تنجح وان نرى مجلة ثقافية فكرية كما كانت مجلة "الجديد" في وقتها.
3. غياب نسبي كبير للصفحات الثقافية من الصحف المطبوعة.
4. مؤسسات الجماهير العربية بكل انواعها وتشكيلاتها لا تقدم لتطوير الحياة الثقافية أي دعم. وغير ذلك الكثير...
تعرفت على عايدة خطيب عبر نشاطها الثقافي وبالتحديد بكتاب "اشعار للأطفال" الذي وقع تحت يدي بالصدفة، فشدّني بروحه وصوره الشعرية التي نقلتني لعالم الطفولة المذهل بجماله الرائع، برونقه، بألوانه وكان أول كتاب محلّي للأطفال أقرأه.. ليس قصورا مني انما لم أجد ما يشدّني ضمن مشاغلي الكثيرة لأتعرف على هذا الجانر الأدبي، الذي لا أقلّل من أهميته وقيمته الإنسانية والجمالية لتطوير وعي أطفالنا.
في السنوات الاخيرة تعرفت على ابداعات كتاب آخرين.. وأستطيع القول ان الكتابة للأطفال اصبحت ساحة مخترقة من عدد كبير من الأسماء بعضها رائع حقا وبعضها لم اجد به ما يخدم الهدف من الكتابة للأطفال...
هل التهافت على الكتابة للأطفال، الذي تشهده ثقافتنا العربية داخل إسرائيل هو تهافت طبيعي ام يخفي وراءه أهدافا لا تخص النشاط الثقافي ومتطلبات تطوير أجندة تخص عالم الطفولة؟
أقول بوضوح، ما عدا قصصاً قليلة ولأسماء قليلة جدا من كتاب الأطفال لم أجد إلا كتابات تتراوح بين الإجادة والإجادة المتوسطة من جهة والثرثرة المؤسفة والمضرة من الجهة الأخرى.
يهمني بهذه المناسبة أن اتناول بعض المميزات لدى الأديبة عايدة خطيب في تناولها لعالم الطفل وهو عالم مركب جدا، آسر جدا بجماله، تتحكم فيه أجمل المشاعر الانسانية وأكثرها براءة ونقاء. اقول بثقة ووضوح ان عايدة خطيب فاجأتني وأعادتني طفلا وأنا أقرأ اول كتاب لها "أشعار للأطفال". وقد لاحظت انها تعمل بلا كلل على تطوير تجربتها في الكتابة القصصية والكتابة الشعرية للأطفال، وقد اصدرت حتى اليوم اكثر من اربعين قصة وديوان شعر يخص الأطفال.
المميز الهام لدى عايدة خطيب هي قدرتها على الدخول الى عالم الطفل وتفكيره وردود فعله، حيث استطاعت ان تحافظ على رونق عالم الطفولة مثلا قصيدتها "أحب اللعب بالكبريت" نقرأ:
" أحب أن ألعب
بعلبة الكبريت
فتفزع أمي
تصيح يا عفريت...
كم لاعب بالنار
أحرق كل الدار
وحينما تذهب
أمي الى المطبخ
لتطبخ الطعام
وتشعل الكبريت
أعدو وراءها وأصيح
يا عفريته..."
من منا لم يعش هذه القدرة الطفولية على الربط بين الظواهر وليس بين المضمون. من هنا ينبع جمال عالم الطفولة الذي عرفت عايدة ان تتسلل اليه وتنقله لنا.
لغة عايدة تتميز بالبساطة والسهولة وتضفي لونا اضافيا على النص ما هو أهم من اللغة القدرةُ على دخول عالم الطفولة المسحور والأسطوري والكشف عن نمو شخصية الطفل وتكوينها. ان اسلوب اكتشاف الأطفال لذاتهم، لواقعهم وإدراكهم لعالمهم ليس أمرا سهلا. في قصيدة "أحبكم ان تسمعوني" تقترب عايدة أكثر للتفكير الطفولي:
" حين تموء قطتي
وتطلب الطعام
أنهرها بشدة
فنحن بالصيام"
في قصيدة موجهة بالأساس للأهل، عبر الرؤية بعيني طفلة، وكأني بها توبّخ الكبار خاصة بموضوع التفضيل الذي يحظى به المولود الذكر عن المولودة الأنثى، في قصيدتها "لماذا أمي حزينة" تمسّ عايدة قلب المشكلة بكلمات تنغرز بالقلب بألم:
"يظلّ فكري حائرا
أياما كثيرة
فأمي تبدو دائما
تعيسة حزينة
لأن أمي أنجبت
أختي أمينة
ولا أخ في بيتنا
ونشتهي البنينا"
أعترف ان أدب الأطفال بدأ يشدني منذ قرأت "أشعار للأطفال " للأديبة عايدة خطيب، حيث اكتشفت الكثير من الأفكار والعمق الانساني الذي بدأنا نفتقده في عالم "الشاشات الألكترونية" التي تملأ كل زوايا بيوتنا. في بعض ما يكتبه الكبار للصغار بدأت ألمس تطور "النص الألكتروني".. ضجيج لا يقول شيئا.. ربما لغويا لا بأس بالنص.. لكنه خطاب لا يصل للعنوان الصحيح.
على عكس ذلك عايدة خطيب نجحت بنقل عالم الطفولة بتوهجه. الموضوع ليس لغة فقط مع أهمية اللغة والمفردات التي نختارها لمخاطبة الطفل انما النجاح بتقمّص تفكير الطفل الساحر والأسطوري ولنحلم بلا خجل كالأطفال، ربما عندها نستطيع ان نحلم كالكبار، فبدون ان نحلم لا معنى لكتاباتنا. الكتابة في جوهرها هي العلاقة بين الحلم والواقع. اتمنى لعايدة خطيب ان تواصل الحلم مع الأطفال وتمنحنا كبار وصغارا لحظات من الجمال والمتعة.
نبيل عودة