اذن فنحن نحتاج اولا الى استعادة رسالتنا لكي نتمكن من استعادة دورنا كأساس لاستعادة ذواتنا الحقيقية القادرة على صياغة الدور المفترض لنا كمكون اساس من مكونات المجتمع الانساني نكمل الادوار الاخرى التي تقوم به المكونات المشاركة فعلا بهذا الدور وعلى هذا الطريق فان العثور على ذواتنا يقوم على العثور على دور هذه الذات فلا وجود للعدم تماما كما هو القول الصحيح لا وجود من العدم والذين يعيشون على قاعدة تمضية الوقت لا اكثر لا يمكن التفريق بينهم وبين الحجارة الملقاة عبثا على قارعة الطريق ان لم يكن التشبيه الاسوأ هو الاكثر دقة.
هل يمكننا القيام بدور مبتكري صناعة جديدة ... ثورة صناعية جديدة ... ثورة تكنولوجية جديدة او ثورة اتصالات او ثورة رقمية او ثورة مختلفة اخرى لم تولد بعد واذا كان الامر ممكن فلا بد لنا من ان نعتمد على المنجزات البشرية الحية والقائمة فعلا والتي قدمت انجازات لا سابق لها اهمها انها استطاعت تصغير العالم حد الصفر والغت القيمة الحقيقية للمسافات بل والازمان والاماكن فلم تعد المسافات تشكل عائقا لحوار الحضارات والتلاقح الحضاري والمعرفي على الاطلاق ولم يعد هناك اهمية حقيقية لدور الفلاسفة والعلماء المتميزين بل صارت المعرفة ملك الجميع بلا استثناء ولذا سقطت او انها في الطريق الى سقوط كل اقنعة المعرفة الرزينة التي استخدمت للتعمية على عقول البشر وصار كل مواطن في الارض فيلسوف او عالم بالمعنى المعرفي وانتهت مكانة كهنوتيي المعرفة التي سلحتهم لقرون بالقدرة على صناعة قناعات البشر والتحكم بمسلكهم وفعلهم.
الحياة اليوم قائمة على البحث المتاح للجميع والعالم الفيلسوف جوجل هو اخطر العلماء والفلاسفة عبر العصور فهو وحده القادر على ان يحضر لك ما تريد الى الحد الذي يشبه مصباح علاء الدين السحري وبالتالي اصبح بإمكانه ان يصوغ فكرك واداءك عبر ما يقدم لك من معلومات ليست بريئة على قاعدة ان جوجل ليس عالما بريئا مطلق الشفافية بل هو مكون بشري يمثل اصحاب المصالح الحقيقية في صناعة مجتمع انساني مطيع لأصحاب المصلحة متناقض مع ذاته ومكوناته بما يشكل اداة مناسبة لمواصلة السيطرة على الارض ناسا ومقدرات.
لقد استطاعت الامبريالية العالمية ان تقدم لنا فكرة الصدمة المنتصرة والتي مكنتها ولا زالت تمكنها من احداث حالة انبهار بهذه الصدمة ومكوناتها ولا زال بسطاء الناس مصدومين وسيبوا لعقود من ما يستخدموه خارج قدراتهم العقلية البسيطة بأدوات الاتصال والتواصل حد تغيير جوهري في مكونات الاقتصاد الانساني من اقتصاد السلعة الملموسة والمادية المتاحة عبر الفعل اليدوي المباشر للإنسان الى اقتصاد المعرفة الذي صاغ ويصوغ حالة تيه انساني افقدت الفلاسفة وصناع الفكر قدرتهم على الاتيان بأدوات جديدة يمكنها صياغة ثورة انسانية حقيقية بعيدا عن الاسس التي انهارت عبر العقود القليلة السابقة.
بات اليوم من الضروري اعادة صياغة اقتصاد سياسي جديد بعيدا عن راس مال ماركس وتقديم رؤية جديدة لعلاقات الانتاج التي قامت على انقاض الرؤية التقليدية لعلاقات الانتاج الطبقية فالعلاقة عبر اقتصاد المعرفة هلامية حد عدم القدرة على تحديد اطرافها بشكل مباشر كون هذه الاطراف اصلا قد لا تقيم علاقة مباشرة بينها كمكون للبناء القائم لهذا الاقتصاد فصائغ المعلومة في كثير من الاحيان مختبئ خلف عباءة جوجل والمتلقي منفرد بحالة التلاقي والتفاعل مع المعلومة وحتى حين يرغب بخلق حالة تفاعلية في سبيل تطوير معلومته فان الوسيط المتاح هي الشبكة العنكبوتية.
لقد استطاعت القوى المسيطرة على اقتصاد المعرفة ان تصنع بحرفية عالية عالما موازيا للعالم الملموس الذي نعيش وهو العالم الافتراضي عبر الفضاء الالكتروني وكما ان قدرتنا على اكتشاف الكون محدودة حتى اليوم فان القدرة الفردية على الاحاطة الاجمالية بمتاهات العالم الافتراضي هذا لا زالت محدودة وستبقى على ما يبدو وهو ما جعل المكون البشري البسيط يعتقد ان الانتماء للعالم الافتراضي هو الحل المتاح عمليا للخروج من كوارث العالم الملموس والاكتفاء بالوهم المتاح بإقامة حياة افتراضية تفاعلية مبهرة بعيدا عن منغصات المادي الملموس وذلك يعني ان الفكر او العقل الناتج عن فعل ملموس هو صاحب القدرة على احداث السعادة بافتراض مكوناتها وهو ما يعني ان النتيجة المطلوبة كغاية هي سلام الروح الغير مفسرة علميا حتى الآن مع عجز الاديان عن تقديم الاجابات عن سؤالها الذي بات غير مجدي ولو شعبيا
المطلوب اذن مغادرة العالم الافتراضي او اعادة صياغته بما يضمن تمليكه للمكون الاهم للمجتمع البشري وهو الانسان الفرد كلبنة من الانسان الجماعة وهذا ما هو متاح امام العرب بشكل عام والفلسطينيون بشكل خاص للقيام به باستعادة دورهم زمانا ومكانا في بناء مملكة الروح وقد قامت فلسطين اولا بدورها عبر نقل رسالات السماء الروحية الى الارض وكذا فعلت اماكن اخرى كالعراق بحضاراتها العظيمة ومصر وحتى جزيرة العرب وهو ما يعني ان هناك ثلاثة مكونات لاقتصاد الارض او ثلاثة مراحل وهي مرحلة اقتصاد الانسان حين كان هو ذاته سلعة متاحة واقتصاد الروح حين كان من الضرورة ان ننجز تخليص الانسان واستعادة انسانيته وهو ما فعلته الاديان ثم اقتصاد الطبيعة المتاحة حين كانت الارض بعذريتها مصدر الغذاء والمسكن والملبس وواصلت ذلك حتى اقتصاد السلعة حيث استعاد الانسان الفرد والجماعة قدرتهم على صياغة حياة البشر قبل ذواتهم وحين صار من الضروري لمن يصنعون الحياة ومكونها ومكون اقتصادها ( السلعة ) كان لا بد من حرمانهم من هذه القوة القادرة ان توقفت عن العمل ان تهدم كل الممالك قولا وفعلا وكانت الثورات الاشتراكية منذ 1917م في روسيا القيصرية وما تبعها ناقوس خطر دق بآذان الرأسماليين بما هو قادم وجعلهم يرون الخطورة الكامنة بتضخيم الانا الفرد بحيث لم يعد العبد فردا مقتولا وغير قادر على التماسك مع غيره بسبب كم القمع الهائل الواقع عليه وطول مدته بما لا يتيح له حتى التفكير بواقع حاله وهو ما صار متاح في زمن الالة التي منحت العامل صاحب القيمة الفائضة القدرة على التواصل مع غيره بما جعل الانا الفرد في مهنة ما الاف الافراد وقمع الفرد وحيدا بات غير متاح الا بقمع اناه الاشمل من قبل مشغليه ومحتكري قوته البدنية والعقلية مما جعل الثورة امرا حتميا وضورة لا بد منها للتخلص من الحال الاسوأ الذي يعيشه الافراد بصفاتهم وبما يملكون لا بذواتهم.
التالي اذن كان ضرورة اصحاب راس المال وهو العودة بالأفراد الى فرديتهم بعيدا عن الفكر الجماعي المتأتي عن الفعل الجماعي وحين حلت الالة مكان الانسان وحلت الشاشة البعيدة مكان صوته وصورته المباشرة باتت القدرة على الثورة اضعف بكثير مما كانت عليه بما في ذلك المحفزات الذاتية لصناعة هذه الثورة واتيح بدلا من ذلك وسائل تعبير وتواصل بعيدة وهمية متاحة تمكن الفرد من الانتصار دون فعل وتجعل منه ومن حياته وهما يفقده انسانيته ويعطيه عالمه في ان معا فانت ملك منفرد على شاشة بمساحة عدة بوصات قليلة تلهيك عن واقع الحال او تمنحك سعادة الانتصار الوهمي بما يكفي لاحتمال غياب هذا الانتصار على ارض الواقع.
كل اقتصاد البشرية هو اقتصاد سلعي والسلعة الاولى كانت هي الارض كمصدر للغذاء والثروة ثم الانسان نفسه ( العبد ) يباع ويشترى ثم تم توحيد السلعتين معا فبات الانسان السلعة ( القن ) يباع ويشترى مع الارض الى ان ظهرت السلعة المادية المصنوعة بأيدي البشر والتي منحت صناعها قوة غير عادية للتحكم بمستقبل البشرية وجعل من امكانيات ثورتهم حبلا مخيفا ملفوفا على اعناق اصحاب راس المال الذين صنعوا اقتصاد جديد وهمي غير ملموس وهو اقتصاد المعرفة كغطاء لاقتصاد سلعة السلاح والقتل الذي مكنهم من صناعة مصدر نهب جديد لا احد يملك الحق به كستار لنهب كل ما هو مادي متاح على الارض باستخدام البشر كمستهلكين لاقتصاد المعرفة الخرافي هذا وقاتلين ماجورين بإرادتهم لنهب خيراتهم لصالح غيرهم.
اقتصاد السلعة الانسان والسلعة الارض والانسان والسلعة المصنوعة بيد الانسان الى اقتصاد الوهم والعالم نائم بينما ظل اصحاب السلطة والثروة الاقدر دوما على امتلاك ادوات السيطرة على الانسان مستخدمين دوما سلاح الروح المملوك لهم عبر ملكية ادواته ومنظريه ودعاته وهو ما مكنهم حتى اليوم من فرض سيطرتهم حد ان استعاضوا عن سلاح الروح بسلاح المعرفة وهو ما يعني ان علينا ان نستعيد سلاح الروح حد صناعة اقتصاد موازي هو اقتصاد الروح والدفع بالذات الانسانية الى استعادة توازنها الانساني والتخلص مما فرض عليها من فردية انانية غير فاعلة الا بأدوات الذات لصالح الذات الانا المغلقة عملا وفعلا والمتاحة وهما وافتراضا بقناعتها انها تصوغ ذاتها دون ان تشعر ان هذه الصياغة معدة مسبقا بصناديق وهمية تتاح للمرء وقت شاء وهي التي تصوغ ذاته رغما عنه عبر اقناعه انه فاعل الصياغة لا احد سواه.
اقتصاد الروح او عالم الروح هو بديل البشر عن اقتصاد المعرفة والعولمة وما شابههم بما يكفي لصياغة سلام انساني انساني يطال البشرية جميعها ويجعل من الارض وحدة واحدة ومن البشر امة واحدة ايا كانت المكونات والتطبيقات العملية لذلك كنقيض وناقض لبذائة الاستغوال الامبريالي الذي غلف اقتصاد الموت وسلعة الحرب بغلاف كاذب سماه اقتصاد المعرفة وسلعة التواصل وهو ما يعني ان علينا ان نكون قادرين على دفن سلعتهم الحقيقية وهي سلعة الموت والحرب والسلاح بسلعتنا الانسانية وهي سلعة الروح كحقيقة مالكة لاقتصاد المعرفة وسلعة التواصل بديلا للمستغولين الإمبرياليين وعلى صناع الغد من علماء ومفكرين ان يكتشفوا الادوات الممكنة والمتاحة لخلق عالم جديد باقتصاد جديد هو عالم الروح واقتصاده كعالم واقعي يقوم على السلام والفعل والتناقض الوحيد المقبول به هو تناقض الانسان مع اعداء انسانيته كالمرض والجوع والخوف بما يكفي ليتوقف قتل الانسان لأخيه الانسان وعقد صلح قابيلي قابيلي ينهي حالة الحقد المزمن منذ السلاح الحجري الاول الذي قتل به قابيل اخاه هابيل وترك لأحفاده من بعده نموذج يحتذى بقتل الانسان لأخيه الانسان دفاعا عن مصالح الانا الفردية المتأصلة والتي لا يمكن لها ان تغيب الا بانا الروح انسانية وسلامها.
لقد كانت بلادنا فلسطين وستظل مهد ثورة الروح على الارض وهو ما يلزم اهلها باستعادة مكانتهم ودورهم المنوط بهم باعتبارها عاصمة الروح على الارض وبالتالي فإننا الاقدر دون غيرنا ان نقود من جديد ثورة الروح الحقة لكل البشر بما يضمن سلاما انسانيا حقيقيا يطيح نهائيا بعروش صناعة السلاح وادواتهم كمالك ومكون لاقتصاد الكراهية والموت لا اكثر لصالح الاثراء الفاحش والغير مبررة اهدافه أيا كانت تلك هي طريقنا للعثور على ذاتنا واغتيال الدونية التي نعيش لصالح قاتلينا وناهبي خيرات ارضنا باعتبار الارض كل الارض لنا كناس كل الناس.
بقلم/ عدنان الصباح