امرأةٌ تتوق بجنونٍ لزمنها الجميل، تجلس هنا، وتتذّكر كلّ شيءٍ عاشته منذ زمنٍ بعيدٍ، لم تعد تتذكّر أي شيء سوى الصّور الجميلة داخل عقلِها المرتبكِ من جُنونِ الحروب المستمرة في كلِّ مكانٍ، أهملت ذاتها بينما كانت تحاولُ الولوجَ إلى الماضي عرفتْ فيه الطيبة بأُناسِه الطيبين، هي امرأة البكاءِ على ماضٍ جميلٍ ولّى كسرعة البرق، تقوقعتْ هنا منذ صغرها في بيتٍ من صفيحٍ، وبقيت تتذكر كلّ هزائمنا، وحُبّنا للوطن السّليب، ها هما عيناها تجعلهما مفتوحتين للبكاء، والعويل على ماضٍ تحنُّ له بشغف مجنون.
كل يوم تراها تقعُ في سُلّمِ الفشل، وتسقطُ عيناها على مذكرات يومية كتبتها، حينما كانت مولعة بكتابة مجدِنا، تراها تتألّمُ مما وصلنا إليه من جُنونِ الموت، فهي كامرأة تراها في عالمٍ بات يُحبُّ الموْتَ أو فُرض عليه الموت، تشعرُ بأنّ أغوارها تتألم من الحُزْنِ على ماضٍ جميلٍ ولّى سريعا.
لقد تعبتْ من تذكّرها للماضي، لأنها تشتاق لذاك الزمن المختلف، ها هي تراها تعيشُ هنا في بيت يستره الصفيح، وفي عتمة مجنونة تشبه حفرة الموت.. الصمت هنا يظل أمام عينيها.. نباحُ الكلابِ الضّالة يزعجها، لا تعرفُ النّوْم البتّة من نباحها الغريب.. تريد أنْ تنامَ بهدوء لكي تنسى الماضي رغم توقها له.. تظلّ تكتبُ نصوصاً عنْ رجُلٍ هجرها ذات زمنٍ مع امرأةٍ أخرى أبشعَ منها.. تحاول نسيانَ الماضي، لكن دون جدوى..
لكنه يُخيّل لها أحيانا بأنّ صوتَه يقول ما زلتُ أُحبّكِ يا امرأة الجنون
تظلّ تتمتمُ فلماذا لمْ تعدْ إليّ إذا كنتَ تعشقني؟
فتقول له تعال لترى كيف أعيشُ في بيتٍ من صفيحٍ وبلا غطاءٍ.. أشتاق لدفئكَ أيها المتهوّر في غربة مجنونة.. أعتقد بأنك غي غربتكَ تظلّ جالسا في حانةٍ مع امرأة كل ليلة، ألم تشتاقُ إلى حُبِّنا؟ فتعال لترى كم بات زمننا زمن الموت من حروب مستعرّة.. فهنا زمنُ الموْتِ بات يبتلعنا، أما أنتَ فغارقٌ في نزواتكَ المجنونة هناك.. أتدري بأنني أحنُّ إلى ماضينا الجميل، فتعال، ودعكَ من جنونِ الرّكض خلف نساءٍ مفتوناتٍ بأجسادهن العارية.. أدري بأنني هرمتُ، ولكنني سأعطيكَ كل الحُبَّ..
بقلم/ عطا الله شاهين