المختار هو رجل بسيط وبعيد عن السياسة , ويعمل على خدمة أبناء عائلته , وخدمة القانون , ضمن حدود محدودة , وهو حاصل على ختم من وزارة الحكم المحلي "دائرة شئون المخاتير" بناء على تفويض من أبناء عائلته , وشهادة حسن سير وسلوك من وزارة الداخلية , وبموجب هذا التفويض يكون المختار الناطق الرسمي بإسم عائلته أو بلدته في حال أنه مختار بلدة , أمام الحكومة والعشائر ولجان الإصلاح , وبالطبع لا يتحدث المختار إلا بناء على موافقة من الشخص صاحب الشأن أو المشكلة , وتعتمد وزارة الحكم المحلي عدد من المخاتير لكل بلدة يحملون ختم مختار بلدة , وذلك بناء على تفويض من أبناء عائلاتهم وأبناء بلدتهم.. هذا هو الوصف الصحيح للمخاتير , كل الإحترام والتقدير .
أما في ظل دولة القانون المؤسسات والتي يتحدث عنها السياسيون في خطاباتهم , فلم أجد من دولة القانون شيئ على أرض الواقع , لسببين كلاهما سلبي .
أولاً : وزارة الداخلية تعتمد على المخاتير ورجال الإصلاح في حل النزاعات عشائرياً , لأن ذلك يشيل حملاً ثقيلاً عن رجال الأمن , ويقلل من تكلفة التأهيل والإصلاح ومتابعة القضايا والتي هي ملقاة على عاتق الوزارة , ومن هنا فالوزارة لا تهتم من التداعيات السلبية التي تترتب على هذا التجاوز , فالحلول العشائرية وبغض النظر عن هدفها السامي , تسحب البساط من تحت القانون تدريجياً , وتعمل على تغييب ثقافة إحترام القانون بين الناس .
ثانياً : نحن الفلسطينيين ورغم التقدم العلمي والتطور الملموس , إلا أننا عشائريين وقبليين , ولا زلنا متمسكين بعادات وأعراف عشائرية سواء كانت إيجابية أو سلبية , وهذا يجعل الشارع الفلسطيني في حال تناقض مستمرة , فإذا كان المواطن ضعيفاً يلجأ الى القانون , وإذا كان قويأ يلجأ الى العشيرة , وللأسف فإن المواطن الضعيف حقه مهضوم سواء بالقانون أو بالعشائر .
إن السياسيين صناع القرار في فلسطين حاولو أن يلعبو على هذان الكرتين "الحلول العشائرية والقانون" فإذا حدث شجار أو إعتداء أو جريمة قتل مثلاً , تتولى لجان الإصلاح والمخاتير هذا الملف بعيداً عن القانون وبتفويض من القانون , ويتم إعتماد الأحكام الصادرة من هذه اللجان والمخاتير وأصحاب المشكلة رسمياً وبعلم القانون , بدلاً من إعتماد الأحكام والتي من المفترض أن تصدر من المحكام المخولة بذلك.. وإذا حدث مظاهرة شعبية ضد الحكومة , أو ضد غلاء معيشة مثلاً , أو ضد أي تجاوزات حكومية , حينها ينتهي مفعول المخاتير ورجال الإصلاح , ويبداً دور القانون والمتمثل في السلطة التنفيذية في هذه الحالة , لتتحول الى سلطة قمع وتستخدم العصي والسلاح ضد المتظاهرين , وحينها يضربون المخاتير ورجال الإصلاح مثلهم مثل المتظاهرين في حال وجودهم في المظاهرة .
رغم بعض التجاوزات القانونية والتشريعية والتي تصدر من المخاتير ورجال الإصلاح من خلال حل النزاعات , إلا أن الناس يرتاحون للحلول السريعة وحتى لو كانت على حساب الشريعة الإسلامية والقانون , ولكن المشكلة هنا ليس في راحة الناس , إنما في تهميش سيادة القانون في ظل الحلول العشائرية , فيجب أن تبقى سيادة القانون حاضرة .
هكذا هم السياسيون , عندما يريدونها دولة المخاتير يلعبون على هذا الكرت , وعندما يريدونها دولة القانون والمؤسسات يلعبون على هذا الكرت , ودون مراعاة مشاعر وحقوق الناس , فمرة تجد المختار قاضياً بصلاحيات من الحكومة , ومرة تجد المختار ملقى في السجن أو مضروب بالعصاة حين يقتضي الأمر.. فمن الأفضل أن تبقى سيادة القانون , وأن يبقى الجميع تحت القانون , بدلاً من أن نتحول الى غابة .
بقلم/ أشرف صالح